أربعون عاماً من العلاقات الخاصة بين ألمانيا وإسرائيل
١٨ مارس ٢٠٠٥تحتفل ألمانيا وإسرائيل في الثاني عشر من مايو/أيار القادم بالذكرى الأربعين لإقامة علاقات دبلوماسية بينهما. وتعود الولادة الصعبة لهذه العلاقة الخاصة بين جمهورية ألمانيا الاتحادية (الغربية سابقاً) وإسرائيل إلى الجهود المضنية التي قام بها كل من المستشار الألماني كونراد أديناور ورئيس الوزراء الإسرائيلي دافيد بن غوريون من أجل إقناع النخب السياسية في كلا البلدين بضرورة هذه الخطوة التاريخية التي رأوا أنها ستخدم مصلحة البلدين. ويرجع الرفض الشديد في الأوساط السياسية الإسرائيلية لإقامة علاقات دبلوماسية مع "بلد المجرمين" آنذاك إلى ذكرى المعاناة الأليمة لغالبية الإسرائيليين الذين فقدوا أقرباء لهم في معسكرات الموت النازية. أما دوافع المستشار الألماني فتمثلت بقناعته الشخصية بأن عودة جمهورية ألمانيا الاتحادية حديثة النشأة إلى المجتمع الدولي مرتبط بقدرة الشعب الألماني على تحمل مسؤوليته التاريخية أمام العالم تجاه ضحايا جرائم العهد النازي.
أول لقاء قمة ألماني- إسرائيلي
عُقد أول لقاء قمة ألماني- إسرائيلي بين كونراد أديناور ودافيد بن غوريون في شهر آذار/ مارس في نيويورك. الجدير بذكره في هذا السياق أن "اتفاق لوكسمبورغ" الذي تعهدت فيه ألمانيا تجاه إسرائيل، كممثل لحقوق اليهود الذين فقدوا حياتهم ضحية للإرهاب النازي، بتعويض ذويهم مادياً مهد الطريق أمام إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. ومما لا شك فيه أن العلاقة الشخصية الخاصة بين هذين الزعيمين المخضرمين اللذان ألقيا بثقلهما السياسي لإنجاح مشروع المصالحة الصعبة بين الشعبين ساهمت بصورة جوهرية في الوصول إلى هذه النتيجة الايجابية.
"خطورة إعادة قراءة التاريخ"
يمثل إجماع الأحزاب السياسية الألمانية على تبني المسؤولية التاريخية تجاه ضحايا النازية ركيزة من أهم الركائز الأساسية التي قامت عليها جمهورية ألمانيا الاتحادية. كما أن الدستور الألماني ينص بشكل واضح على التزام ألمانيا بمحاربة الفاشية والعمل على نشر السلام في العالم. ويلقى التذكير بهذه الهوية السياسية الجديدة لألمانيا اهتمام خاص في ظل عودة أحزاب نازية إلى الحياة السياسية الألمانية، وهو ما يطرح تحدياً لم يسبق له مثيل على الديمقراطية في ألمانيا. ومما يتطلبه استراتيجيات عمل جديدة للتعامل الجاد مع محاولات إعادة قراءة التاريخ الهادفة إلى التقليل من هول الجرائم النازية للتملص من المسؤولية والشعور بالذنب تجاهها.
تطبيع في ظل الماضي الحاضر دوماً
تمثل المحافظة على كيان دولة إسرائيل والمساهمة في حماية حقها في العيش بأمن وسلام أحد الركائز التي تقوم عليها السياسة الخارجية الألمانية تجاه الشرق الأوسط. ونظراً لخصوصية العلاقة بين البلدين يتجنب السياسيون الألمان عادة انتقاد السياسة الإسرائيلية بشكل مباشر ويفضلون العمل ضمن إطار السياسة الخارجية المشتركة للإتحاد الأوروبي. وعلى الرغم من التطبيع الملحوظ في العلاقات بين البلدين وتزايد تعاونهما الوثيق في مجالات متعددة، إلا أن الماضي الألماني يبقى حاضراً. وللتأكيد على هذا الموقف شدد الرئيس الألماني هورست كولر في خطابه أمام الكنيست خلال زيارته الأخيرة لإسرائيل على أن : "مسؤولية ألمانيا عن المحرقة تشكل جزءا لا يتجزأ من هويتها."