ألمانيا تغلق آخر محطاتها النووية وسط جدل أزمة المناخ
١٥ أبريل ٢٠٢٣تنفذ ألمانيا اليوم السبت (15 نيسان/ أبريل 2023) الوعد الذي قطعته بإغلاق آخر ثلاثة مفاعلات نووية لديها في ختام عملية تخلٍ عن الطاقة الذرية بدأت منذ فترة طويلة، على الرغم من الجدل الذي يثيره هذا القرار في سياق الأزمة المناخية الملحة. وتقرر إغلاق أبراج الدخان في مفاعلات إيسار 2 وإيمسلاند ونيكارفيستهايم 2 إلى الأبد بحلول منتصف الليل، في إطار تنفيذ برلين لخطتها لقصر توليد الكهرباء على المصادر المتجددة بحلول عام 2035.
ويفتح أكبر اقتصاد في أوروبا فصلا جديدا في مجال الطاقة بعدما واجه تحدي وقف الاعتماد على الوقود الأحفوري، وفي الوقت نفسه إدارة أزمة الغاز الناجمة عن الحرب في أوكرانيا. وكانت الحكومة الألمانية منحت هذه المحطات مهلة بضعة أسابيع بعد موعد توقفها الذي كان محددا في 31 كانون الأول/ديسمبر، لكن من دون العودة عن قرار طي صفحة الطاقة النووية.
وبعد سنوات من المراوغة، تعهدت ألمانيا بالتخلي عن الطاقة النووية بشكل نهائي بعد كارثة فوكوشيما التي شهدتها اليابان عام 2011 وأدت لتلوث إشعاعي وأحدثت حالة ذعر في العالم.
لكن الخطوات النهائية للإغلاق تأجلت الصيف الماضي إلى هذا العام بعد أن أوقفت ألمانيا واردات الوقود الأحفوري من روسيا بعد غزوها أوكرانيا. وارتفعت الأسعار وعمت المخاوف من نقص الطاقة أنحاء العالم، لكن ألمانيا الآن صارت مطمئنة مجددا بشأن إمدادات الغاز والتوسع في مصادر الطاقة المتجددة.
حفلة ورداع و"يوم لا ينسى"
وقالت وزارة الاقتصاد إن المحطات الثلاثة الأخيرة ساهمت بنحو خمسة بالمئة فقط من إنتاج الكهرباء في ألمانيا في الأشهر الثلاثة الأولى من العام. وأظهرت بيانات مكتب الإحصاء الاتحادي أن الطاقة النووية شكلت ستة بالمئة فقط من إنتاج الطاقة في ألمانيا العام الماضي، مقابل 44 بالمئة من مصادر الطاقة المتجددة.
وتقول الحكومة إن الإمدادات مضمونة بعد التخلص من الطاقة النووية وأن ألمانيا ستستمر في تصدير الكهرباء، مشيرة إلى المستويات المرتفعة لمخزونات الغاز ومحطات الغاز المسال الجديدة على الساحل الشمالي والتوسع في مصادر الطاقة المتجددة.
ومع ذلك، يقول مؤيدو الطاقة النووية إن ألمانيا ستضطر للعودة إلى الطاقة النوويةفي نهاية المطاف إذا أرادت التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري والوصول لهدفها بتحقيق الحياد في غازات الاحتباس الحراري في جميع القطاعات بحلول عام 2045 لأن طاقة الرياح والطاقة الشمسية لن تلبيان الطلب بالكامل.
وتنظم حركة غرينبيس التي تقف في الصفوف الأمامية لمعركة مكافحة النووي، حفل وداع أمام بوابة براندنبورغ في برلين ظهر السبت. وقالت هذه المنظمة غير الحكومية "أخيرا اصبحت الطاقة النووية جزءا من التاريخ! لنجعل الخامس عشر من نيسان/أبريل يومًا لا يُنسى".
وبالعكس، كتبت صحيفة "فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ" المحافظة اليوم السبت "شكرا للطاقة النووية"، مشددة على الفوائد التي جلبتها للبلاد.
وقالت كامي ديفار الباحثة في سياسة الطاقة في معهد جاك ديلور إن التخلي عن النووي "استغرق وقتا طويلا".
وبعد قرار أول اتخذته برلين مطلع الألفية بالتخلي تدريجيا عن النووي، سرّعت المستشارة الألمانية أنغيلا ميكل العملية بعد كارثة فوكوشيما في 2011 في تغيير سياسي لافت. ومنذ 2003 أغلقت ألمانيا 16 مفاعلا نوويا.
تأمين جزء بسيط من حاجة البلاد للطاقة
وكاد الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 شباط/ فبراير 2022 يعيد النظر بالقرار. فمع حرمانها من الغاز الروسي الذي قطعت موسكو الجزء الأكبر منه، وجدت ألمانيا نفسها في مواجهة أحلك سيناريوهات، من احتمال توقف مصانعها إلى غياب التدفئة.
لكن الشتاء مر بلا نقص إذ حل موردون آخرون للغاز محل روسيا، لكن الإجماع على التخلي عن الطاقة النووية ضعف. ففي استطلاع أخير للرأي أجرته قناة "آ ار دي" قال 59 بالمئة من المشاركين فيه أن التخلي عن النووي في هذه الأوضاع ليس فكرة جيدة.
وقال رئيس غرف التجارة الألمانية بيتر أدريان لصحيفة "راينيشه بوست" اليومية إنه يجب على ألمانيا "توسيع عرض الطاقة وليس تقليصه" نظرا لاحتمالات النقص وارتفاع الأسعار.
وأمنت المحطات الثلاث الأخيرة 6 بالمئة فقط من الطاقة المنتجة في البلاد العام الماضي بينما كانت الطاقة النووية تؤمن 30,8 بالمئة في عام 1997.
وتبقى فرنسا التي تمتلك 56 مفاعلا، الأكثراعتمادا على النووي مقارنة بعدد السكان. وعلى المستوى الأوروبي، تثير المسألة النووية خلافات حادة بين باريس وبرلين.
وتفضل ألمانيا التركيز على هدفها المتمثل في تأمين ثمانين بالمئة من احتياجاتها من الكهرباء باستخدام مصادر الطاقة المتجددة بحلول 2030، مع إغلاق محطات الطاقة التي تعمل بالفحم بحلول 2038 على أبعد حد.
لكن الغموض يكمن في هذه النقطة. وكتبت صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" اليوم السبت "أين وكيف يجب إنتاج الطاقة المتجددة؟ الجميع في هذا البلد يتفقون على الأقل على شيء واحد: ليس في منزلي".
ع.أ.ج/ ع ج (أ ف ب، رويترز)