أقباط مصر بين ناري الإرهاب والتقصير الأمني
١٠ أبريل ٢٠١٧
لم يكد يمض 100 يوم على تفجير الكنسية البطرسية في قلب القاهرة، حتى اهتزت مصر مجددا على اعتداءين دمويين في الاسكندرية وطنطا، وهذه المرة استهدف الإرهاب الأقباط خلال مناسبة مسيحية مهمة هي "أحد الشعانين" الذي يسبق أسبوع الآلام. وأسفر الاعتداءان على كنيستين في طنطا والإسكندرية على حصيلة ثقيلة من القتلى والجرحى.
وفي الوقت الذي يشيع فيه الأقباط ذويهم من ضحايا التفجيرين وسط أجواء من الصدمة والحزن والانتقادات للأجهزة الأمنية وإتهامات لها بالتقصير، يُطرح سؤال: ما الذي يريد تنظيم"الدولة الإسلامية" الوصول إليه باستهداف الأقباط؟ وهل إن إعلان حالة الطوارئ في البلاد كاف لمحارية الإرهاب ولتوفي الحماية الأمنية للأقباط.
"الحلقة الأضعف"
ويعتبر "أحد السعف" أو "أحد الشعانين" كما يطلق عليه، الأحدَ السابع من الصوم الكبير وهو الأحد الذي يخلد فيه المسيحيون ذكرى دخول يسوع المسيح إلى القدس واستقباله من أهاليها بالسعف والزيتون المزين وأغصان الأشجار. ويلي هذا اليوم أسبوع الآلام الذي ينتهي بعيد الفصح أو قيامة المسيح. كما تأتي الإعتداءات على كنائس مصرية قبل ثلاثة أسابيع على زيارة من المقرر أن يقوم بها بابا الفاتيكان فرنسيس إلى مصر.
وساد الغضب خلال مراسيم تشييع ضحايا الهجومين، ووصل إلى مطالبة البعض بإقالة وزير الداخلية المصري. "شرف" موظف حكومي قبطي كان حاضرا في مراسيم التشييع، وصرح لوكالة الأنباء الفرنسية "إنهم يستهدفون البلد والاعتداء على الشرطة لا يأتي بنتيجة كبيرة وهم يريدون زعزعة الاستقرار، والأقباط هم الحلقة الأضعف".
ومن الواضح أن داعش خطط لتنفيذ التفجيرين في هذا اليوم لعلمه أن الكنائس ستستقبل أعدادا كبيرة من المصلين، ولكن أيضا ربما ليبعث رسائل ما. وفي هذا السياق يقول نبيل عبد الفتاح، الخبير المصري في العنف الطائفي في مقابلة معDW عربية إن داعش أراد من جهة أن يشوه سمعة النظام المصري ويظهره للرأي المحلي والغربي أيضا على أنه نظام غير مستقر وغير قادر على حماية الأقليات الموجودة في مصر، كما أن التنظيم يريد أن يبعث رسالة مفادها أنه قادر على التحرك كما يشاء واختراق أماكن يفترض أنها محصنة في مناسبة كهذه، ويمكنه تنفيذ تفجيرين كبيرين في فترتين متقاربتين.
وبالإضافة إلى تشويه صورة النظام المصري، يقول عبد الفتاح إن "هدف داعش من هذه العمليات هو خلق شروخ بين المسلمين والمسيحيين في الوعي المجتمعي للفئات الاجتماعية المسلمة البسيطة التي تلقت تعليما محدودا".
استهداف الأقباط
وعن ردود أفعال المسلمين حيال ما حدث وتأثير مثل هذه العمليات على التعايش السلمي بين أقباط ومسملي مصر، يقول الأسقف أنبا داميان ممثل الكنيسة القبطية في ألمانيا، إن المسلمين المعتدلين يعبرون عن تعاطفهم وأسفهم.
وفي تصريحات أدلى بها القس داميان لـ DW أكد أن "المسيحيين في مصر لديهم تقليد طويل من التعايش السلمي. نحن مصريون ونعيش معا في على نفس الأرض مع المسلمين، لكننا نرى ردود أفعال مختلفة: معظم المسلمين يظهرون مشاعر التضامن والحزن، لكن المتطرفين يهللون ويفرحون لمثل هذه العمليات عندما تنجح". وشهدت مصر إثر إعتداءي طنطا والإسكندرية موجة تضامن واسعة بين المسلمين والأقباط، وبادرت هيئت دينية إسلامية على رأسها الأزهر بإطلاق دعوات للتضامن مع المسيحيين وفتحت مساجد أبوابها من أجل استقبال المتبرعين بالدم لإنقاذ المصابين في الإعتداءات.
وخلال العقود الثلاثة الأخيرة استهدفت جماعات إرهابية كنائس الأقباط، كما وقعت أحداث ذات طابع طائفي أدت إلى اشتباكات وحوادث دامية بين مسلمين وأقباط في البلاد. وشهدت سيناء في شهر فيبراير شباط الماضي تهديدات للمسيحيين من قبل داعش، اضطرت العشرات منهم إلى مغادرة محافظة شمال سيناء.
