أزمة الرئاسة اللبنانية - خلافات متراكمة يعززها غياب الرغبة في التوافق
٢٥ مارس ٢٠٠٨لم يعد الشعب اللبناني يُبالي بتأُجيل موعد انتخاب رئيس جديد للبلاد الذي كان مزمعاً منذ شهور. ورغم تحديد الـ 22 من الشهر القادم موعدا لانعقاد جلسة اختيار رئيس جديد للبنان بعد تأجيلها للمرة 17، لم يأخذ اللبنانيون كالعادة هذا الموعد على محمل الجد. بل على العكس، يبدو أن المرء قد تعود تدريجيا على الفراغ الرئاسي الذي تشهده الساحة السياسية في لبنان، حتى أن البعض يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، فهم يأملون أن تحمل الأزمة الحالية معها رياح تجديد النظام السياسي اللبناني.
انقسام رغم الاتفاق
إن تعطيل انتخاب رئيس جديد للبنان ينطوي على خلافات سياسية بين الحكومة والمعارضة البرلمانية. فرغم أن كلا الطرفيين أعربا عن استعدادهما لترشيح العماد ميشيل سليمان لمنصب رئيس البلاد، إلا أن ذلك لم يؤدِ إلى حل الأزمة القائمة بينهما. فحسب قانون البلاد المتبع حالياً لا يجوز انتخاب مباشر لعسكري لمنصب رئيس الجمهورية دون إجراء تعديل دستوري تصادق عليه الحكومة والمعارضة على حد سواء وهو ما لم يتم حتى الآن. فحكومة السنيورة تتوجس من ازدياد تمثيل المعارضة والمتمثلة بحزب الله وتيار العماد ميشيل عون في الحكومة، مما قد يؤدي مستقبلاً إلى إمكانية تعطيل المعارضة لأي مشروع تقترحه الحكومة. وهو ما ترنو إليه المعارضة الموالية لسوريا منذ أكثر من عام ونصف –حسب قوى الأكثرية-. وبالتالي تقابل المعارضة رفض السنيورة لطموحاتها بعرقلة انتخاب رئيس جديد للبلاد.
وطبعاً، كل هذه التجاذبات السياسية على الساحة اللبنانية انعكست على المواقف العربية، الأمر الذي زاد في اتساع الشرخ العربي. فسوريا ومن خلفها إيران تدعم المعارضة اللبنانية، بينما تؤازر السعودية والمصرية وبعض الدول العربية حكومة السنيورة. هذا ما حذا بالأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى مؤخراً إلى التسليم بالأمر الواقع بعد محاولات عديدة قام بها لاحتواء الأزمة. والجدير بالذكر أن السعودية ومصر حملتا دمشق مسؤولية فشل انتخاب رئيس جديد للبنان وهددتا في وقت سابق بمقاطعة القمة العربية المزمع عقدها في دمشق، إلا أنهما عدلتا عن قرارهما وأعلنتا مشاركتهما في القمة ولكن بوفد متواضع ليس على مستوى القادة.
الحاجة إلى إصلاحات سياسية
وكلما زادت تداعيات الخلاف اللبناني الداخلي على الساحة العربية، كلما بات التوصل إلى حل دائم للأزمة أمرا ضروريا وملحا. ويأتي ذلك في وقت زاد فيه عدد الأصوات المطالبة بإصلاح شامل للنظام السياسي الحالي في لبنان الذي اُعتمد إبان الانتداب الفرنسي للبنان في ثلاثينيات وأربعينات القرن المنصرم، والذي يقضي بأن تُوزع المناصب الإدارية على أساس طائفي يتناسب وتعداد أبناء الطائفة في ذلك الوقت، حيث أنه لم يعد يجدي نفعاً في الوقت الحالي. وعليه يُعتبر أبناء الطائفة الشيعية أكبر المتضررين من هذا القانون، إذ أصبحوا يشكلون شريحة واسعة من الشعب اللبناني مقارنة بما كانوا عليه أثناء سن القانون.
ومن أجل تغير هذا الوضع يجب سن قانون جديد للانتخابات والابتعاد عن نظام المحاصصة، فضلا عن إعادة تحديد دور رئيس الجمهورية. وتعد الانتخابات النيابية، التي ستنظم العام المقبل فرصة أمام مختلف الأطراف السياسية الراغبة بجدية في التوصل إلى حلول للمشاكل السياسية العالقة، لتعبيد الطريق أمام تبني إصلاحات سياسية ضرورية. في غضون ذلك ترى غالبية اللبنانيين أن الشيء الأكيد في الوقت الراهن والذي أثبتته الانتخابات الرئاسية الأخيرة يضل أن السياسيين في لبنان لا يمثلون سوى مصالحهم ضاربين بعرض الحائط بمصلحة الوطن.