مصر ومقاطعة قطر.. هل غلبت السياسة حسابات الاقتصاد؟
٨ يونيو ٢٠١٧في ظل هجوم إعلامي غير مسبوق على الدولة الخليجية، ومطالبات البعض بإنهاء أي علاقات اقتصادية بين البلدين، قالت وزيرة الاستثمار والتعاون الدولي المصرية سحر نصر يوم الأربعاء إن الاستثمارات القطرية في مصر محمية وفقاً للقانون. وكان التصريح لافتاً للنظر في ظل ما يوجه إلى قطر من اتهامات وخطوات للعزلة على أكثر من صعيد. واتبعت مصر عدة إجراءات مماثلة لقرار السعودية والإمارات والبحرين التي قطعت العلاقات، وتستهدف حصاراً اقتصادياً على قطر، ومن بينها حظر الطيران إلى قطر.
وجاءت تصريحات نصر بعد اجتماع للمجموعة الاقتصادية في الحكومة لمناقشة تداعيات قرار مصر القاضي بقطع العلاقات مع قطر متهمة إياها بدعم الإرهاب.
وتأتي الاستثمارات القطرية في المركز التاسع بين دول العالم المستثمرة في مصر، وتقول تقارير إنها تصل إلى نحو خمسة مليارات دولار موزعة على أنشطة استثمارية متنوعة من بينها البترول والحديد والمقاولات.
تتشعب الخلافات بين مصر وقطر، إذ تعود في بداياتها إلى عهد الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، ووصلت ذروتها بعد عزل الرئيس الإسلامي محمد مرسي -المدعوم من قطر- من قبل الجيش في الثالث من يوليو/ تموز 2013 بعد مظاهرات مليونية حاشدة. لكن رغم كل الملفات الساخنة بين القاهرة والدوحة فقد حافظت الاستثمارات على وجودها حتى في أعلى حالات التوتر السياسي والدبلوماسي والإعلامي بين الجانبين.
معادلة صفرية خاسرة
بيد أن هذه هي المرة الأولى التي يتخذ الخلاف بعداً اقتصاديا رغم أن الميزان التجاري بين البلدين يميل لصالح مصر. فحسب أرقام وزارة التجارة والصناعة المصرية، بلغ إجمالي حجم التجارة الخارجية لمصر مع قطر خلال 2016 حوالي 325 مليون دولار، منها 282 مليون دولار صادرات مصرية و43 مليون دولار واردات قطرية، كما بلغ إجمالي حجم التجارة بين البلدين خلال الربع الأول من العام الجاري نحو 118 مليون دولار، منها 108 ملايين صادرات مصرية إلى قطر و10 ملايين واردات مصرية من قطر.
وفي هذا السياق يصف خبير الاقتصاد وأستاذ التمويل الدكتور مدحت نافع الأزمة بأنها معادلة صفرية يخسر فيها الجميع، مشيراً إلى أن الأزمة كانت دبلوماسية لكنها اتخذت طريق العقوبات الاقتصادية عندما دخلت الدول الخليجية على خط الأزمة مع قطر.
ويقول نافع لـDW عربية إن الميزان التجاري في صالح مصر وهو أمر نادر فضلاً عن تحويلات العاملين المصريين في قطر بالعملة الصعبة و"نحن في حاجة لها. كان يجب أن نُبقي على أن المشكلة بين الحكومات ومتعلقة بالسياسة القطرية ودعم الجماعات الإرهابية ونفصل تماماً بين الأزمة الدبلوماسية والحصار الاقتصادي".
ويرى الخبير الاقتصادي المصري أن العقوبات الاقتصادية ليس لها أي معنى "لأن مصر ليس لها يد عليا ولا حتى تأثير كبير ولا حتى تتحمل عودة 350 ألف مصري يعملون في قطر، وكان من الأفضل أن نقصر الإجراء على المقاطعة السياسية، إذا كان ضرورياً أن نسير مع الموجة".
"خطوة صائبة وإن تأخرت"
لكن على النقيض يرى الدكتور أيمن عبد الوهاب أستاذ السياسة بجامعة القاهرة، بأنها خطوة صائبة رغم أنها جاءت متأخرة. ويشير عبد الوهاب لـDW عربي أن مصر هي التي كانت تسعى وتدفع من أجل اتخاذ مثل هذه الخطوات وكان لزاماً عليها استغلال الوضع لتضييق الخناق أكثر من أجل مصالح سياسية وإستراتيجية حتى لو كان على حساب المصالح الاقتصادية.
