أقسام خاصة بالأجانب في مدارس ألمانية
٢٨ يوليو ٢٠١٣يعاني الطفل محمود البالغ من العمر 14 عاماً والقاطن بمنطقة نويكولن في برلين من مشاكل تربوية. فأخواه اللذان يكبرانه سناً يقضيان أغلب وقتهما في التسكع في الشوارع بسبب عدم استكمال الدراسة ولعدم حصولهما على عمل. غوكان يسأل أخاه محمد كل صباح بلغة ألمانية ركيكة "لماذا تذهب يا محمد إلى المدرسة؟" ويجيبه محمد بانزعاج "أنا مضطر".
يكره محمد المدرسة ويجد صعوبة في التركيز في الدرس لعدم تمكنه من استيعاب المصطلحات التي يستخدمها المدرس. لكنه يخجل من الإفصاح عن ذلك ويفضل التزام الصمت أثناء الدرس أو التحدث فقط مع زميله الجالس بجانبه باللغة التركية.
قصة محمد تعكس فعلا واقع الكثير من الشباب في ألمانيا الذين يعيشون في أحياء تقطنها أغلبية تركية مثل حي كولن مولهايم في كولونيا وحي فرانكفورت غالوس في فرانكفوت وحي نويكولن في برلين، فهناك تنتشر اللغة التركية أكثر من اللغة الألمانية.
ويشعر أغلب هؤلاء الشباب بأنه تم التخلي عنهم من طرف الأساتذة، كما أن الأولياء لا يعرفون حقا كيفية مساعدتهم. وبسبب قلة عدد الأطفال الألمان في بعض المدارس، يفضل الأولياء اختيار مدارس أخرى لأطفالهم، لا تكون نسبة الأجانب فيها مرتفعة بشكل كبير.
التعليم والمستوى المتدني
يطلق خبراء التعليم على هذه الظاهرة مصطلح "الحواجز التعليمية". ويعني ذلك أخذ بعض العناصر بالنسبة للتلاميذ بعين الاعتبار، مثل البلد الأصلي والوضع الاجتماعي. فبينما تجد تلاميذ وتلميذات يحملون أسماء تركية مثل مراد وهولجا في المدرسة الابتدائية التابعة للحي، يفضل آباء لوكاس وصوفيا تسجيل أبنائهم في مدارس أكثر شهرة بالمدينة.
وقد تطرق قسم الأبحاث في المجلس الاستشاري الألماني للهجرة والاندماج بشكل دقيق لهذه الظاهرة وخلص في دراسة أجراها بهذا الخصوص إلى أن "المدارس التي بها نسبة كبيرة من التلاميذ من أصول مهاجرة تتوفر على ظروف عمل وأدوات مدرسية سيئة"، كما يقول مدير المجلس يان شنايدر.
وعوض البحث في الأسباب التي أدت إلى الحواجز التعليمية، يركز الباحثون على الطريقة الأفضل في كيفية تعامل المدارس والدوائر الحكومية مع هذه الظاهرة. ويحذر قسم الأبحاث في المجلس الاستشاري الألماني للهجرة والاندماج من اتخاذ إجراءات سياسية للضغط على والدي لوكاس وصوفيا لتسجيل أبنائهم في مدارس يتواجد فيها الكثير من أبناء المهاجرين، لأن من شأن ذلك، حسب الدراسة، أن يؤدي إلى "مشاكل سياسية واجتماعية كبيرة". لذلك يبحث المجلس الاستشاري في إمكانيات بديلة لتحسين مستوى التعليم في المدارس التي يسعى الألمان إلى تجنب إرسال أبنائهم إليها.
دروس إضافية في اللغة الألمانية
توجد مدرسة بيرتولت بريشت في أحد أحياء الطبقة المتوسطة في مدينة بون، وأكثر من ثلث تلاميذها هم من أصول أجنبية. بعضهم هاجر حديثاً إلى ألمانيا في حين ولد البعض الآخر هنا، غير أنهم لا يتحدثون اللغة الألمانية في البيت إلا نادرا.