قانون الطوارئ، هل هو الحل؟
وعن ما يمكن للحكومة المصرية القيام به لحماية المسيحيين، يقول القس أنبا داميان "في مصر نسمع دائما تصريحات براقة ووعودا مبهرة، لكن الاعتداءات تتكرر لأنه لا يتم حل المشكلة من جذورها". ويشدد القس أنبا داميان قوله: "أنا مقتنع جدا أنه من الضروري إعادة النظر وإدخال إصلاحات في السلوك والإيدلوجيات في الإسلام"، وبالإضافة إلى ذلك، يرى داميان أنه ينبغي أن يكون هناك التزام أكبر وتعزيز أكثر للإجراءات الأمنية لحماية الأقباط. إذ يجب بناء نظام أمني متكامل من طرف خبراء مختصين لتفادي حدوث مثل هذه الإعتداءات الدامية.
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أعلن حالة الطوارئ بعد التفجيرين، وصرح بأن الإرهاب الغادر يستهدف مصر بأقباط ومسلميها. وقالت الحكومة في بيان إن "القوات المسلحة وهيئة الشرطة ستتولى اتخاذ ما يلزم لمواجهة أخطار الإرهاب وتمويله، وحفظ الأمن بجميع أنحاء البلاد، وحماية الممتلكات العامة والخاصة، وحفظ أرواح المواطنين".
ويرى عبد الفتاح أن إعلان حالة الطوارئ ليس الحل الأمثل لمواجهة الإرهاب، ويشرح ذلك بأن فرض قانون الطوارئ يقود البلاد إلى المزيد من السلبية، فهو يؤثر على الصورة السياحية للبلد في وقت تحاول فيه مصر إنعاش هذا القطاع الحيوي. كما أن ذلك يجر على السلطات المصرية العديد من الانتقادات من الغرب وحتى من منظمات المجتمع المدني وبعض القوى السياسية في مصر والاتهامات بأن هذا القانون يعطي للسلطة صلاحيات واسعة تؤدي إلى التضييق على الحريات. "وبالإضافة إلى كل هذا فمصر لطالما خضعت لحالة الطوارئ منذ 1953 وكانت الفترات التي ترفع فيها حالات استثنائية ومع ذلك وقعت هجمات إرهابية".
ويشير خبراء في هذا السياق أيضا إلى أن الإجراءات الأمنية المشددة في سيناء لم تحل دون إستهداف تنظيم داعش مثلا للأقباط.
وعن الإجراءات التي ينبغي اتخاذها لحماية الأقباط، يقول عبد الفتاح إنه من الضروري مراجعة السياسة الدينية في مصر. ويشرح ذلك قائلا: "الحالة الدينية الحالية انعكاس للتسلطية الدينية التي تقوم على الإجماع وعدم الاجتهاد وإعادة إنتاج الفكر النقلي وليس النقدي بالإضافة إلى وضع قيود على الحريات الدينية".
ويستنتج الخبير المصري: "كل هذا يعطي للجماعات السلفية المتشددة المجال لنشر نفوذها في المجتمع". ويضيف أن غياب دراسات حول الخطابات الدينية في مصر وفي العالم العربي عموما، يجعل من الصعب مراجعة السياسة الدينية أو فهم أسباب التطرف الديني. ولهذا يؤكد الخبير عبد الفتاح على ضرورة القيام بدراسات سوسيولوجية دينية، تقيم الخطابات الدينية وتساعد على فهم هذه الخطابات ومرجعياتها ومصادرها ومن يحركها.
ويشكل أقباط مصر كبرى الطوائف المسيحية في الشرق الاوسط وواحدة من أقدمها. وتقدر نسبة الطائفة بحوالى 10في المائة من 92 مليون مصري. ويشكل الأقباط الارثوذكس غالبية الأقباط المصريين الذين بينهم كاثوليك ايضا.
ويتوزع الأقباط بمناطق مختلفة من البلاد وفي شرائح من جميع فئات المجتمع المصري، الأمر اذلي يجعل برأي الخبراء مهمة حمايتهم من الناحية الأمنية مهمة صعبة، بيد أن حماية المعابد والكنائس مهمة ممكنة.
وناهيك عن المخاطر الأمنية التي تواجه الأقلية المسيحية في مصر، تشكل قضايا التمثيل السياسي في البرلمان والحكومة والمناصب من المؤسسات العامة مثل القضاء والشرطة، أبرز المحاور التي يركز عليها نشطاء الأقباط في مطالبهم من السلطات. فيما تركز الهيئات الكنسية على مطالب مثل تسهيل بناء الكنائس على غرار الحقوق التي يتمتع بها المسلمون لبناء المساجد.
سهام أشطو