ويوضح عبد الوهاب: "ليس هناك إجراء إلا بتكلفة، وفي النهاية مصر تحسبها، والحسابات الاقتصادية أقل في الاعتبار وهي تأخذ مثل هذا الإجراء لأنها تريد مكاسب أهم مثل الضغط على قطر لرفع يدها عن ليبيا. سعت مصر إلى ذلك منذ وقت طويل، وعندما تتهيأ الظروف ولا تتخذ مثل هذه الخطوات فستكون مخطئة".
وأبز الإعلام مطالبة رجل الأعمال الملياردير نجيب ساويرس رجال الأعمال المصريين بسحب الاستثمارات المصرية من قطر، حيث قال في تغريدة على حسابه على تويتر "يجب أن نكون أول من يقطع علاقته مع مركز تصدير الإرهاب هذا كموقف أساسي مصري":
لكن خبير الاقتصاد مدحت نافع يصف حديث ساويرس بـ"غير المسؤول، وربما تكمن وراءه ثمة مصالح".
العاملون المصريون في قطر.. ورقة ضغط؟
يشكل العمال الأجانب نحو 1.6 مليون من سكان قطر البالغ تعدادهم 2.5 مليون، منهم نحو 350 ألفا من هؤلاء مصريون، مما يجعلهم واحدة من أكبر التجمعات الأجنبية في البلاد. ويصف نافع موقف العمالة المصرية في الأزمة بـ"خطير جداً".
ويوضح نافع بالقول: "إذا تعاملت معهم قطر وأحسنت إليهم وأكرمتهم فهذه أزمة أمن قومي وبالتأكيد فإن غالبيتهم غير مسيسين"، مضيفاً أن إعادة العمالة المصرية ستكون بمثابة "مصيبة" على الاقتصاد المصري، خاصة وان كل الدول الخليجية الأخرى حالياً طاردة للعمالة،" وقطر هي الدولة الوحيدة التي لا يزال قطاع الخدمات فيها يستقبل عمالة وافدة".
لكن أيمن عبد الوهاب يستبعد أن تقدم قطر على خطوة إرجاع العمالة المصرية، قائلاً: "القطريون لا يستطيعوا أن يقطعوا شعرة معاوية، لأنهم لو فعلوا ذلك فهذا سيكون بمثابة إعلان حرب".
وكان وزير القوى العاملة المصري محمد سعفان قال إن الوزارة تستعد لاستقبال العمالة المصرية العائدة من قطر حال صدور قرار بتسريحهم من قبل أصحاب العمل لتوفير فرص عمل بديلة لهم وتسكينهم فيها، وهو التصريح الذي قوبل برد فعل ساخر من المصريين على مواقع التواصل الاجتماعي في بلد يعاني فيه نحو 12 بالمئة من البطالة حسب الأرقام الرسمية.
موقف مصر بعد المصالحة
بينما يرى الدكتور أيمن عبد الوهاب أن حل الأزمة ليس قريباً بسبب تشابكه وقد يستخدم فيها شقاقات وخلافات، وإنما ستتم محاولة تفكيك الأزمة شيئاً فشيئاً، يرى الدكتور مدحت نافع أن الأزمة من الصعب أن تطول رغم عمقها لأن المنطقة كلها ستخسر اقتصادياً، فالتصنيف الائتماني لدول الخليج قد يقل في ظل زيادة عنصر المخاطرة وتأثر قطاعي النقل والتجارة في المنطقة.
ويخشى نافع من استبعاد مصر من أي تفاهمات وأن تبقى مصر على الهامش بعد حل الصراع الخليجي مع قطر التي قالت بعد قطع العلاقات إنها تأسف لتحرك الدول الثلاث السعودية والإمارات والبحرين ولم تذكر مصر.
وأضاف نافع بالقول: "يجب أن تكون هناك رؤية وتصور لما بعد المصالحة وعلى مصر أن تضغط لأن تتضمن المصالحة مصر أيضاً"، مؤكداً أنه كلما زادت تكلفة المصالحة، كان الأمر أسوأ لمصر وقد يتم استبعادها من أي تفاهمات. ويوضح بالقول: "إذا دفعت قطر للرئيس الأمريكي دونالد ترامب مثلاً 300 مليار دولار أخرى لحل الأزمة فإنه لن يعنيه مصر".
ودعا نافع إلى أن تتخذ مصر خطوات استباقية قبل أن تحل الأزمة وتجد نفسها مستبعدة من أي اتفاق، وكذلك لإصلاح سمعتها من أنها كانت تابعة للسعودية والإمارات في الأزمة.. "لا تزال هناك فرصة لأن تلعب مصر دوراً في قيادة الأمور نحو التهدئة ووضع شروط واضحة وصريحة".
مصطفى هاشم - القاهرة