أحداث غرداية- صراع مذهبي أم بداية ربيع جزائري؟
٩ سبتمبر ٢٠١٤زارت DW عربية منطقة غرداية في أوج أزمتها وفي ظل فشل الدولة في جمع الشمل بها، ومحاولة إقناع سكانها بأنه لا فرق بين إباضي ومالكي، فهم جزائريو الجنسية ودينهم واحد سواء أكانوا عربا أو أمازيغ. إلا أن ذلك لم يحل المشكلة التي أساسها مذهبي، وأعرب الأعيان الكبار الذين التقيناهم من كلا المذهبين، استغرابهم لما آلت إليه غرداية بسبب الصراع بين طائفتين تعايشتا لقرون في سلام وأمان.
وقفنا على حجم الخسائر التي تعيشها مدينة غرداية الواقعة 680 كلم جنوب الجزائر العاصمة وهي بوابة الصحراء، واقتربنا من المواطنين لمعرفة الحقيقية الكامنة وراء الاقتتال في المنطقة التي طالما كانت مثالا للتعايش في الجزائر. التقينا أحد المواطنين من دون أن نسأل عن عرقه أو مذهبه، وحاولنا معرفة سبب المعارك التي تنشب ليلا بين الطرفيين ولم تتمكن قوات الأمن من إيقافها، وقال لنا طاهر وهو من أبناء المنطقة (41 عاما) "الحكاية وما فيها هو أن سبب الفتنة التي نعيشها منذ أكثر من ثلاثة أشهر وسئمنا عدم توقفها، وطالما تعايشنا أباضيين ومالكين دون مشاكل، هي أن الأباضيين معرفون أنهم متشددون جدا خاصة فيما يتعلق بنسائهم. وفي أحد المحلات دارت مناوشات بين مالكي وأباضي، وشتم المالكي زوجة الاباضي، فانطلقت على إثرها معارك بين الطرفين انتهت بحرق المحلات، و تبعتها عمليات قتل. وبعدها انطلقت الصراعات الطائفية التي كما ترون لا تزال متواصلة إلى يومنا ولا نعرف اتجاه الوضع إلى أين".
"لفتنة تظهر من جديد في غرداية"
وفي الوقت الذي يرى فيه محمد أسباب الخلاف في تبادل الشتائم بين الطرفيين، يرى كريم، أن الخلاف أبعد من ذلك "يجب ألا تنظروا إلى الأمور بشكل سطحي، فنحن نتعايش من أجداد الأجداد، كما أن المنطقة قسمناها إلى منطقة بني ميزاب ومنطقة العرب إلا أن الخلاف سببه أبعد من ذلك. هناك أطراف لا تريد تقسيم المنطقة فقط، وإنما الجزائر بدئا من بوابة الصحراء غرداية. ونحن مقتنعون بذلك، إلا أن البعض من المتعصبيين لا يفهمون وهو ما يزرع الرعب فينا.... ننام كل ليلة وخوف من الحرب بيننا تزورنا في أحلامنا"
التجول في غرداية يتطلب الحذر ليس في المناطق التي نقصدها فقط وإنما حتى في حديثنا مع الناس، خوفا من أن نحتسب على طرف من طرفيي النزاع. إلا انه رغم الصراع الطائفي بين الطرفيين، هناك من المواطنين الذين يبحثون عن السلم في غرداية، حيث أعرب لنا أباضيو القرارة ومالكيو غرداية المدينة عن رغبتهم في الرجوع للسلم والتعايش مع بعضهم البعض والابتعاد عن النزعة المذهبية.
"لعن الله الفتان ومن أعاد فتنة غرداية للظهور من جديد" هذه كلمات الشيخ محمد، أحد أعيان غرداية، التقيناه خلال اجتماع صلح بين طرفي النزاع حيث قال في تصريح خص به DW عربية " الفتنة كانت موجودة، لكن سيطرنا عليها على مدى سنوات من خلال تقسيم المدينة إلى ضفتين إحداهما للمالكية والأخرى للأباضية. حتى المساجد والمحلات مقسمة بين الطرفيين" وأضاف "هناك من أيقظ الفتنة، والسبب الذي قامت من أجله غير منطقي، وما يحدث اليوم تقف وراءه أياد خفية. وانأ بصفتي كبير المنطقة اتهم أطرافا تحاول خلق ربيع عربي في الجزائر من غرداية لأغراض يجهلها الجميع". ويتابع بأن أحداث الشغب الأخيرة تهدف إلى زعزعة استقرار المنطقة بعد فترة قصيرة من عودة الأمن والطمأنينة لسكان المنطقة.
ويشاطر الشيخ محمد رأيه، محمد بابا علي، نائب بالمجلس الشعبي الجزائري وأحد سكان المنطقة، بأن الأمر في غرداية أصبح لا يطاق وأنه من غير المعقول عدم توقف الصراع الدائر منذ نحو أربعة أشهر رغم تدخل الأعيان والأمن وحتى الوزير الأول عبد المالك سلال الذي قصد المنطقة ثلاث مرات، لكن دون جدوى.
للخبراء تفسير مختلف
زرنا العديد من المدن في غرداية والأماكن التي شهدت مناوشات، حيث وجدنا أكثر من 20 محلا قد أحرق، ومقابر دنست، ومقتل 24 مواطن خلال المعارك وتحول مناطق في الليل إلى ساحة صراع بين عصابتين من الملثمين. وأكد ذلك مرافقنا خالد، بقوله "في الليلة الأولى تهجم الاباضيون على العرب المالكيين وفي الليلة الثانية تهجم المالكيون لرد الاعتبار وسقط أول قتيل وهكذا" وخلال طريقنا اكتشفنا أنه حتى المقابر لم تسلم من النزاع، مثلما حصل في مقبرة الشيخ عمر السعيد التي تم تدنيسها وإخراج الجماجم والعظام منها بعض القبور.
خرجت الأوضاع في غرداية عن السيطرة، إلا أن أهل المنطقة من جانب آخر يرون أن أسباب ما يجري في غرداية هو بمثابة انتفاضة ضد الأوضاع التي يعيشونها، وهو الأمر الذي كشف لنا عنه خالد الذي يرى أن "أن حرب الطائفية ماهي إلا سبب سطحي للصراع والسبب الحقيقي هو الحالة المزرية والتهميش الذي عيشه سكان المنطقة منذ سنوات".
لكن الدكتور أحمد عظيمي، الخبير في الشؤون الأ/نية، ربط الوضع في غرداية بالأوضاع التي يعيشها الساحل، حيث قال في حواره مع DW عربية أن "ما يحدث في مدينة غرداية هو شيء طبيعي، وكان منتظرا بعد الأحداث التي عاشتها دولة ليبيا" موضحا أن المهربين الذين تم تضييق الخناق عليهم في الحدود الجنوبية فعادوا الى داخل المدن ومنها غرداية "فأشعلوا فيها الفتن والمعارك لتركيز السلطات والأمن الاهتمام على المنطقة ويسهل عليهم المرور عبر الحدود".
ومع الخلاف الذي تعيشه مدينة غرداية، ينتظر أن يتوجه الوزير الأول عبد الملك سلال، إلى مدينة غرداية للإعلان عن مبادرة لحل الأزمة، لم يكشف عن تفاصيلها "لدواع أمنية".