تواصل الاحتفال بذكرى تحرير معسكر "آوشفيتس"

كراكاو ـ مدينة التاريخ المرير تعود من جديد

في شتاء بولندا القارص الذي وصلت درجة برودته إلى 30 درجة تحت الصفر افتتح أمس الرئيس البولندي الكسندر كفاسنيفسكي مراسم الاحتفال بذكرى مرور 60 عاماً على تحرير معسكر "آوشفيتس" للإبادة، وقد أقيم هذا الاحتفال في مدينة كراكاو القريبة من موقع المعسكر، ويستضيف عددا كبيرا من رؤساء العالم ومسؤولين من منظمات وهيئات دولية. والقى الرئيس البولندي كلمة بهذه المناسبة أعقبتها كلمتي الرئيس الإسرائيلي والرئيس الروسي، ثم أستمع الحضور إلى كلمة بابا الفاتيكان يوحنا بول الثاني الذي ألقاها نيابةً عنه أسقف باريس جان ماري لوستيجر، يذكر أن لوستيجر كان نفسه أسيراً في معسكرات النازي وهو طفل، ثم تحول إلى الكاثوليكية.

بدأت المراسم بصافرة قطار يدخل معسكر بيركيناو المجاور لمعسكر آوشفيتس، يسير على نفس القضبان التي سارت عليها القطارات أثناء الحرب العالمية الثانية محملةً بمئات الآلاف من يهود أوروبا وغيرهم إلى المعسكر. ودعا الرئيس البولندي قدامى محاربي الجيش الروسي من الذين حرروا المعسكر عام 1945 مقلداً إياهم الأوسمة والنياشين. كما أضيئت الست شمعات الأولى بهذه المناسبة بواسطة ستة من الناجين من معسكرات النازية وثلاثة من قدامى المحاربين في الجيش السوفيتي. وأقيمت الصلوات ترحماً على أرواح الضحايا، ومن بينها صلاة الموت اليهودية.

وفي العاشرة والنصف أزاح الوزير البريطاني ايفور كابلن الستار عن النصب التذكاري المقام في معسكر مونوفيتش الفرعي تخليداً لذكرى ضحايا الإبادة النازية من البريطانيين. أعقبه افتتاح الرئيس الفرنسي جاك شيراك لمعرض يقام في صالة رقم 20 من المعسكر والتي أعيد تجديدها، وهذا المعرض يخلد 80 ألف وطني فرنسي حاربوا ضد النازية ثم أبعدوا إلى معسكرات النازية وماتوا فيها.

وأنتهت مراسم الاحتفال بعزف موسيقي حزين على آلة الشوفار اليهودية القديمة.

احتفالات أخرى في برلين

وفي برلين أحيى البرلمان الألماني "بوندستاغ" اليوم احتفالاً بهذه المناسبة لتخليد ذكرى ضحايا المحرقة النازية. بدأ الحفل الساعة العاشرة صباحاً، وألقى فولفغانغ تيزر رئيس البرلمان كلمة عبر فيها عن عدم مقدرته على استيعاب حجم البشاعة التي صاحبت الحكم النازي، قائلاً: "مدى بشاعة آوشفيتس لا يدركها سوى ضحاياها"، كما أبدى اندهاشه لوقوف المواطنين الألمان آنذاك مكتوفي الأيدي. وانتهز تيزره هذه المناسبة للدعوة إلى الوقوف صفاً واحداً في وجه مخاطر النازية الجديدة وقطع دابرها. يذكر أن تأثير الأحزاب اليمينية المتطرفة ازداد على الساحة السياسية الألمانية مؤخراً بعد نجاحهم في الوصول إلى بعض البرلمانات المحلية.

من بين فقرات احتفال البرلمان الألماني كانت كلمة المؤرخ اليهودي أرنو لوستيجر البالغ من العمر 80 عاماً، ولقد ولد المؤرخ في مدينة بيندزين شرقي بولندا، وشهد دخول الجيش النازي إلى المدينة ومسارعة سكان المدينة اليهود في الهرب خوفاً من المذابح التي سمعوا عنها، لكن لوستيجر فضل الانضمام للمقاومة حتى وقع في الأسر. وفي فترة الأسر انتقل المؤرخ من معسكر إبادة إلى آخر، حتى كتبت له النجاة أخيراً عندما نجح في الهروب أثناء إحدى مسيرات الموت الطويلة التي كان يجبر المسجونون على مشيها دون الإلتفات إلى من يتساقط منهم صريعاً. وينتمي لوستيجر إلى عائلة اكتوت بنار المحرقة وكتبت لهم النجاة فأصبحوا شهوداً عليها، ففي الاحتفال الرسمي المقام في كراكاو قرأ ابن عم لوستيجر الكاردينال جان ماري لوستيجر كلمة بابا الفاتيكان، وهو أيضاً قضى طفولته في معسكرات النازية.

وركز لوستيجر في كلمته على المقاومة التي أبداها اليهود في معسكرات الإبادة، كما أشاد بذكرى كثير من الألمان غير المعروفين الذين أنقذوا اليهود وخبأوهم في بيوتهم، منوهاً بأنه هناك على الأقل 3000 منقذ مسجل في مركز ابحاث العداء للسامية. ونوه إلى حادثة تمكن النساء المسيحيات من إنقاذ رجالهن اليهود عبر احتجاجات عام 1943 في شارع روزين في برلين.

وقد صاحب الحفل أداء موسيقي لـ فولف بيرمان، حيث قام بـتأدية بعض أغاني للشاعر اليهودي يتساك كاتزينيلسون الذي راح ضحية معسكرات الإبادة النازية.