أوراق الفلسطينيين وخياراتهم "المحدودة" لمواجهة "صفقة القرن"
٢٧ يناير ٢٠٢٠سويعات قليلة تفصلنا عن ما قد يكون نقطة انعطاف مفصلية في تاريخ المنطقة ألا وهو: إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن خطته للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والتي باتت تُعرف إعلامياً بـ"صفقة القرن".
وصرح ترامب بعدما استقبل الإثنين في البيت الأبيض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أنه سيكشف تفاصيل خطته الثلاثاء (28 كانون الثاني/ يناير 2020).
وبعيد لقائه بنتانياهو استقبل ترامب أيضا زعيم حزب أزرق أبيض الإسرائيلي بيني جانتس، منافس نتانياهو في الانتخابات المقبلة المقررة في مارس آذار.
ولم يتلق الفلسطينيون، الذي يقاطعون البيت الأبيض منذ نقل السفارة الأميركية إلى القدس نهاية عام 2017، دعوة لحضور أي اجتماعات في واشنطن.
"إنهاء" الانقسام
"جاهزون للقاء عاجل مع الإخوة في فتح وجميع الفصائل في القاهرة لنرسم طريقنا ونملك زمام أمرنا ونتوحد في خندق الدفاع عن قدسنا وحرمنا وحرماتنا"، دعوة وجهها رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية الأحد.
على تلك الدعوة علق الدكتور والأكاديمي اللبناني، جلبير الأشقر، قائلاً: "إن لم يستطع الفلسطينيون تجاوز الانقسام الآن في ظل هذا الظرف، فهذا يعني أنه لا أمل في حصول ذلك في أي وقت".
الخبير والمحلل السياسي الفلسطيني، طلال عوكل، من جهته، يعتقد أن الانقسام يشجع على تنفيذ "صفقة القرن وهو وسيلة بيد إسرائيل لكي تدفع الأمور نحو دولة غزة ومصادرة الضفة الغربية بالكامل".
وقد بدأ الانقسام الفلسطيني مع سيطرة حركة "حماس" على قطاع غزة بقوة السلاح في منتصف عام 2007.
حل السلطة هو الحل؟
سبق تصريح هنية، تهديد مسؤولين فلسطينيين في رام الله بالانسحاب من اتفاقات أوسلو، التي تحدد العلاقة بين إسرائيل والسلطة. وقال أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، صائب عريقات: "خطواتنا للرد على إعلان صفقة القرن تتمثل بإعلان تنفيذ قرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير وأبرزها إعلان انتهاء المرحلة الانتقالية".
كما لوح ناطق باسم الرئاسة الفلسطينية الأحد بحل السلطة الفلسطينية. وقال نبيل أبو ردينة للإذاعة الفلسطينية الرسمية إن القيادة الفلسطينية ستعقد اجتماعات داخلية على كافة المستويات وسيتم بحث كافة الخيارات بما فيها مصير ومستقبل السلطة الفلسطينية على أن يكون أي قرار متخذ مدعوم عربياً ودولياً لرفض أي استهداف للحقوق الفلسطينية.
الأستاذ في معهد الدارسات الشرقية والأفريقية في جامعة لندن (SOAS) جلبير الأشقر يرى أن اتفاقات أوسلو من الناحية العملية "ميتة سريرياً"، مضيفاً أن ما يطبق منها فقط تعامل السلطة الفلسطينية مع الأجهزة الإسرائيلية في موضوع التنسيق الأمني. وأضاف في حديث لـ DW عربية أن "لا التهديد بالانسحاب ولا الانسحاب نفسه سيؤثران على ترامب أو نتينياهو".
وأمَّا عن التلويح بحل السلطة الفلسطينية فيجزم الأشقر بأنه "جاء متأخراً وكان يجب أن يحدث في وقت كان لدى الولايات المتحدة إدارات تتفهم أهمية القضية الفلسطينية، على الأقل فيما يتعلق بصورة أمريكا في العالمين العربي والإسلامي".
وأما الخبير الفلسطيني طلال عوكل فقال في تصريح لـDW عربية إن "حل السلطة صعب ومعقد" مستبعدا لجوء القيادة الفلسطينية لمثل هذا الخيار وأضاف: "لا إمكانية جدية لذلك: أين يذهب الموظفون؟ وماذا عن الخدمات؟".
وتنص اتفاقات أوسلو الثانية الموقعة في أيلول/ سبتمبر 1995، على فترة انتقالية من خمس سنوات يتم خلالها التفاوض على قضايا القدس واللاجئين والمستوطنات والترتيبات الأمنية والحدود والعلاقات والتعاون مع جيران آخرين. وبموجب هذه الاتفاقات، قسمت الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق: "ألف" خاضعة للسيطرة المدنية والأمنية الفلسطينية، و"باء" وتخضع لسيطرة مدنية فلسطينية وأمنية إسرائيلية، و"جيم" تخضع لسيطرة مدنية وأمنية إسرائيلية.
