هل دخلت صفقة القرن حيز التنفيذ حتى قبل الإعلان عنها؟
٢٧ يونيو ٢٠١٩طالب الدكتور مصطفى البرغوثي الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية عبر مسائية DW ما أسماهم بـ "الأخوة العرب" بأن يحترموا حق الشعب الفلسطيني بتقرير مساره وتمثيل نفسه، معتبرا أن السخاء العربي يجب أن يذهب للفلسطينيين مباشرة ولمساعدتهم لإزالة الاحتلال وليس دفعها لصهر الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر وفريقه، على حد تعبيره.
وقال البرغوثي "اذا كانت الولايات المتحدة وإسرائيل تريدان دق أسفيناً بيننا وبين الشعوب العربية فلن نسمح لها، ولكن ليحترم الأخوة العرب حقنا في أن نمثل أنفسنا وحقنا في أن نقرر مسارنا، كما نحترم حقهم ولا نتدخل في شؤونهم الداخلية".
من جانبه، اعتبر الكاتب والمستشار الإعلامي السعودي يحيى الأمير أن على الفلسطينيين أن يجربوا مدخلا جديدا يخرجهم من انغلاق الأفق الذي يعانون منه منذ زمن، والذي تسبب على حد تعبيره بالكثير من الأذى والتطرف للفلسطينيين والمنطقة.
وزاد الأمير "جربنا في القضية الفلسطينية أن تكون الأيديولوجيات مدخلا للحل، وجربنا السياسة، وجربنا المقاومة وما لحق ذلك من عنف وتطرف وظلم تمارسه إسرائيل على الفلسطينيين، فهل الحل اليوم البقاء في الدائرة المغلقة من هذا العنف والتجويع والانقسام الفلسطيني بين غزة والضفة (الغربية) فلنجرب أن يكون الاقتصاد والازدهار مدخلنا الجديد."
البرغوثي من جانبه رفض اعتبار ما جاء في الورشة "مدخلا جديدا" مشدّدا أن "كل ما ورد في أفكار كوشنر وكل ما جاء في مؤتمر المنامة هو أفكار (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو التي كتبها عام 1994 في كتاب "مكان تحت الشمس" التي تنسف فكرة حل الدولتين والحل الوسط، ويقول فيها نتنياهو إن الضفة الغربية هي "هودا والسامرة" ويجب أن تضم لإسرائيل".
واختلف يحيى الأمير مع البرغوثي مطوّلا في نقاش حادّ ونقديّ عبر مسائية DW، بيد أنه أشاد بتجربة البرغوثي الثقافية.
ورشة المنامة.. خلاف حول المضمون والازدهار
وقال الدكتور البرغوثي في النقاش الذي قدمته ديمة ترحيني وتجلّى فيه اختلاف وجهات النظر بين الفلسطينيين والخليجيين حول ورشة المنامة وصفقة القرن، إن الورشة لا تزيد عن كونها "كذبة كبرى وخداع كامل" وإن الأرقام تؤشر على عدم وجود أي ازدهار اقتصادي، وإن الهدف من الورشة "المزيد من الضغط على الفلسطينيين".
وتساءل "أين التطوير الاقتصادي؟" موضحا "الحديث عن 50 مليار دولار منها 25 مليار قروض بفوائد ستغرقنا بالديون، بالإضافة إلى 11 مليار دولار من القطاع الخاص أراه لن يأتي لأن القطاع الخاص يريد أن يربح وهذا صعب في ظروف احتلال"، مضيفاً "ثم كيف سيحصل تطوير اقتصادنا ونحن لا نملك السيطرة على أرضنا ومياهنا وثرواتنا الطبيعية وحدودنا وصادراتنا ووارداتنا والسوق وحرية الحركة، كيف سيحصل تطوير اقتصادي وأنا لا أستطيع الذهاب إلى غزة ولا الدخول إلى القدس؟".
واعتبر البرغوثي في الحلقة التي بثت ليل أمس الأربعاء (26 حزيران/يونيو 2019)، أن المؤتمر هو إعادة تدوير للنقود التي تصرف للفلسطينيين، حيث 50 مليار موزعة على عشر سنوات، وحصة الفلسطينيين منها تقارب الـ 800 مليون سنويا وهي ما يأتي لوكالة الغوث الآن، "وما يريده كوشنر هو جمع الأموال التي تأتي للوكالة ويسيطر عليها لتوطين اللاجئين وإلغاء حقهم في العودة والأموال التي تأتي للسلطة يريد أن يسيطر عليها ويشترطها بأن نتنازل عن حقنا في القدس."
وأضاف البرغوثي أن فكرة (السلام من أجل الازدهار) هي خدعة كبرى، "وإذا تمنعنا من كيفية صرف الأموال نعرف الهدف منها، حيث الأردن ولبنان ومصر مذكورة لسببين في الخطة، والسبب الأول هو توطين اللاجئين في لبنان والأردن وإلغاء حقهم في العودة رغم أن هذا الحق يجب أن يناقش في المفاوضات، أما مصر فمذكورة لفصل غزة عن باقي فلسطين وتحويلها لمشكلة مصرية في سيناء. اللعبة واضحة وأنا مستغرب من السذاجة أو الرغبة في عدم رؤية الحقيقة."
