هل تكون ألمانيا ملاذا لأقليات العراق الهاربة؟
٣١ أغسطس ٢٠١٥في المركز الكاثوليكي الايطالي بمدينة غيلزن كيرشن، اجتمعت طائفة متنوعة من أقليات العراق في محاولة لرسم إستراتيجية محتملة للمرحلة الحالية والمقبلة من خلال عقد ندوة تحت شعار "ضمان حقوق الأقليات ركيزة لمصداقية النظام الديمقراطي".
الندوة التي عقدت في (29 آب/ أغسطس 2015) جاءت في ظل تدفق مئات ألوف اللاجئين على أوروبا بحثا عن الأمن والأمان لاسيما بعد تفاقم الأوضاع في العراق إثر احتلال "الدولة الإسلامية" لمناطق شاسعة من أراضيه وقتل وتهجير وسبي سكانها وأغلبهم من الأقليات، التي بات البعض يسميها "المكونات الصغرى".
" تضاءلَ أمل المهاجرين في العودة إلى وطنهم"
كامل زومايا من منظمة أصدقاء برطلي، المعنية بأوضاع الشعب الكلداني السرياني الآشوري في العراق، كشف في جلسة الافتتاح أن الندوة تسعى لإبراز المعاناة للجانب الألماني والأوروبي واطلاعهم على أوضاع الأقليات في العراق، مبينا في حديث لـ DW أن "مؤتمرا للحزب الديمقراطي المسيحي عُقد قبل أسبوع في منطقة الرور، وقد قدمت للمؤتمر ورقة تحث على قبول لجوء مزيد من المسيحيين وأبناء وأسر الأقليات العراقية المهجرة والمهاجرة الأخرى التي تتدفق على أوروبا بشكل متزايد، لاسيما أن عمليات تحرير مناطق نينوى وسهل نينوى وسنجار من احتلال "الدولية الإسلامية" قد طالت، ومعها تضاءل أمل جميع المهاجرين واللاجئين في العودة إلى وطنهم".
فيما أكدت الناشطة هيفاء خضر حنا القادمة من قرية كرمليس في سهل نينوى، التي يحتلها تنظيم "داعش" اليوم، أن ألمانيا هي بلدها الثاني كاشفة في حديث لـ DW أنها حتى وإن كانت لا تروم العودة إلى بلدها لكنها حريصة أن تراه آمنا مستقرا وحقوق الناس مصانة وحريتهم مكفولة فيه.
الأيزيديون - رسالة إلى أوروبا
وبين جلستي المؤتمر-الصباحية والمسائية- عُرض فيلم "صامدون رغم الإبادات"، الذي عرض مشاهد مؤثرة لما تعرض له المسيحيون والأيزيديون في مناطق نينوى- عاصمتها الموصل- شمال العراق، على مدى عقود من التاريخ الحديث، وآخرها هجمة "تنظيم الدولة الإسلامية" التي عُرفت بغزوة سنجار وسمّاها الشبك "فرمان الإبادة رقم 73" .
هذه الهجمة أدت فيما أدت إلى قتل أكثر من 1300 ايزيدي واختطاف عدد مماثل ما زال مختفيا، واختطاف نحو 3192 امرأة وفتاة وبيعهن في أسواق النخاسة في تلعفر والرقة علاوة على طرد وتشريد أكثر من 400 ألف إنسان وسلب أموالهم وبيوتهم ومصالحهم وهم يشكلون أغلب ألأيزيدين الموزعين على مناطق سهل نينوى الشمالي والجنوبي. كشف عن كل ذلك الناشط الأيزيدي حسو هورمي من مؤسسة الأيزيديين في هولندا.
وأضاف في حوار مع DW إن "الهدف من هذه الندوة هو تكثيف الجهود وتجميعها في بوتقة واحدة للعمل على خلق حراك سياسي ودبلوماسي للأقليات في أوروبا بحيث يكون لهم خطاب موحد يجمعهم متفاهمين في المنابر والمحافل الدولية، وتوجيه رسائل إلى الحكومات الأوروبية ومجلس حقوق الإنسان في جنيف". ومضى هورمي إلى القول "الهدف المحلي من هذه الندوة هو توجيه رسالة إلى الرئاسات والقيادات العراقية الثلاث (رئاسة الجمهورية- الإقليم، رئاسة الوزراء، رئاسة البرلمان) في بغداد وأربيل ".
