ألمانيا: حقائق مذهلة تكشف عنها لجنة برلمانية تحقق في جرائم اليمين المتطرف
٧ يوليو ٢٠١٢أٌصيبت لجنة التحقيق التابعة للبرلمان الألماني بذهول كبير، عندما كشفت مؤخرا عن قيام جهاز الاستخبارات الداخلي بالتخلص من ملفات حساسة تخص ما بات يعرف بخلية تسفيكاو الإرهابية اليمينية. ورغم أن هذه اللجنة تتكون من 11 برلمانيا من ذوي الخبرة، إلا أن نتائج التحقيقات التي توصلت إليها، كانت مفاجِئة بالنسبة لأعضائها. ويرجع السبب في ذلك إلى كثرة الأخطاء والتقصير الذي شاب عمل موظفي جهاز الاستخبارات الداخلي المعروف باسم هيئة حماية الدستور، والذين فشلوا في تعقب الخلية الإرهابية التي تشكلت بمدينة تسفيكاو في ولاية سكسونيا شرق البلاد، وتمكنت من قتل تسعة أجانب وشرطية ألمانية. وقد جعل هذا التقصير أعضاء لجنة التحقيق يطرحون أسئلة عديدة، من بينها: هل فعلا بإمكان هيئة حماية الدستور القيام بالواجبات المنوطة بها؟ وهل البنية الحالية للأجهزة الأمنية مناسبة؟ وهل أغفلت هيئة حماية الدستور نشاط اليمين المتطرف الذي هو من اختصاصاتها؟
أخطــاء فـادحـة
وقد كانت أخطاء هيئة حماية الدستور محور كل الجلسات التي عقدتها لجنة التحقيق منذ يناير/ كانون الثاني الماضي. فالحصيلة كانت عشرة جرائم قتل في خمس ولايات مختلفة. ورغم أن هذه الجرائم قد نٌفذت بنفس أداة الجريمة، إلا أن المحققين فشلوا في الوصول إلى الاستنتاجات الصحيحة. علاوة على أن نتائج تحقيقات فرق التفتيش في الولايات المختلفة لم يتم مطابقتها أو مقارنتها مع بعضها البعض.
ويبقى الأغرب من ذلك كله، هو ظهور بعض الخيوط التي تشير إلى وقوف اليمين المتطرف وراء جرائم القتل التي استهدفت رجال أعمال من أصول تركية ويونانية، غير أن الشرطة الألمانية لم تبحث في هذا الاتجاه بشكل حاسم. كما أن هيئة حماية الدستور، التي تتابع ملف اليمين المتطرف، لم تهتد إلى هذه الخلية الإرهابية، رغم أنها تمكنت من زرع عملاء داخل اليمين المتطرف. بل الأدهى من ذلك أن جهاز الاستخبارات الداخلي، كان في وقت من الأوقات على اتصال مع المتهمين الرئيسيين للخلية. ويتعلق الأمر بأوفه بونهاردت وأوفه موندلوس وبآته تشيبه، قبل أن يختفوا عن الأنظار في مدينة تسفيكاو. ولم يكتشف أمر الخلية الإرهابية إلا بعد انتحار عضويها بونهاردت وموندلوس في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011.
انـعـدام للثـقة
وإضافة إلى الأخطاء الجسيمة التي تخللت عملية التحقيق، تبين أيضا عدم التنسيق بين جهازي الشرطة والاستخبارات. ويقول فولفغانغ فيلند، عضو لجنة التحقيق البرلمانية، "إن الشرطة وجهاز الاستخبارات عرقلت عمل بعضها البعض، وهذا أمر يثير الذهول". فخلال البحث عن المشتبه بهم، كان من الممكن أن تقوم هيئة حماية الدستور بتقديم بعض المعلومات الحاسمة لتسهيل عمل الشرطة. وكان ذلك ممكنا مثلا في ولاية بافاريا، حيث تمكنت الشرطة من الوصول إلى بعض الدلائل التي أشارت إلى إمكانية تورط اليمين المتطرف في هذه الجرائم. واكتشفت اللجنة البرلمانية أن التحقيقات في هذا الملف لم تكن في أي وقت من الأوقات مدمجة تحت رعاية مصدر أمني مركزي. وهو ما ترتب عنه خدش في سمعة الأجهزة الأمنية واهتزاز الثقة في هيئة حماية الدستور.
إتـلاف ملفـات
وتعتبر لجنة التحقيق البرلمانية، التي أٌنيطت بها مهمة فك شفرة فشل السلطات الأمنية الألمانية في تعقب خلية تسفيكاو الإرهابية، من بين أهم لجان التحقيق التي سبق وعينها البرلمان الألماني. فهذه اللجنة تقوم بعمل دؤوب لكشف مظاهر فوضى في عمل السلطات الأمنية، وذلك بجمع التفاصيل من خلال استنطاق مسؤولين بارزين ودراسة كثير من الوثائق أو على الأقل ما تبقى منها. بعدما تخلص أحد الموظفين بهيئة حماية الدستور من ملفات حساسة متعلقة بسلسلة الاغتيالات التي قامت بها خلية تسفيكاو مباشرة بعد تأكد ضلوع هذه الخلية في هذه الاغتيالات في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011. ويشكل هذا التطور انتكاسة في طريق الكشف عن الحقيقة.
وقد وصفت إيفا هوغل عضو لجنة التحقيق ذلك بــ "الفضيحة التي لا تصدق". وتسعى اللجنة البرلمانية الآن إلى الكشف، عما إذا كانت هناك محاولات متعمدة لإخفاء شيء ما. خصوصا وأن الملفات لها علاقة بعملاء لهيئة حماية الدستور داخل الجناح اليميني المتطرف في ولاية تورينغن، الذي ينتمي إليه أعضاء خلية تسفيكاو.
انتقادات لهيئة حماية الدستور
وكان من بين نتائج تخلص هيئة حماية الدستور من ملفات المعلومات حول الخلية اليمينية استقالة رئيس الهيئة هاينز فروم، الذي طلب الاثنين الماضي من وزير الداخلية الاتحادي هانس بيتر فريدريش إعفاءه من منصبه. وقد استجاب لطلبه وأحاله على التقاعد. وبعدها بيوم واحد تم أيضا إحالة رئيس هيئة حماية الدستور في ولاية تورينغن توماس زيبل على التقاعد عن سن يناهز الـ 55 عاما.
ويذكر أنه، وفي خطوة اعتبرت كرد فعل عن هذه الجرائم اليمينية، أسست الحكومة الألمانية قاعدة بيانات مركزية لمواجهة اليمين المتطرف، حيث سيكون بإمكان جميع الأجهزة الأمنية الوصول إلى المعلومات الموجودة في قاعدة البيانات المذكورة.
وفي ظل هذه التطورات، يبقى أمام لجنة التحقيق البرلمانية عمل شاق يجب استكماله، فكل جواب عن سؤال سابق يمكن من خلاله صياغة ثلاثة أسئلة إضافية أخرى. هذا، ويُنتظر من اللجنة أيضا تقديم توصيات مع حلول العام القادم لإصلاح بنية الأجهزة الأمنية في ألمانيا.
نينا فيكهويزر/ عادل الشروعات
مراجعة: منصف السليمي