وبعد انتهاء الفترة الانتقالية دون التوصل لحل جميع القضايا أنفة الذكر، تم تجديدها بشكل تلقائي من قبل الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، هذا قبل أن تنهار بشكل نهائي في 2014.
"لا للمقاومة المسلحة"
يحذر الأستاذ في معهد الدارسات الشرقية والأفريقية في جامعة لندن (SOAS) من اللجوء للسلاح وتكرار "خطأ انتفاضة الأقصى". ويبرر ذلك بـ"ميلان ميزان السلاح لصالح إسرائيل واستغلال إسرائيل للأمر لقضم المزيد من الأراضي الفلسطينية". ويرى جلبير الأشقر أن انتفاضة شعبية على غرار الانتفاضة الأولى هي ورقة قوة: "الانتفاضة الأولى أربكت إسرائيل كما لم يربكها أي عمل آخر في تاريخ النضال الفلسطيني".
ويتفق الخبير الفلسطيني مع نظيره اللبناني في عدم جدوى أي "كفاح مسلح" ويشدد على أهمية التحرك الشعبي، بيد أنه يركز على أن التحرك الشعبي مرهون بإنهاء الانقسام ورص صفوف الشعب الفلسطيني.
بعد توجيه هنية دعوة لفتح وبقية الفصائل للاجتماع بالقاهرة الأحد أُطلق صاروخ من قطاع غزة باتجاه إسرائيل. وكان الجيش الإسرائيلي قد شن مساء السبت غارات جوية على أهداف لحركة حماس في قطاع غزة رداً على إطلاق بالونات حارقة باتجاه الجانب الإسرائيلي.
ماذا عن العرب والأوروبيين؟
يشير جلبير الأشقر إلى أن خيارات الجانب الفلسطيني "محدودة". غير أنه يعتقد أن حملة تضامن عربي وعالمي ستظهر للولايات المتحدة ولإسرائيل أن "الاستفزاز المتواصل سيكون له ثمن". ويخلص إلى أن رد الفعل الشعبي القوي "قد يُحدث" تأثيرا في حال جاء رئيس ديمقراطي لسدة الحكم في واشنطن.
أما طلال عوكل فيختلف في الرأي بعض الشيء مع جلبير الأشقر في أن المراهنة على "حملة تضامن وحراك شعبي" تتصل بسياسة طويلة الأمد وليست إجراء إسعافي. غير أنه يعود ويؤكد أن "الموقف الرافض وحده لا يكفي. نحتاج لاستراتيجيات وطنية جديدة تقوم على المقاومة الشعبية السلمية والعودة للمطالبة بكل الحقوق الفلسطينية كاملة وتفعيل نشاط الفلسطينيين في الخارج أيضاً".
ويشير عوكل إلى أن "الدولة الوطنية العربية حريصة على ذاتها واستقرارها أكثر من حرصها على القضية الفلسطينية، هذا ناهيك عن أن بعض الدول منخرطة في صفقة القرن وتنتظرها على أحر من الجمر. والأوروبيون ليس بيدهم أي قوة ضغط".
رئيس الحكومة الفلسطينية محمد اشتية قال الإثنين إن الخطة المرتقبة "تقصف أسس الحل العربية (...) وخاصة مبادرة السلام العربية"، مناشداً الدول العربية "أن تكون درعاً واقياً لحماية فلسطين من المؤامرة الكبرى وصون حقوق أهلها".
يقول الفلسطينيون إن خطة ترامب للسلام تقضي بأن تضم إسرائيل غور الأردن، المنطقة الاستراتيجية الواسعة، الذي يشكل 30 بالمائة من مساحة الضفة الغربية، والمستوطنات في الأراضي الفلسطينية، والاعتراف بالقدس عاصمة موحدة للدولة العبرية. لكن الغموض يلف مسألة قيام دولة فلسطينية، والتي يعتقد البعض أنها لن تكون ممكنة إلا على مساحة 50 بالمائة من أراضي الضفة الغربية.
الموقف التقليدي للأسرة الدولية يتحدث عن "حل الدولتين" ويؤيده. بينما، وفي قطيعة مع ذلك الموقف، يتحدث ترامب وصهره جاريد كوشنر عن "الصفقة". وقد ندد الفلسطينيون بالمرحلة الأولى من تلك "الصفقة"، والتي تمثلت في خطة انعاش اقتصادي بقيمة 50 مليار دولار تم الإعلان عنها في حزيران/ يونيو الماضي.
خالد سلامة