فيما أكد ناشطون من المبادرة الأيزيدية عبر العالم أنّ الآمال بعودتهم إلى مناطقهم شمال العراق تتلاشى. وفي هذا السياق تحدث سبهان الشرقي الموجود كلاجئ في ألمانيا منذ 7 أعوام إلى DW مبينا أنه كان ينتظر بأمل أن يعود إلى سنجار التي ولد فيها، لكنه (بعد الثالث من آب/ أغسطس 2014) فقد أي أمل بالعودة بعد أن "ضاعت الأرض والعائلة والكرامة والعرض والشرف، ولا أفكر مطلقا في العودة إلى العراق بعد أن تعرضنا فيه إلى كارثة إنسانية على يد داعش".
المندائيون "شعب الماء الذي لا يحارب، ليس له وطن"
مشاركة المندائيين الصابئة كانت أقل من مشاركة المسيحيين والأيزيديين في الندوة، وقد عرض الناشط ستار جبار رحمن من البرنامج المندائي أوضاعهم ومستقبلهم إلى DW مشيرا إلى أنه "في العراق وقبل عام 2003 عاش نحو 60 ألف مندائي، لم يبق منهم اليوم سوى خمسة آلاف، وهكذا فقد غادر العراق تسعون بالمائة من المندائيين بسبب عمليات القتل والخطف والسرقة". وبيّن رحمن أنّ المندائيين لم يعودوا يسكنون في منطقة معينة بعد أن هجروا موطنهم الأصلي في مدينة العمارة" ولهذا السبب لم يتعرضوا إلى عمليات إبادة وقتل جماعي".
وكشف الناشط الصابئي رحمن، أن أعراف المندائيين وديانتهم تحرّم القتل والقتال، وهذا يفسّر لماذا لم يكن لهذه الطائفة ثمة وطن على مدى التاريخ رغم أنها من أقدم سكان أرض النهرين. ثم مضى مبينا أنّ ألمانيا لا تشكل هدفا لهجرة المندائيين، بل يمكن اعتبار استراليا مقصدا استقرت فيه مجاميع الصابئة التي هاجرت وبات لها هناك "مناد" - جمع مندي وهو المعبد المندائي - وتجمعات كبيرة ومصالح، خاصة أن استراليا دافئة وفيرة المياه، وهو أمر يتيح للمندائيين ممارسة طقوسهم المرتبطة بالمياه الجارية والأنهار.
الشبك- حضور خجول تحدده أسباب مذهبية أو إدارية؟
اقتصر حضور الشبك في الندوة على الناشط يوسف محرّم وعلى السيدة فاتن حُنين القدو. وعزا يوسف محرم في حوار مع DW هذا الحضور الخجول إلى أنّ أغلب الشبك الذين وصلوا ألمانيا لم تُحسم ملفات لجوئهم بعد، لذا لا يمكنهم التجول بحرية في أرجاء البلد، فيما لا يغيب عن نظر متابع الشأن العراقي أنّ الشبك مكوّنٌ مسلم شيعي يمكن أن يعتمد على انتسابه المذهبي ويحتمي به في العراق، الذي يشهد نسيجه المجتمعي تآكلا، وتشهد مدنه صراعا مذهبيا وعرقيا متفاقما، وبالتالي فهم لا يرون أنهم أبناء قضية مشتركة تجمعهم بالمسيحيين والأيزيديين والمندائيين، وإن كانت "الدولة الإسلامية" قد اعتبرتهم من ضمن "المجوس الرافضة" وأباحت قتلهم وسبي نسائهم وسلب أموالهم، وهو ما أصابهم في منتصف آب / أغسطس عام 2014.
وأثناء تقديمه ورقة عمل الأقليات في الندوة اعتبر الناشط محرّم أن الشبك يواجهون أخطر تحدٍ يتمثل في أنهم "نزحوا إلى مناطق العراق الشيعية، وهم شيعة المذهب، وبمرور الوقت وبحكم كونهم أقلية ضئيلة سيندمجون في سكان تلك المناطق ويفقدون خصوصيتهم وحتى لغتهم".
أما فاتن، ابنة النائب حُنين القدو ممثل الشبك في البرلمان العراقي والتي تعيش في ألمانيا منذ 14 عاما، فقد كشفت "أنّ الشبك كقومية تعرضوا إلى اضطهاد كبير في زمن الطاغية صدام، وتفاقمت مأساتهم في هذا العصر بهجمة داعش على مناطقهم وسبيهم وقتلهم وتشريدهم".
السيدة القدو أعربت عن أملها في العودة إلى وطنها، لكنها اعتبرت أن تحقيق ذلك في عراق اليوم صعب جدا، خاصة أن مناطق سكن الشبك واقعة كلها شمال الموصل وفي سهل نينوى ، وباتت برمتها تحت سلطة "داعش".