من لاجيء الى رب عمل...في عام واحد فقط !
٥ سبتمبر ٢٠١٧في قلب ضاحية بادغودسبورغ بمدينة بون تدب حركة ونشاط مشهود لخدمة زبائن من مختلف الجنسيات يرتادون مطعماً شامياً للاستمتاع بنكهة المكان، في جلسة عربية مميزة، كل قطعة من ديكورالمطعم تجعل زائره يسعد بلحظات تأمل لثريات نحاسية ورسوم توحي باللمسة الثقافية العربية خاصة أنها مصحوبة بإيقاعات موسيقية شرقية وأغاني فيروز.
صاحب المطعم شاب سوري قدم لاجئا منذ عامين الى ألمانيا، لتلتحق به زوجته وولداه بعد عام من طلب لم شمل العائلة. استطاع الشاب الدمشقي وفي ظرف يعد قياسيا أن يحقق نجاحا بارزا في سوق العمل، بعد أن فتح ، مطعمه ونجح في تشغيل 12 شابا جلَهم من اللاجئين السورين الجدد، و منهم حتى من يحمل شهادات جامعية.
في لقاء مع DW عربية شرح زياد البالغ من العمر 34سنة أن مهنته السابقة في سوريا كانت مختلفة تماما عن مجال إدارة مطعم حيث كان يدير شركة لتأجيرالسيارات.
وقال "منذ أول يوم وصلت فيه لألمانيا كان شغلي الشاغل أن أجد عملا لأنني كنت غير متقبل للعيش على المعونات الإجتماعية". وعن دوافع نجاحه بيّن أنها تكمن في عدم الاستسلام للمعوقات بما فيها حاجز اللغة وقدم مثالاً عن ذالك باغتنامه فرصة تعريب دروس تعلم السياقة ليحصل على رخصة قيادة التى يرى أنها كانت ضرورية جدا لبداية تحركه وعمله. وعن أكبر التحدَيات التى واجهت صاحب المطعم قال زياد "تكبدت خسائر كبيرة وكثيرا ما كنت ضحية الامضاءات على العقود دون الفهم الجيد لها و ما تحتويه في ثناياها من إلتزامات ومسؤوليات، ما اضطرني للاستعانة بمحامى. ولدى سؤالهعن أحقية دراسة اللغة الالمانية في سجل اهتماماته قال زياد "اللغة ممارسة، وأنا دائما في تعلم من خلال الاحتكاك بالالمان في عملي". في النهاية نصح زياد القادمين الى ألمانيا." لازم يشعر بالانتماء وانه في بلده لان هذا العامل مهم في تذليل العقبات التى تعترض طريقه للعمل".
إطلعت DW على دراسة صدرت عن معهد أبحاث سوق العمل والمهن التابع "للوكالة الاتحادية للعمل" في شهر( يوليو/تموز 2017 ) تناولت وضع اللاجئين في سوق العمل وحسب الدراسة بلغ عدد العاطلين عن العمل في ألمانيا في أبريل/نيسان من العام الجاري حوالي 4.5 مليون شخص، من بينهم أكثر بقليل من نصف مليون لاجئ أي حوالي 12 بالمئة من مجموع العاطلين عن العمل.
وحسب الدراسة المشار اليها فقد استطاع حوالي51 الف لاجئ من أكبر ثماني دول مصدرة للاجئين إلى ألمانيا وهي (سوريا،أفغانستان،أريتريا،إيران،العراق،باكستان،الصومال ونيجيريا) الحصول على فرصة عمل، وبالتالي الإستغناء عن المساعدة الاجتماعية.ومن بين الرقم السابق هناك 41 ألفا نجحوا في شق طريقهم للمرة الأولى إلى سوق العمل.
"أريد مساعدة مكتب العمل وأطمع بالمزيد"!
يعتبر كثير من اللاجئين منحة الإعانة الاجتماعية راتبا مستمراً لا يجب أن ينقطع، ويركز إهتمامه في إيجاد عمل دون فقدان هذه المعونة وبسبب هذا الإعتقاد يسلك اللاجئ طريقا يعرّض فرصة بقائه في ألمانيا الى الخطر، من بين هؤلاء التقت DWعربية اللاجئ "نبيل" وهو اسم مستعار، الذى كشف عن أسباب عمله دون تصريح ( بما يعرف بالعمل بالأسود) بالقول: "لا أستطيع الانتظارأكثر، لدَي حرفة جيدة ومكسبة ". ولدى سؤاله عن سبب اختياره طريق العمل غير المصرَح به لممارسة مهنته المحببة قال:
"عملية حسابية بسيطة جعلتني أدرك أنني لن أكسب شيئا لو خصم مني منحة الراتب من مكتب العمل في حالة العمل المصرح به، أما العمل في الاسود زيادة وليس نقصان".
وقوفا عند كلمة "الراتب" و للتوضيح يقصد محدثَنا الإعانة الاجتماعية، والتى يعتبرها راتبا ويريد أن يضاعفه بحسابات على قدر فهمه.
