الحصار الخليجي ونجدة الاقتصاد القطري؟
٢٤ يونيو ٢٠١٧يطال الحصار والعقوبات التي فرضتها السعودية والإمارات والبحرين ومصر الاقتصاد القطري الذي يعتمد على صادرات الغاز والنفط بقوة. وهو السبب الذي يفسر مطالب برفعها مسؤولون قطريون قبل أية محادثات تهدف إلى حل الأزمة بين بلادهم واشقائها. وتقضي هذه العقوبات بإغلاق الحدود والأجواء والبعثات الدبلوماسية أمام البضائع والأفراد. ومما يعنيه ذلك حرمان قطر من معبرها البري الوحيد وهو مع السعودية ومن تحليق طائراتها في أجواء الدول الأربعة، إضافة إلى حرمانها من الخدمات التي تقدمها المرافئ الإماراتية وفي مقدمتها ميناء جبل علي في دبي.
ماذا سيكون الحال لولا النجدة التركية والإيرانية؟
باستثناء مصادر الطاقة تستورد إمارة قطر تقريبا جميع مستلزمات الحياة اليومية من أغذية وأدوية وألبسة ومواد بناء وأدوات منزلية وغيرها الخارج. وقبل فرض العقوبات كانت الإمارة الصغيرة على الخليج تستورد نصف إلى أكثر من ثلثي سلعها وخدماتها عبر معبر سلوى مع السعودية وعن طريق الموانئ الإماراتية. وتأتي الأغذية والسلع الاستهلاكية اليومية الأخرى في مقدمة البضائع المستوردة التي تم إفراغها من الأسواق القطرية خلال اليومين الأولين للعقوبات بسبب إقبال المستهلكين على شرائها وتخزينها خوفا من عرقلة الاستيراد. ولولا نجدة تركيا وإلى حد ما إيران ودول أخرى عن طريق إقامة جسر جوي شكلت عموده الفقري الخطوط الجوية القطرية لحصلت كارثة حقيقية في الإمدادات الحيوية. وإضافة إلى السلع الاستهلاكية حصل نقص في السيولة المالية بالدولار تم سده بالاعتماد على أسواق دولية كسوق هونغ كونغ بدلا من سوقي دبي وأبو ظبي الماليين. ويرى الكثير من الخبراء وهم على حق أنّ الأسابيع والأشهر القادمة ستشهد اختناقات في إمدادات المشاريع القطرية من السلع والخدمات عبر المرافئ الإماراتية الأمر الذي سيؤخر إنجازها ويعرقله.
أسواق جديدة وتكاليف إضافية
تواجه المؤسسات القطرية حاليا مهمة غير سهلة تتمثل في إيجاد أسواق جديدة لتزويدها بالسلع الغذائية عن طريق ممرات جوية وبحرية بديلة. وفي أحسن الأحوال فإن تكاليف السلع وخدمات الممرات البديلة سترتفع لأن على الطائرات المتوجهة إلى قطر قطع مسافات أطول. كما أن شحن البضائع عبر المرافئ العُمانية والإيرانية أعلى تكلفة بالنسبة لقطر من نظيرتها الإماراتية. يضاف إلى ذلك أن الإمارات كانت تقدم للتجارة مع قطر خدمات مالية ولوجستية يصعب التعويض عنها خلال فترة قصيرة. وفي حال عدم قيام الحكومة القطرية بدعم السلع من احتياطاتها المالية فإن ارتفاع أسعارها سيؤدي إلى التضخم وتراجع مستوى المعيشة. الجدير ذكره أن السنوات الثلاث الماضية شهدت تراجعا بنسبة تزيد على الثلث في المعدل العام لنصيب الفرد القطري من الناتج المحلي الإجمالي الذي بلغ نحو 61 ألف دولار في عام 2016 مقابل حوالي 94 ألف دولار في عام 2014.
أضرار محدودة
تعتمد الدولة القطرية على صادرات الغاز والنفط التي تشكل 80 بالمائة من عائداتها. وإذا كانت صادرات النفط القطري محدودة، فإن الإمارة بمساحة حوالي 11.6 ألف كيلو متر مربع وعدد سكان لا يزيد على 2.6 مليون نسمة تتربع قائمة الدول المصدرة للغاز الطبيعي المسال بطاقة تصل إلى 80 مليون طن سنويا. وباستثناء بعض الإعاقة في شحن النفط القطري بالسفن العملاقة التي ترسو في المرافئ الإماراتية، لم تحصل حتى الآن اختناقات في شحن الغاز الطبيعي المسال الذي تتربع قطر على عشر مصدّريه. غير أن المخاوف من عرقله شحنه ما تزال قائمة في حالة اتجهت الأزمة القطرية- الخليجية إلى مزيد من التصعيد.
ما يجدر ذكره أنّ المخاوف تتركز حاليا على تكاليف التأمين التي تفرضها هذه التوترات التي تزداد حدة أيضا بسبب استمرار الاحتجاجات في البحرين وتوتر العلاقات بين السعودية وإيران التي يُتوقع أن تشهد المزيد من التصعيد بعد تعيين الأمير محمد بن سلمان وليا للعهد في السعودية. ويعد الأمير من أشد القادة السعوديين تشددا إزاء إيران. وقد وصفه موقع "شبيغل أونلاين" الألماني بأنه "أمير حرب" يعمل على تحقيق هيمنة سعودية في العالم العربي إما عن طريق المال كما هو الحال إزاء مصر أو عن طريق القوة كما هو الحال في اليمن.
مخاطر من سيناريو كارثي
تمتلك قطر احتياطات مالية واستثمارات أجنبية قد تصل قيمتها إلى نحو 300 مليار دولار. وطالما بقيت تأثيرات الأزمة مع الأشقاء محدودة على الاقتصاد، فإن بإمكان الإمارة تعويض الخسائر وارتفاع التكاليف بضخ المزيد من الاحتياطات المالية الداعمة في السوق. غير أن الكارثة لا يمكن تجنبها في حال طالت الأزمة بشكل يؤدي إلى استنزف الاحتياطات وقطع إمدادات الغاز ولو بشكل جزئي. فالغاز يهب الحياة لقطر ولاقتصادها. وفي حال تعطل صادراته، فإن ذلك يعني نهاية دعائم الدولة القطرية بالشكل الذي نعرفه حاليا. عندها قد تتوقف "شبكة الجزيرة الإعلامية" وتتراجع أهمية الخطوط الجوية القطرية. أما استكمال مشروع "مونديال قطر 2002 " فسيكون صعبا وكذلك الأمر بالنسبة لمشروع تحويل الدوحة إلى مركز دولي للملاحة الجوية.