بعد الهجوم على سجن الحسكة.. هل يستعيد "داعش" قوته من جديد؟
٢٥ يناير ٢٠٢٢"جاء الدواعش فهربنا لننجو من الموت"، يقول رجل مسنّ من مدينة الحسكة السورية وهو يبكي، في مقطع فيديو متداول. فقد هاجم "داعش" سجناً في المدينة يُحتجز فيه نحو 3500 من أعضائه، في أكبر عملية عسكرية للتنظيم منذ إعلان إسقاط "دولة الخلافة" قبل ثلاث سنوات.
الهجوم الذي شارك فيه أكثر من مائة عنصر من التنظيم، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، يثير المخاوف من استعادة "داعش" قوته من جديد، خصوصاً مع إعلانه أن 800 سجين "كسروا القيد خلال الهجوم"، من دون أن يتسنى التحقّق من صحّة الرقم من مصادر أخرى.
ورغم إعلان "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) - يشكل المقاتلون الأكراد دعامتها الأساسية والمدعومة من التحالف الدولي بقيادة واشنطن- استسلام 550 عنصر من "داعش" بعد ستة أيام من الهجوم.
وأدت الاشتباكات بين الطرفين إلى نزوح أكثر من 45 ألف شخص، بحسب الأمم المتحدة، ومقتل سبعة مدنيين على الأقل و45 من "قوات سوريا الديمقراطية" و114 من عناصر "داعش"، بحسب حصيلة للمرصد يوم الثلاثاء (25 كانون الثاني/يناير 2022).
"داعش لم ينته تماماً بعد"
ويرى جوليان بارنز-داسي، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أنه رغم إعلان "سقوط الخلافة"، إلا أنه "لم تتم هزيمة داعش والقضاء عليه بشكل كامل".
ويضيف في حديث لـDW: "لايزال (التنظيم) اليوم قوة متمردة ذات مستوى محدود، لكنه قادر على القيام بهجمات من هذا النوع عبر عناصره النشطة في سوريا والعراق"، مشيراً إلى أن عناصر التنظيم "يتطلعون إلى تعزيز موقفهم وتعبئة الموارد التي مازلت متاحة لهم ومحاولة زيادة قوتهم".
من جانبه يحذر جاسم محمد، مدير المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب، في حديث لـDW، من أن التنظيم "أقوى مما كان عليه عام 2019"، لكنه يعتقد أن "داعش" سيظل قابعاً في بعض الأماكن في الصحراء لأنه "من الصعب عليه السيطرة على أي مدينة".
ويضيف الخبير في قضايا الإرهاب: "التنظيم يخطط لمهاجمة أهداف حكومية في الغالب - على سبيل المثال الأهداف العسكرية أو السجون أكثر من المدنيين، ليحاول الحصول على التعاطف والدعم".
"داعش يريد إخراج جيشه من السجن"
وتقدر الأمم المتحدة عدد عناصر التنظيم النشطين في سوريا والعراق بنحو عشرة آلاف، في حين تقول قوات سوريا الديمقراطية إن السجون التي تسيطر عليها تضم نحو 12 ألف جهادي من نحو 50 جنسية. وتعيش زوجات مقاتلي التنظيم وأطفالهم في مخيمات مكتظة في المنطقة، ويحذر خبراء من أن تلك المخيمات قد تصبح بيئة حاضنة للتطرف.
ويرى الباحث في معهد "نيولاينز" نيكولاس هيراس أن هجوم "داعش" على السجن في الحسكة يمثّل خطوة لمحاولة "إخراج جيشه من السجن"، وتوقع في تصريح لفرانس برس "المزيد من هذا النوع من العمليات مستقبلاً، خصوصاً أن قوات سوريا الديمقراطية تفتقر إلى الإمكانات الكافية لحماية السجون التي يُعتقل فيها عناصر التنظيم".
ولطالما دعت "قوات سوريا الديمقراطية" دول العالم لاستعادة مواطنيها المتهمين بالانتماء لتنظيم "داعش" والمحتجزين في السجون التي تسيطر عليها تلك القوات، وسط تخوف بعض الدول من أن يشكل العائدون خطراً على أمنها.
"لا يمثل تهديداً استراتيجياً"
ورغم أن بارنز-داسي يرى أن التنظيم سيحاول شن هجمات جديدة، إلا أنه يعتقد أن التنظيم "لم يعد يمثل تهديداً استراتيجياً حقيقياً في الوقت الحالي"، ويوضح: "لقد تم إضعافه بشدة ولذلك فهو ليس على وشك الانتفاض والاستيلاء على الرقة أو الموصل مرة أخرى".
أما التحالف الدولي، فتوقع أن يؤدي هجوم "داعش" على السجن في الحسكة إلى إضعاف التنظيم نظراً إلى الخسائر الكبيرة التي تكبدها. واعتبر التحالف في بيان أن التنظيم "لا يزال يشكّل تهديداً لكن الواضح أنه لم يعد يتمتّع بقوته السابقة".
وبرأي بارنز-داسي، فإن درجة خطر "داعش" في المستقبل تعتمد على عاملين اثنين، أحدهما مدى قدرة أعضائه على إعادة تنظيم صفوفهم في الصحراء، ومدى قدرة التنظيم على إطلاق سراح عناصره المحتجزين في السجون.
ويوضح: "لا أعتقد أن داعش سينجح في تجنيد أعضاء جدد، فقد انهارت أسطورته، لكن بالنسبة للأعضاء الملتزمين إيديولوجياً، لايزال هناك شعور بعدم وجود بدائل واقعية وذات مغزى بالنسبة لهم لحل المظالم السياسية والاقتصادية التي جذبتهم في البداية إلى التنظيم، والتي استمرت في تغذية الشعور بالاستياء والتهميش".
"هجوم ضخم من منظور رمزي"
ويعتقد الخبير الأوروبي أنه "ما دامت الظروف على الأرض في كل من العراق وسوريا لا تزال غير مستقرة إلى حد ما، ومحفوفة بالمخاطر، ومستمرة نوعاً ما في إثارة مسائل الحوكمة والأمن، فإن "داعش" سيجد لحظات لاستغلال الوضع ومحاولة شن هجمات جديدة".
ويرى جاسم محمد أن "داعش" يحاول استغلال الظروف السيئة للنازحين في كل من سوريا والعراق "ليضع نفسه كممثل لهؤلاء الناس ضد الحكومات"، مشيراً إلى أن التنظيم يستفيد من "السياسات السيئة ومعاناة الناس".
أما الخبير في شؤون تنظيم "داعش"، تشارلي وينتر، فيلاحظ أن هجوم الحسكة كان "ضخماً جداً من منظور رمزي، مع أنه قد لا يؤدي إلى تأثير فوري على الأرض". وقال وينتر الذي يرصد الحسابات الجهادية على شبكات التواصل الاجتماعي لفرانس برس إنه لم يشهد "منذ سنوات مثل هذه الحماسة لدى مناصري" الجهاديين على الإنترنت.
وأضاف وينتر: "هذا النوع من القدرة على تنشيط المناصرين يحرك الكثير" من الجماعات المؤيدة للتنظيم، لا سيما في سوريا، وإن كانت الإجراءات الأمنية ستمنع معظم الجهاديين والسجناء من الخروج من محافظة الحسكة.
وشدّد وينتر على أن "ما يضفيه هذا الهجوم من رمزية يمكن أن يكون له انعكاسه الملموس الخاص"، إذ هو "استعراض لقدرته ولعزمه على التحدي".
محيي الدين حسين/جينيفر هولايس/ كيرستين كنيب