البرلمان اللبناني يستعد لعقد جلسة الانتخابات الرئاسية الأولى
٢٤ سبتمبر ٢٠٠٧في ظل غياب التوافق على اسم الرئيس اللبناني الذي من المفترض أن يخلف الرئيس الحالي إميل لحود ووسط الأجواء المشحونة في لبنان، جاءت عملية اغتيال النائب أنطون غانم لتزيد الأمور تعقيدا في الخارطة السياسية اللبنانية.
وتهدد الظروف السياسية الصعبة في لبنان بتفاقم الأزمة السياسية المستمرة منذ قرابة عام. هذا الأمر يهدد بفرض مزيد من الأزمات السياسية ويهدد كذلك استقرار البلد في أجواء تعيد إلى الأذهان تلك التي سادت عشية اندلاع الحرب الأهلية في عام 1975.
فقد نجم عن عملية اغتيال غانم يوم 19 من شهر سبتمبر/ أيلول الحالي اتساع الهوة بين جبهتي الخلاف الرئيسية الممثلة بقوى الحكومة المعروفة بـ "قوى 14 مارس/آذار" أو "جبهة الأكثرية" التي تمتلك أغلبية برلمانية بسيطة (68 مقعدا) وقوى المعارضة التي تملك 59 مقعدا من أصل 128 مقعدا.
يشار هنا إلى أنه من المقرر أن يعقد مجلس النواب اللبناني غدا الثلاثاء جلسة خاصة لبدء الجولة الأولى من انتخابات رئيس للبلاد خلفا للرئيس إميل لحود الذي تنتهي فترة ولايته في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني القادم.
ووفقا للدستور اللبناني، ينتخب النواب الرئيس بأكثرية الثلثين في الدورة الأولى والنصف زائد واحد في الدورات اللاحقة خلال مهلة دستورية بدأت اليوم الاثنين وتنتهي في 24 تشرين الثاني/نوفمبر.
وتؤكد "قوى 14 مارس/ آذار" أنها ستلجأ إلى هذه الخطوة، أي إلى خطوة النصف زائد واحد في الأيام العشرة الأخيرة من المهلة الدستورية التي ينعقد فيها المجلس "حكما" وفق الدستور. وتجري المشاورات حاليا على قدم وساق لضمان التوصل إلى اتفاق على جلسة غد. لكن رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري أكدا أنه سيرجئها إذا لم يكتمل النصاب الذي حدده بثلثي أعضاء البرلمان.
عملية الاغتيال القت بظلالها على مبادرة نبيه بري
الجدير بالذكر أن رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري كان قد أطلق في الأيام القليلة الماضية مبادرة تهدف إلى تأمين الأغلبية الضرورية لانتخاب رئيس للبلاد وذلك من خلال إجراء حوارات مكثفة مع جميع ممثلي الحكومة المعارضة، لكن اغتيال الناب غانم المقرب من حكومة السنيوره ساهم ليس فقط في تفاقم الوضع السياسي اللبناني عموما، بل وألقى بظلاله على نبيه مبادرة بري بوجه خاص.
فقد دفع هذا الحادث قوى الحكومة ذات التأثير الكبير إلى مزيد من التصلب في مواقفها، بحيث أصبحت مصممة على ضرورة انعقاد مجلس النواب لبحث إجراءات انتخاب رئيس للبلاد حتى ولو لم يتوفر نصاب أغلبية الثلثين.
وفي هذا السياق، أعرب الباحث اللبناني يوسف باخوت، من معهد باريس للدراسات السياسية عن اعتقاده بأن "الأكثرية" أو ما يعرف بـ"قوى 14 آذار/مارس" تبالغ في تهويل الموقف بغرض إرغام المعارضة على المشاركة في جلسة البرلمان وبالتالي ضمان توفر أغلبية الثلثين أو التهديد بالاستمرار في عملية الانتخابات بالأغلبية الحاضرة.
وبصرف النظر عن الاختلافات في المواقف ووجهات النظر، يرى الكثير من السياسيين والخبراء أن مبادرة رئيس مجلس النواب اللبناني تشكل على الأقل في الوقت الحالي الضمان الوحيد للحيلولة دون مزيد من التصعيد.
تجدر الإشارة هنا إلى أن نقاشات مكثفة واتصالات جرت في الأيام القلية الماضية وشارك فيها زعماء سياسيون مؤثرون ومقربون من الحكومة مثل الرئيس اللبناني الأسبق أمين الجميل ورئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري. كما أن المشاورات مازالت متواصلة في محاولة للحيلولة للتوفيق بين الأطراف المتنازعة.
"انتخاب الرئيس قد يكون بداية لإزمات إضافية"
وتذهب الدوائر الحكومية، أو "قوى 14 مارس/ آذار" في مطالبها إلى أبعد من ذلك بكثير، فهي تطالب بانتخاب رئيس جديد للبلاد حتى بالأغلبية المطلقة في حال عدم القدرة على ضمان أغلبية ثلثي الأعضاء. ومن جهتهم، يعتبر سياسيو المعارضة أن أي انتخابات رئاسية دون توفر نصاب أغلبية ثلثي الأعضاء ستكون خرقا للدستور.
وفي حال إصرار كل طرف على موقفه، فإن من شأن ذلك ـ وفقا لرؤية باخوت الخبير في الشئون اللبنانية ـ أن يقود إلى مزيد من التصعيد في البلاد وربما إلى أعمال عنف أو تصعيد عسكري. ويشير باخوت في هذا السياق إلى أن المعارضة حددت سلفا موقفها الرافض لإنتخاب رئيس الجمهورية بطريقة الأغلبية المطلقة، معتبرة الإقدام على مثل هذه الخطوة من جانب الأكثرية بمثابة "إجراء هجومي" من شأنه أن يقطع جميع الاتصالات مع الحكومة.
"تغطية دولية لتبرير الانتخابات بالأغلبية المطلقة"
وفي ظل محورية العامل الخارجي في الشأن اللبناني، يبقى السؤال الملح حاليا هو ما هو الموقف الذي ستتخذه القوى الإقليمية والدولية المعنية بالشأن اللبناني في حال لجوء معسكر الحكومة على انتخاب رئيس للدولة بالأغلبية المطلقة في غياب مشاركة المعارضة؟
تجدر الإشارة هنا إلى أن كل من مصر والسعودية وفرنسا وعدة دول غربية كانت قد أبدت ـ على كل حال قبل اغتيال النائب أنطون غانم ـ دعمها لمبادرة رئيس البرلمان نبيه بري. لكن بعد عملية الاغتيال هذه يبدو الوضع في نظر باخوت أصبح مختلفا.
في هذا السياق يقول الخبير اللبناني إنه عقب عملية اغتيال النائب غانم لم تصدر مواقف حادة وحاسمة من قبل الدول المعنية بالشأن اللبناني حول مبادرة بري، لكنه يرى أن هناك "مؤشرات إلى تغيير في المواقف الدولية على وقع صدمة الاغتيال". وهو في هذا الجانب يعتقد أن "قوى 14 آذار" تستند بشكل كبير على تغطية أمريكية وربما على تغطية غربية شاملة لما سوف تقدم عليه من خطوات على طريق انتخاب رئيس جديد للبلاد.