أزمة قطر- نهاية التكامل الاقتصادي الخليجي؟
١ يوليو ٢٠١٧مع فرض الحصار والعقوبات السعودية والإماراتية والبحرانية على قطر، تعطلت الكثير الحريات والاتفاقات الاقتصادية المعمول بها بين دول مجلس التعاون الخليجي الست على الصعد المالية والتجارية. فالقطريون لم يعد بإمكانهم التنقل، وحرية نقل البضائع الخليجية المنشأ من وإلى قطر توقفت. أما البضائع الاجنبية المتوجهة إلى السوق القطرية عبر الإمارات أو السعودية أو البحرين فعليها سلوك طريق آخر عبر طرف آخر. صحيح أن العقوبات أصابت المؤسسات والشركات التجارية والصناعية والمالية في قطر بشكل مباشر، غير أن البنوك الإماراتية والخليجية الأخرى التي تتعامل مع قطر والشركات المشتركة التي تمت إقامتها معها في إطار مجلس التعاون، تعاني عرقلة الكثير من أنشطتها. ويمكن القول إن هذه المشاريع تقف الآن أمام مصير مجهول، لأن الأمر مرتبط بمدى استمرار الأزمة القطرية- الخليجية التي تتجه إلى التصعيد. ومع هذا التصعيد يتوقع مراقبون طرد قطر من المجلس وتشديد العقوبات الاقتصادية عليها. وهو الأمر الذي يعتبره خبراء مقربون من الدوحة بمثابة بداية النهاية لمجلس التعاون الخليجي الذي كان من المفترض أن يكون له اليوم عملة مشتركة على غرار الاتحاد الأوروبي.
أي مجلس تعاون دون قطر؟
غير أن الكثير من الآراء لا تميل إلى توقع نهاية المجلس، لاسيما وأنه حقق الكثير من النجاحات الاقتصادية التي لا يمكن التراجع عنها. يضاف إلى ذلك أن قطر دولة صغيرة وليست وازنة فيه على غرار السعودية أو الإمارات. نيكولاس بريمر الخبير في أنظمة الاستثمار الخليجية لدى شركة الكسندر وشركاه (Alexander& Partner) للمحاماة والاستشارات لا يوافق على القول بـ "بدء نهاية مجلس التعاون الخليجي رغم عرقلة وتأخير الكثير من أنشطته في ظل الحصار على قطر، وفي حال تم طرد الأخيرة منه فإن بإمكانه الاستمرار بصيغة جديدة تقتضي تعديل الاتفاقات وأنظمة المشاريع المشتركة وتسويات مالية معقدة". لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ألا يعني سيناريو كهذا في أحسن الأحوال إضعاف الثقة بمستقبل المجلس الذي تهيمن على قراراته السعودية والإمارات؟ ثم أليس من الطبيعي تراجع الثقة به في حال تم تم طرد دولة عضو فيه دون اجتماع مشترك لقادته؟ ألا يدفع ذلك بسلطنة عُمان والكويت إلى مزيد من التحفظ إزاء مشاريع التكامل الاقتصادي مع جاراتها الشقيقة في الخليج؟ الجدير ذكره أنه سبق لسلطنة عٌمان ان اعترضت على مشاريع مثل اعتماد عملة خليجية مشتركة قبل الأزمة القطرية.
الخسائر تصيب الإمارات بقوة
خلال 36 سنة من عمره بقي مجلس التعاون الخليجي، الذي تأسس عام 1981، حكرا على الدول النفطية الغنية في شبه الجزيرة العربية بزعامة السعودية. وهذا ما ساعدها على توفير أموال كثيرة كان من المفترض إنفاقها لدعم دول عربية فقيرة رغبت في الانضمام إليه مثل اليمن. كما ساعدها على تطوير بنيتها التحتية وربط بعضها ببعض، إضافة إلى إقامة العديد من الصناعات المشتركة في مجالات الألمنيوم والطاقة والإسمنت والبتروكيماويات وغيرها. وعزز المجلس أيضا دور الإمارات كمركز للأعمال والتجارة والخدمات المالية في منطقة الشرق الأوسط. وهكذا فإن أضرار الأزمة لا تقتصر على قطر التي تعاني من عرقلة تجارتها مع الخارج وعدم استقرار عملتها أي الريال القطري إزاء الدولار. فالأزمة تصيب أيضا الدول الأخرى وخاصة الإمارات التي يتم عن طريق مرافئها استيراد معظم احتياجات المشاريع القطرية وفي مقدمتها "مشاريع مونديال قطر 2022" التي تكلف عشرات المليارات من الدولارات. وكذلك الأمر بالنسبة للصادرات، فإن قطر تعتمد على هذه المرافئ وعلى الإمارات في بيع قسم من نفطها وغازها المسال. ورغم صعوبة تقدير الخسائر حاليا، فإن حجمها سيكون بعدة مليارات من الدولارات إذا طال النزاع ولو لبضع سنوات.
وفي كل الأحوال فإن الآزمة الحالية مع قطر قد تزيد تكاليف التأمين العالمية على الأنشطة مع دول الخليج بسبب ارتفاع المخاطر الناتجة عن التوترات السياسية. في سياق متصل يرى الخبير بريمر بأن الأزمة "تؤخر نقل مستلزمات المشاريع وترفع تكاليف نقل البضائع والسفر من وإلى قطر بالنسبة للشركات الألمانية وغيرها من الشركات العاملة هناك، لأن عليها نقل بضائعها عبر سلطنة عٌمان ودول أخرى بدلا من الإمارات المحازية والقريبة جدا إلى السوق القطرية". كما تلحق الأزمة خسائر بالبنوك الخليجية التي تساهم في تمويل الصفقات القطرية مع الخارج، وفي مقدمتها بنوك دبي وأبو ظبي.
ماذا يعني سيناريو القطيعة؟
تشير تطورات الأيام الأخيرة إلى أن أزمة السعودية والإمارات والبحرين ومصر مع قطر تسير نحو طريق مسدود. وفي حال انسدت طرق الحل السياسي للأزمة، فإن ذلك سيعني على الأرجح طرد قطر من مجلس التعاون الخليجي. وهو الأمر الذي لوح به أنور قرقاش، وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية عندما صرح بأنه من الصعب علينا في دول المجلس أن "نحافظ على تجمعنا في حال عدم تعاطي قطر مع مطالب الدول التي قاطعتها". أما عمر غباش، السفير الإماراتي في موسكو، فذهب أبعد من ذلك عندما قال لصحيفة الغارديان البريطانية: "طرد قطر من مجلس التعاون الخليجي ليس العقوبة الوحيدة المتاحة.. أحد الاحتمالات تتمثل في طلب الدول التي انضمت للحصار من شركائها التجاريين الاختيار بين العمل معها أو مع الدوحة..". إنها تطورات مقلقة تعد بمثابة زلزال جديد من الزلازل التي تضرب الشرق الأوسط. وبالطبع فإن تبعات سيناريو القطيعة مع قطر ستطال الأمن والاستقرار وقبل كل شيء المكاسب والمشاريع الاقتصادية المشتركة والطموحة لمجلس التعاون. ومن هذه المكاسب مناخ الاستقرار الجاذب للاستثمار منذ عقود. وإذا ما أصبح هذه المناخ طاردا لرؤوس الأموال فإن منطقة الخليج ستكون أمام أصعب التحديات الاقتصادية في تاريخها.