أفضل السلاح" صنع في المانيا " ولكن؟
٢٠ أغسطس ٢٠١٤عندما يلجأ النقابيون للساسة فهم يبحثون عادة عن الدعم في مواجهة مدراء الشركات الذين يخططون لتقليص الوظائف، لكن الوضع مختلف تماما بالنسبة لممثلي شركات صناعة الأسلحة الألمانية إذ يأتي التقليص من قبل الوزير المعني بصناعتهم وهو وزير الاقتصاد زيغمار غابريل والذي يتبع نهجا بتقليل التصاريح بشأن صادرات السلاح الألمانية للعالم. ويثير موقف الوزير الألماني امتعاض النقابات وشركات صناعة السلاح التي تتأثر بشكل مباشر بموقف الوزير.
يشغل غابريل منصب وزير الاقتصاد منذ نهاية العام الماضي وهو المسئول عن صادرات السلاح الألمانية وهي مهمة يأخذها رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي بجدية كبيرة. لم يخف غابريل خلال الحملة الانتخابية الأخيرة عدم رضاه عن سياسة الحكومة الألمانية السابقة فيما يتعلق بإعطاء التصاريح حول تصدير السلاح. ووفقا لتقارير تصدير الأسلحة فقد أصدرت الحكومة الألمانية في عام 2013 تصاريح تصدير أسلحة بقيمة 6ر3 مليار يورو لدول خارج حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي، مقارنة بنحو 4ر1 مليار يورو قبل ثلاثة أعوام.
خط سياسي صارم
ينص النهج السياسي للحكومة الألمانية على حظر توريد الأسلحة والمعدات الحربية لأماكن الأزمات، إلا في بعض الحالات الاستثنائية. ويتعين على أي شركة ألمانية الحصول على تصريح قبل تصدير معدات التسلح لدول خارج الناتو والاتحاد الأوروبي. وصار الحصول على هذه التصاريح مسألة صعبة جدا بعد وصول غابريل لمنصب وزير الاقتصاد لدرجة أن بعض الدوائر المطلعة تقول إن هناك مئات الطلبات بحاجة لتصريح ولم يبت فيها الوزير حتى الآن. سياسة غابريل خلقت حالة غضب بين شركات معدات التسلح والتي تحقق مكاسبها من خلال التصدير لشركات أجنبية وتتعرض لمشكلات عند تأخر التوريد عن المواعيد المحددة. وتواجه سياسة غابريل في هذا المجال بانتقادات حتى من قبل أطراف حكومية إذ قال يواخيم بفايفر، المتحدث باسم الكتلة البرلمانية للاتحاد المسيحي لشؤون السياسات الاقتصادية:" سياسة غابريل تؤدي إلى فقدان ألمانيا صورتها كشريك يعتمد عليه وبالتالي تفقد صناعة التسلح الألمانية أحدى أهم ميزاتها".
تتخذ مسألة توريد السلاح لمناطق الأزمات أبعادا عديدة ، فبالرغم من حرب غزة الأخيرة، وردت ألمانيا إلى إسرائيل معدات تسلح بقيمة 600 مليون يورو تقريبا. وقال مسؤولون إن التصاريح الخاصة بهذه المعدات كانت قد صدرت في وقت سابق. يذكر أيضا أن ألمانيا سبق وصدرت ثلاث غواصات لإسرائيل مع وجود خطط لتسليم الغواصة الرابعة "تانين" التي تعد أكبر غواصة تم تصنيعها في ألمانيا.
وبشكل عام تجني شركات صناعة معدات التسلح الألمانية معظم أرباحها من خلال التوريد لدول خارج الناتو والاتحاد الأوروبي إذ تشير البيانات إلى أن أكثر من 60 بالمئة من صادرات السلاح الألمانية عام 2013 ذهبت إلى دول خارج الاتحاد الأوروبي والناتو ومن بينها السعودية وإندونيسيا والجزائر. ويثير تصدير السلاح لتلك الدول كثير من الجدل في ألمانيا إذ ترى الأصوات المنتقدة له أن تصدير سلاح لدول تقمع شعوبها لا يختلف عن تصدير سلاح لأماكن الأزمات.
تحسين سبل التنسيق
يتفهم غابريل مخاوف شركات صناعة معدات التسلح لكنه لا يعتزم تغيير سياسته وهو الأمر الذي أوضحه للقائمين على هذه الصناعة قبل عدة أسابيع في خطاب جاء فيه:"وفقا لقناعتي فإن واردات التسلح يمكن أن تكون أداة للسياسة الأمنية فحسب وليست وسيلة للسياسة الاقتصادية" مؤكدا أن "وجود صناعة دفاع وأمن قومي قوية وقادرة على المنافسة تصب في المصلحة الوطنية". لكن الوزير الألماني أكد أيضا على أهمية "دعم تحول الشركات العاملة في هذا المجال للمجال المدني" وهو تصريح أثار سخرية العاملين في مجال صناعة التسلح الذين تعجبوا لفكرة تحول شركة تصنع الدبابات اليوم لتعمل غدا في تصنيع السيارات.
وبالرغم من أن ألمانيا تنتمي لقائمة أكبر الدول المصدرة للسلاح على مستوى العالم إلا أن حجم هذا القطاع في إجمالي الناتج المحلي لا يتجاوز نسبة واحد بالمئة. وبلغ عدد العاملين بشكل مباشر في أحد 40 شركة عاملة في المجال ومنتمية لاتحاد صناعة الأمن والدفاع الألماني، نحو 89 ألف شخص في عام 2011 علاوة على نحو 220 وظيفة أخرى في مجال التوريدات والخدمات المرتبطة بهذا القطاع.
ومن أجل التوصل لحل مناسب دعا غابريل مديري الشركات العاملة في قطاع التسلح لاجتماع من المقرر أن يعقد مطلع الشهر المقبل للحديث عن "مستقبل صناعة الدفاع الألمانية" مع وضع مسألة تأمين الوظائف في الاعتبار.
وتشغل مسألة تصدير السلاح مساحة كبيرة في اهتمام ساسة الأحزاب المختلفة في ألمانيا إذ دعا رئيس الكتلة البرلمانية للاتحاد المسيحي، فولكر كادور إلى تبني خط أوروبي موحد فيما يتعلق بمسألة الدفاع من خلال إجراءات موحدة خاصة بتصدير معدات التسلح. في الوقت نفسه دعا سيم أوزدمير، رئيس حزب الخضر إلى التنسيق الأوروبي فيما يتعلق بمسألة تصدير السلاح موضحا:"علينا تحسين التعاون العسكري إذا كنا نرغب في تقوية السياسة الأمنية والخارجية الأوروبية". من جهته لا يمانع غابريل في التعاون الدولي في هذه المسألة شريطة الحفاظ على "المعايير الصارمة" لألمانيا وفقا لما ذكرته مصادر من داخل وزارة الاقتصاد الألمانية.