مدير هذه المدرسة راينهولد بفايفر يولي اهتماما كبيرا بالمستوى اللغوي لتلاميذه. فمن لا يتقن اللغة الألمانية يجد صعوبة في الحصول على شهادة الثانوية العامة، لذلك يقدم مدير المدرسة وزملاؤه دعماً للتلاميذ منذ البداية لتعلم اللغة الألمانية بشكل جيد. ويقول المدير "نقوم بتكليف زميلين باختيار أطفال من كل قسم لتشكيل مجموعة خاصة لدعم هؤلاء الأطفال بهدف تقوية لغتهم الألمانية".
وإلى جانب الدعم الخاص في اللغة الألمانية تتوفر مدرسة بيرتولت بريشت أيضاً على ما يسمى بالأقسام الدولية، حيث "يتم فيها تجميع أطفال من الصف الثامن وحتى العاشر. والهدف من هذا القسم المنفصل هو العمل على دعم اللغة الألمانية للأطفال، كي يتسنى لهم بعد عامين أو ثلاثة أعوام الالتحاق بالأقسام العادية. ولتحقيق هذا الهدف يدرس التلاميذ والتلميذات في "الأقسام الدولية" حوالي 12 ساعة لتعلم اللغة الألمانية كل أسبوع.
وتهتم خبيرة التعليم في جامعة دويسبورغ إيسن، ديانا سهراي، بظاهرة الحواجز التعليمية وتشيد بتجربة مدرسة بيرتولت بريشت، حيث تعتبرها مثالا يحتذى به. غير أنها تشكك في نجاح فكرة الأقسام الدولية وتقول بهذا الخصوص: "عندما يقضي التلاميذ أكثر من سنة أو سنتين في تلك الأقسام فإنهم يفقدون عنصر التواصل مع بقية التلاميذ الذين يتحدثون اللغة الألمانية جيداً، وبالتالي فإن ذلك لا يساعدهم كثيراً على تعلم اللغة".
من جهته عبر مدير المدرسة راينهولد بفايفر عن اعتقاده أن أي تأثير سلبي في الفصل بين التلاميذ يتم بشكل مؤقت ويقول: "مستوى التلاميذ يتحسن بعد ذلك بشكل كبير لدرجة أن الكثير منهم ينجح في الحصول على شهادة البكالوريا".
الانفتاح الثقافي هو السبيل الوحيد
وينصح قسم الأبحاث في المجلس الاستشاري الألماني للهجرة والاندماج المدارس والمؤسسات الحكومية بضرورة انتهاج سياسة الانفتاح الثقافي لتحسين فرص نجاح التلاميذ في المناطق المعروفة بارتفاع نسبة الأجانب فيها.
وفي هذا الصدد يقول مدير المجلس: "انفتاح المدارس على الثقافات الأخرى يمكن أن يلعب دورا كبيرا". لذلك يرى الخبراء أنه يجب على المجلس الاستشاري الألماني للهجرة والاندماج وعلى المدارس والسلطات المختصة أن تنظر إلى التنوع الثقافي والاجتماعي للأطفال على أنه إغناء ثقافي وليس عائقا سلبيا.
وفي طريق تحقيق ذلك يمكن - حسب الدراسة- تنظيم دورات تعليمية للمدرسين يتعلمون خلالها كيفية التعامل مع التنوع الثقافي لتلاميذهم وعدم الاقتصار على الدروس الرسمية للغة الألمانية وتوفير دروس إضافية لهؤلاء التلاميذ، بالإضافة إلى تحسين التواصل مع أولياء التلاميذ من خلال لقاءات دورية.
ومما لاشك فيه أن الانفتاح الثقافي سيساعد محمد وغيره من أبناء المهاجرين على تحسين مستواهم التعليمي. فإذا أتقنوا اللغة الألمانية بفضل دروس التقوية، وإذا نجحت المدرسة في التواصل معهم ومع الأولياء بشكل أفضل، فقد يحصلون على علامات جيدة في مشوارهم التعليمي مما يمكنهم أيضا من الحصول على الشهادة الثانوية.