العمل في" الاسود" ينتج عنه إجتمال سحب الاقامة أو غرامة
لا يملك بعض اللاجئين تصاريح العمل، فيختارون العمل غير القانوني "العمل في الأسود" كما يسمى، وهو العمل الذى لا تستوفى عنه منه ضرائب لأنّ كلا من العامل ورب العمل لم يصرحا به.
بهذا الخصوص شرحت المحامية نهلة عثمان المختصة بقضايا اللاجئين والمهاجرين ل DWعربية ان العمل غير المقنن أو الاسود كما يشاع يعتبره القاضي والمشرع الالماني جناية في بعض الحالات مما يستدعي حكما قضائيا بسحب إقامة اللاجئ أو عدم تجديدها كما يمكن للقاضي ان يحكم بدل ذلك بغرامة مالية تتراوح بين 2000 و 500000 يورو يسددها كل من العامل ورب العمل المخالفين للقانون.
فيما اشار محدث DW عربية زيغمار فالبغيشت من مكتب إرشاد و توجيه اللاجئين بهانوفر، موضحا أنّ نسبة كبيرة من اللاجئين تختار العمل بشكل غير مصرح به، حيث لا يربط رب العمل والعامل أي عقد قانوني وملزم للطرفين، و بالتالي يحدث التملص من دفع الضرائب، الأمرالذى يعاقب عليه القانون الالماني بشدة. وكشف زيغمارعن الأسباب الدافعة لدخول سوق العمل الأسود التى من بينها التأخر في تعلم اللغة إما بسبب طول إنتظار تخليص الاجراءات إلادارية أو لافتقادهم لتصاريح العمل. ويستقطب العمل غير القانوني فئة الاميين من اللاجئين اللذين لا يحسنون الكتابة ولا القراءة، كما يوجد عدد معتبر من اللاجئين الذين لا يملكون حق العمل بسبب نوع اقامتهم.
طبيب في الانتظار...طبيب بعد انتهاء فترة الانتظار
من اللاجئين من حقق هدفه بالحصول على شغل وفيهم من يصارع ويكافح من أجل تحقيق ذلك. حذيفة البالغ من العمر 28 عاما مثل حالة أخرى، وقد تحدث الى DW كاشفاً أنّه من سوريا وخريج كلية الطب العام في أوكرانيا ، وقد قدم لاجئا الى ألمانيا منذ سنتين ومازال يتحدى عامل الزمن للوصول الى هدفه بمزاولة مهنة الطب.
يقول ابن منطقة دير الزور:أكثر شيء جعل إرادتي تتآكل من الداخل هو الانتظار وتضييع الوقت بسبب معاملات إدارية "بيروقراطية" وأضاف متحسرا: ضاعت من وقتي أربعة شهور حتى حصلت على الإقامة وضاعت ستة أخرى في انتظار الحصول على سكن، ودامت فترة انتظار كورس اللغة ستة شهور".
صعوبات الدخول الى سوق العمل لا تنحصر في البيروقراطية
من الصعوبات والعراقيل التى تواجه اللاجئين في إيجاد عمل ماهو نابع من اللاجئ ذاته،عندما يرفض فكرة إجراء تدريب مهني فقط بسبب طول المدة التى يتطلبها هذا الأخير.
حسب محدثنا فالبيغشت المضطلع بشؤون اللاجئين فإنّ هناك عزوفاً عن الإقبال على التدريب المهني في أوساط اللاجئين، وحسب وصفه "التدريب المهني يضمن لهم حق العمل ويتيح الفرص ويمنحهم راتبا محترما كما يحميهم من المعاملات التعسفية في حق العامل".
و أشار الخبير الألماني الى أن معظم أرباب العمل يعتبرون الفهم الجيد مع القدرة على التواصل شرطاً اساسياً لتشغيل اللاجئ و هذا ما يتطلب وقتا طويلا خاصة في حالات اللاجئين الأميين .
لكن اصحاب الشهادات تؤخرهمترجمة وثائقهم وتصديقها ومعادلة شهاداتهم في المانيا و كثير منهم لا يملك هذه المستمسكات لأنه فقدها بسبب الحرب في بلده الأم. و دولم تفت محدثنا الإشارة الى أن فرص المهن المتوفرة قلما تصل الى اللاجئ و تذهب الى معارف ومقربين من الأشخاص الذين يصلون الى المعلومة بشكل أسرع.
كيف أجد عملا بألمانيا!
ينصح المرشد زيغماراللاجئين بطرق أبواب العمل التطوعي ويؤكد أنه أضمن طريق لإيجاد شغل في سوق العمل الألمانية،ضف الى أنه أسرع طريق لتحقيق الاندماج و تعلم اللغة الالمانية، وفيه فرصة كبيرة تتيح للاجئ التعرف على القوانين ونظام العمل في البلد المستقبل له كما انه فرصة جوهرية ليعرض اللاجئ قدراته و كفاءته المهنية.
وحسب تقرير نشرته صحيفة تسايت الالمانية مؤخرا بالاستناد الى معلومات واردة من مكتب العمل في نورنبيرغ فإن الوقت مناسب جدا للحصول على فرصة تدريب مهني لاسيما أنّ هناك مجالات تفتقر الى متقدمين بطلبات للحصول على تدريب مهني.
فريدة تشامقجي