ووجه البرغوثي سؤاله مباشرة للضيف السعودي بالقول "هل تقبل التنازل عن المسجد الأقصى للإسرائيليين؟" مذكّراً بالاحتجاج الإسرائيلي لتشيلي بسبب زيارة رئيسها للمسجد الأقصى في القدس برفقة فلسطينيين باعتبارها تملك السيادة على الأقصى.
ورد الضيف السعودي بأنه لا يقبل التنازل عن المسجد الأقصى للإسرائيليين، وأن سياسة الرياض لا تقبل أيضاً، مشيرا إلى عقد السعودية قمة عربية في الظهران أطلقت عليها قمة القدس العام الماضي تضامنا مع الفلسطينيين ورفضا للقرار.
وطالب الأمير لاحقاً الفلسطينيين بتجريب مدخل جديد "بعيدا عن الأيديولوجيات والشعارات"، مشددا على أن الجولان لسنوات لم تطلق فيه رصاصة واحدة، معتبرا أن حل القضية الفلسطينية يقطع الطريق على "من يتاجر بالأيديولوجيات وعلى أجندات العنف والتطرف في المنطقة كحزب الله وحماس ومحور الممانعة".
ورفض الكاتب السعودي تحميل العرب والدول العربية عبء الاحتلال معتبرا ذلك "تنظيرا" وأن على "الدول القطرية اليوم أن تتحمل مسؤولياتها".
فشل نظرية "خذ وطالب"
وفي رد على ما نقلته محاورة مسائية DW ديمة ترحيني، عن محلّلٍ سعودي طالب الفلسطينيين بالعمل بمبدأ "خذ ثم طالب ولا تتعنت" وضح البرغوثي أن "اتفاق أوسلو كان يدور حول نظرية "خذ وطالب" ولكن ماذا كانت نتيجته؟! لقد كانت كارثة، لأنها كانت فخ وخدعة كبيرة نُصبت للفلسطينيين".
وشبه البرغوثي المشاركة بمؤتمر البحرين بمعالجة مريض السرطان من أعراض المرض وليس سببه بالقول "أنا طبيب، وكطبيب أقول إذا جاءك مريض بالسرطان وبدأتِ بمعالجة الأعراض وليس السبب ستقتلين المريض، نحن لا نلوم الإخوة العرب إذا كانت الولايات المتحدة تضللهم، فالأخوة العرب لا يعرفون إسرائيل كما نعرفها، ولم يجربوا على جنودهم الاحتلال كما جربناه، ولا نظام الأبرتهايد العنصري الذي نتعرض له الآن."
من جانبه، ذكّر الأمير أن الرياض ذهبت لتشارك في الورشة بعد أن دعيت إليها لتحضرها كبرى المؤسسات المالية الدولية، وأضاف أن الرياض و "من باب الواجب الأخلاقي والإنساني والعربي والإسلامي قد دفعت منذ عام 2003 للقضية 6 مليار دولار للشعب الفلسطيني".
هل نُفّذت صفقة القرن؟
واعتبر البرغوثي أن الورشة استكمال لصفقة القرن التي أصر على كونها واضحة على الأرض عبر "ما رأيناه اعتراف بضم القدس (لإسرائيل) وتهويدها، والاعتراف بأنها عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية لها، وضم الجولان لإسرائيل في خرق للقانون الدولي فالأرض سورية واعتبروها إسرائيلية، والهجوم على وكالة الغوث (غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين- الأونروا) وقطع المساعدات عنها، والذي رأيناه أنه يتحدث عن تحسين أوضاعنا الاقتصادية ويتعمد قطع المساعدات عن المستشفيات الفلسطينية في القدس وعن قطاع التعليم في فلسطين"، مضيفاً "يعاقبنا (ترامب) اقتصاديا ويتحدث عن تحسين اقتصادنا، وفي نفس الوقت يقول هو ومستشاريه إن من حق إسرائيل أن تضم وتهود أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، وأطلقوا يد الاستيطان بصورة غير مسبوقة، إذ لم يكن الاستيطان سريعا كما هو الآن منذ عام 1967، وفوق ذلك يقول كوشنر إن الفلسطينيين ليسوا جاهزين وغير قادرين على حكم انفسهم، ويقول غرينبلات ليس من حق الفلسطينيين أن تكون لهم دولة."
ورفض الأمير بالمقابل، القول إن صفقة القرن قد نفذت بالفعل، وذكر أن الصفقة "لم تظهر بعد وأن كل ما ظهر حتى اللحظة لا يزيد عن كونه تسريبات صحفية"، ناصحاً الفلسطينيين بعدم استباق النتائج ومحاولة التنبؤ بمصير ما جاء به كوشنر في ورشة المنامة، مشدداً على أن الخلاف الفلسطيني الداخلي يتسبب بأزمة في التلقي وأن "الأراضي التي يحكمها الفلسطينيون الذين يطالبون بحقوقهم ليست موحدة"، وأن النخب الفلسطينية ذاتها لديها أزمة.
ف.م/ ز.أ.ب