أمازيغ ليبيا: مطالب بالمزيد من الحقوق في الدستور الجديد
١ ديسمبر ٢٠١٣إضرابات وعنف واضطرابات ، هي حصيلة عام على بقاء حكومة رئيس الوزراء الليبي علي زيدان في الحكم. فأعمال إعادة الإعمار تتحرك ببطء كما أن البلاد المنقسمة في عدة مجالات ، مهددة بأزمة اقتصادية بسبب توقف صادرات النفط على خلفية الحصار المستمر لمرافئ التصدير شرق البلاد من قبل محتجين وعناصر منشقة عن الجيش. وتستعد الحركة التي تسعى لإقامة حكم ذاتي في شرق ليبيا إلى الانفصال بشكل تدريجي.
الشطر الغربي من ليبيا يشهد أيضا إضرابات وتعطيل للأعمال خاصة في الأماكن الصناعية كما حدث مؤخرا في ميناء مليتا حيث تعمل شركة "إيني" الإيطالية وتقوم بنقل أنبوب غاز يصل إلى صقلية من مصب مليتا. وفي نهاية تشرين أول/أكتوبر الماضي تسلل مسلحون من مدينة "زوارة" القريبة ذات الأغلبية الأمازيغية، إلى المنطقة الصناعية وقاموا بالاستيلاء على ميناء مليتا وغلق صنبور الغاز هناك.
خفت حدة الحظر على ميناء مليتا لفترة مؤقتة عقب صدمة اندلاع أعمال عنف في طرابلس إلا أن أساس المشكلة لم يحل بعد فالأمر لا يتعلق هنا بمحتجين يرغبون في زيادة رواتبهم أو الحصول على أماكن عمل بل إن مطالب الأمازيغ تتمثل في منحهم المزيد من الحقوق كمواطنين.
رغبة في الحفاظ على الهوية
تحمل هذه النقطة أهمية شديدة لأيوب سفيان ، المتحدث باسم المجلس الأمازيغي الأعلى الذي يقول:"لا نبحث عن مكاسب مادية لكن الأمر يتعلق هنا بأفكار ومبادئ". ويصف سفيان تعطيل الصادرات النفطية بـ "الإجراء الاضطراري" الذي جاء بعد عدم الاستماع للنداءات والاحتجاجات المتكررة. ويقول سفيان إن "لغة السلاح هي اللغة الوحيدة التي يفهمها أصحاب القرار".
يطالب سفيان وأمثاله بتعديل عمل اللجنة المسئولة عن صياغة الدستور والمعروفة بلجنة الستين والتي تضمن ستة مقاعد للأقليات (اثنان للأمازيغ واثنان للطوارق واثنان للتبو).أما عملية اتخاذ القرار فتعتمد على نظام الثلثين زائد واحد.
يصيب هذا النظام الكثير من النشطاء الأمازيغ بالإحباط إذ يطالبون بتمثيل مصالحهم بشكل أكبر من خلال المزيد من المقاعد في اللجنة بالإضافة إلى طريقة جديدة لعملية اتخاذ القرار. يطالب سفيان بإعطاء الأمازيغ حق التصويت الكامل فيما يتعلق بالقرارات التي لها صلة بهويتهم القومية مثل اللغة والنشيد الوطني والعلم.
خلاف بين العرب والأمازيغ
يعلو صوت الأمازيغ فيما يخص الحفاظ على هويتهم بشكل أكبر من الطوارق والتبو فقد دعا المجلس الأمازيغي الأعلى لمقاطعة لجنة صياغة الدستور التي لم يترشح لها أي مرشح أمازيغي.
وتعتبر قضية الهوية الوطنية من المسائل محل الخلاف الشديد في ليبيا فأغلبية السكان لا يرون سببا لمساواة اللغة الأمازيغية باللغة العربية رغم أن الأولى غير مستخدمة خارج مناطق الأمازيغ . وغالبا ما تنتهي الناقشات حول هذا الموضوع بين العرب والأمازيغ بتبادل الاتهامات بـالعنصرية والتطرف.
تمثل ليبيا منذ زمن بعيد خليطا عرقيا فالأمازيغ وهم السكان الأصليون، والذين يعيش أغلبهم في جبل نفوسة والمنطقة الساحلية الشمالية الغربية ، صاروا يقدمون هويتهم الأمازيغية على الهوية الليبية نتيجة لعقود من الابتزاز وممارسة سياسية الانصهار خلال فترة حكم معمر القذافي.
غدامس.. مدينة استثنائية
تعتبر مدينة غدامس الواقعة على الحدود التونسية الجزائرية مثالا على أن الدعم الثقافي لا يرتبط بالضرورة برغبات في الاستقلال السياسي ، فسكان المدينة من الأمازيغ ويتحدثون إحدى لهجات اللغة الأمازيغية إلا أنهم لا يشعرون بالإنتماء للأقلية الأمازيغية القومية ويقول سراج الدين الموفق عمدة المدينة:"لا نشعر بتضامن من نوع خاص مع مدن أمازيغية أخرى ناهيك عن الرغبات في الحكم الذاتي".ويشدد سكان غدامس على خلو مدينتهم من عقلية "التجييش الأمازيغي". لكن هذا لا يمنع فخر أهل غدامس بتاريخهم وتقاليدهم وهو ما وضح خلال احتفالية محلية منتصف شهر تشرين ثان/نوفمبر الجاري أظهر فيها سكان غدامس فخرهم بمدينتهم القديمة المدرجة على قائمة التراث العالمي لليونيسكو.
بيد أن الصورة ليست وردية بهذا الشكل إذ تعكر بعض التوترات الاجتماعية صفو هذا التناغم الواضح فالطوارق الذين ينظر إليهم كأنصار لنظام القذافي ، يعيشون منذ الثورة بشكل منعزل في منطقة أسست حديثا.
التفاوض هو الحل الأمثل
لا يمكن التنبؤ بإمكانية وصول النشطاء الأمازيغ من زوارة او جبل نفوسة لأهدافهم بتحقيق المزيد من التواجد لثقافتهم وهويتهم لاسيما مع غياب التعاطف معهم سواء من قبل العرب أو الأقليات الأخرى.
أما فكرة تشكيل اتحاد للأقليات والتي يسعى إليها بعض النشطاء فهي صعبة التنفيذ بسبب التوزيع الجغرافي المتناثر للأمازيغ والطوارق والتبو فضلا عن اختلافات المصالح بينهم.
ويبدو أن البعض ليس لديه الاستعداد للتراجع عن موقفه كما هو الحال مع أيوب سفيان الذي يرى أن التراجع ليس من الخيارات الممكنة ويشير إلى ثورة ثانية في أسوأ الحالات ، لكن الحلول المناسبة للدولة الآن هي التفاوض فأي تدخل عسكري من شأنه إغراق البلاد في المزيد من الفوضى.