أمريكا تراجعت عن دفع عجلة الديمقراطية في العالم العربي
١٩ أكتوبر ٢٠٠٦تراجعت الولايات المتحدة في هدوء عن ضغوطها التي لفتت الانتباه من أجل تحقيق الديمقراطية في العالم الإسلامي منذ فوز حركة المقاومة الإسلامية حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية. ورغم استمرار تركيز الرئيس الأمريكي جورج بوش على التحول الديمقراطي في العلن، يقول محللون أن صانعي السياسة الأمريكية يعتبرون فوز حماس مؤشرا بالغ الخطورة خاصة إذا تم أخذ النجاح الذي حققته جماعة الإخوان المسلمين في مصر وحزب الله في لبنان بعين الاعتبار. ففي ضوء هذه الأحداث ينظر إلى الانتخابات الحرة في تلك الدول على أنها تعزز خصوم إسرائيل وتؤدي إلى وصول جماعات إرهابية متشددة للسلطة.
التصريحات الأمريكية تفقد مصداقيتها
تؤكد الإدارة الأمريكية في تصريحاتها أن سياستها ترمي إلى إرساء الديمقراطية، ولكنها في الوقت نفسه لا تنتقد الأساليب التي تتبعها الدول الإٍسلامية لإخماد صوت المعارضة السياسية .فقد ألقت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس على سبيل المثال خطابا مشبوبا بالعواطف عن الديمقراطية في القاهرة خلال العام الماضي، ولكنها لم تتطرق إلى أساليب مصر القمعية خلال زيارتها التي جرت مؤخرا. وقد أدى هذا التناقض إلى تزايد علامات الاستفهام حول الأهداف الحقيقية للحكومة الأمريكية مما أدى إلى فقدان تصريحات الولايات المتحدة لمصداقيتها شيئا فشيئا . وزاد استخدام الرئيس الأمريكي جورج بوش لقضية الديمقراطية في خطبه من مشكلة غياب المصداقية تعقيدا، حيث أنه صور الولايات المتحدة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة كصديقة للحرية لكنه استشهد بنظم استبدادية من بينها السعودية كنظام إصلاحي. وفي هذا السياق يقول المحللون السياسيون إن الممارسات القمعية والفاسدة للحكومات المتحالفة مع واشنطن تزيد من الشكوك الدفينة في الدوافع الأمريكية. إضافة إلى ذلك يحذر المحللون من أن تآكل مصداقية الولايات المتحدة في دعم الديمقراطية سيضر بالجهود الأمريكية لاستخدام الإصلاح كسلاح ضد التشدد الإسلامي المتنامي ودعاية تنظيم القاعدة.
التحول الديمقراطي ليس من أولويات الولايات المتحدة
كثير من المسئولين السابقين في المخابرات يرون أن مسئولي الحكومة الأمريكية بما في ذلك الدبلوماسيين لم يتبنوا قط التحول الديمقراطي بشكل كامل، ويرجع ذلك جزئيا إلى فشل مجلس الأمن القومي الأمريكي في وضعه على قائمة الأولويات. فالدعم الذي تقدمه إدارة بوش للدول العربية يقتصر على برامج مختلفة تدعم التنمية الاقتصادية والتعليم، وتندرج مبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط على سبيل المثال تحت هذه الفئة، ففي إطارها تم تخصيص 300 مليون دولار تقريبا لدعم التطور الاقتصادي. ولكن مثل هذه البرامج لا تهدف إلى إصلاح النظم السياسية في الدول المعنية.
وتقول إلين ليبسون النائبة السابقة لرئيس مجلس المخابرات القومي والرئيسة الحالية لمعهد هنري ال. ستيمسون للسياسة العامة: "إننا لا نستطيع أن نزعم أننا حققنا إصلاحا سياسيا في الدول الإسلامية في هذا العهد، ولا نستطيع حتى أن نزعم أننا سنشهد تطبيقه في المستقبل".
نتائج عكسية للجهود الأمريكية
أثبتت التجربة العراقية أن طريق تحقيق الديمقراطية طريقا وعرا، فقد صور المسئولون الأمريكيون الوضع العراقي من قبل بأنه محفز للتغييرالديمقراطي في الدول العربية، ولكن العراق في الحقيقة أصبحت الآن ساحة للاقتتال الطائفي. وحتى في أفغانستان التي تباهي بها واشنطن باعتبارها قصة نجاح ديمقراطي يشير المراقبون إلى أوجه للقصور في الانتخابات البرلمانية ومجالس الأقاليم في العام الماضي. وقالت جوانا ناثان وهي محللة لدى المجموعة الدولية لإدارة الأزمات ومقيمة في كابول: "نحن قلقون بشكل خاص لأنه ليس هناك على ما يبدو جهود متواصلة لبناء أحزاب سياسية. وكذلك لأنه لا يوجد حديث حول انتخابات لمجالس المناطق والمجالس البلدية التي يفترض أن تجرى بموجب الدستور".
وقد زاد كل ذلك من التشاؤم لدى الجماعات المؤيدة للديمقراطية في العالم الإسلامي إزاء فرص تحقيق إصلاح سياسي ذي معنى، إذ قال ليبراليون سعوديون هذا العام إنهم تخلوا عن الأمل في أن تضغط الولايات المتحدة على الحكومة ولو سرا لإصلاح نظام الحكم الملكي .