DW تتحقق: أين وصلت وعود ألمانيا للموظفين المحليين الأفغان؟
١٥ أغسطس ٢٠٢٢قبل عام بالضبط، وتحديدا يوم 15 أغسطس/ آب 2021، دخل مقاتلو حركة طالبان الأفغانية العاصمة كابول واستولوا على القصر الرئاسي بعد انسحاب القوات الدولية من أفغانستان.
ولدى انسحاب تلك القوات، بعد حوالي عقدين من الزمان تكبدت فيهما خسائر كبيرة، وعدت ألمانيا الموظفين المحليين الذي عملوا في خدمة جهات ومنظمات ألمانية طوال تلك السنوات بالمساعدة على الخروج من أفغانستان والقبول في ألمانيا.
بعد عام من سقوط كابول بيد طالبان تسلط DW المجهر على تلك الوعود وما الذي تحقق منها.
كم عدد الأشخاص الذين وعدت ألمانيا بقبولهم؟
الادعاء: "بالنسبة لنا، فإن موضوع الموظفين المحليين يقف في مركز (الاهتمام) حاليا، وعددهم ليس 300 وإنما ربما يكون أكثر من 10000 إلى 40.000"، هذا ما قالته المستشارة السابقة أنغيلا ميركل في مؤتمر صحفي مع المستشار النمساوي آنذاك سيباستيان كورتس نهاية أغسطس/ آب 2021.
DW تتحقق: ادعاء صحيح
في تصريحها قالت المستشارة السابقة هذه الجملة بعد وقت قصير من انسحاب القوات المسلحة الدولية من أفغانستان، في وقت كانت فيه الكثير من الأشياء لا تزال غير واضحة وسادت الفوضى في مطار كابول. وهذا ينطبق أيضا على عدد الموظفين المحليين. فوفقًا لمقدمي طلبات لإجراء استطلاع رأي مصغر هذا العام، لم تكن هنالك في البداية أرقام موثوقة متوفرة.
لاحقًا، كانت هناك دائمًا أرقام مختلفة. في البداية، حصل حوالي 25000 أفغاني وأفغانية على تصريح بالقبول في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، وهم عبارة عن موظفين محليين وأشخاص معرضين للخطر وأفراد أسرهم. هنا أشارت الحكومة الاتحادية إلى أرقام غير مكتملة. ووفقًا لتحقيق في وقت سابق من هذا العام، كان هناك ما مجموعه حوالي 28053 شخصًا لديهم تصريح قبول في ديسمبر/ كانون الأول. وبحلول منتصف ديسمبر/ كانون الأول 2021، وصل منهم إلى ألمانيا حوالي 8000 شخص. في ذلك الوقت، كان لا يزال هناك حوالي 20 ألف شخص في أفغانستان، يستحقون الحصول على قبول في ألمانيا. لكن بعد أيام قليلة، تحدثت وزيرة الخارجية الاتحادية الجديدة آنذاك، أنالينا بيربوك، عن "أكثر من 15000 شخص" حصلوا على وعد مؤكد باستقبالهم وما زالوا في أفغانستان.
"تظهر الأرقام المتغيرة باستمرار أنه في صيف عام 2021 لم يكن معروفًا عدد الموظفين المحليين السابقين، التابعين لمنظمات حكومية ألمانية، الذين كانوا لا يزال موجودين في أفغانستان ولا عدد من يحق قبولهم منهم وفقًا لمعايير إجراءات الموظفين المحليين للحكومة الاتحادية"، حسبما رد ألكسندر فروليش، من شبكة رعاية المتعاونين المحليين الأفغان، على سؤال من DW.
في أبريل/ نيسان من العام الحالي، أعلنت الحكومة الاتحادية أنها قد جلبت بالفعل حوالي 19000 من حوالي 30000 أفغانيا، كان من بينهم من عملوا كموظفين محليين لصالح ألمانيا (بتاريخ: 28 أبريل/ نيسان 2022). وتتوقع وزارة الخارجية جلب 10 آلاف شخص آخرين إلى ألمانيا.
وإضافة إلى ذلك، وافقت ألمانيا على استقدام حوالي 2600 أفغاني يحتاجون بشكل خاص إلى الحماية. إنهم مدرجون في ما يسمى بقائمة حقوق الإنسان لأنهم مثلا قاموا بحملات من أجل الديمقراطية والمساواة بين الرجال والنساء. وتمكن نصفهم فقط من مغادرة البلاد حتى الآن.
وفي أحدث تصريح لوزيرة الداخلية نانسي فيزر لصحيفة "بيلد آم زونتاج" في مقابلة نشرت اليوم الأحد(14 أغسطس آب 2022) قدرت فيزر العدد الإجمالي للموظفين الأفغان وأفراد أسرهم، الذي دخلوا ألمانيا بـ15 ألفا و759 شخصا.
وطبقا لأرقام الأسبوع الماضي، أكدت ألمانيا السماح بدخول إجمالي 23 ألفا و614 موظفا محليا وأفراد أسرهم، منذ انسحاب قوات حلف شمال الأطلسي(ناتو) الصيف الماضي.
من هم الأفغان، الذين أكدت لهم الحكومة الاتحادية الألمانية دعمها؟
الادعاء: "سيستمر عملنا حتى يصبح كل من نتحمل مسؤوليته في أفغانستان آمنًا". هذا ما قاله وزير الخارجية السابق هيكو ماس. أما خليفته أنالينا بيربوك فقد عززت الوعد بعد توليها المنصب حين قالت: "لم يتم نسيانهم. ونحن نعمل بقوة للحفاظ على سلامة الجميع".
DW تتحقق: كلام مضلل
الصحيح هو أن الحكومة الاتحادية تواصل العمل على ترحيل الأشخاص المعرضين للخطر من أفغانستان. وأفادت شبكة الرعاية الأفغانية للموظفين المحليين ردا على استفسار "في الواقع، تم إجلاء آلاف الموظفين المحليين السابقين وأفراد عائلاتهم الأصلية إلى ألمانيا في الأشهر الأخيرة". ومع ذلك، لا يزال حوالي 10000 شخص ينتظرون مغادرة البلاد، على الرغم من الوعد. وتقول منظمة حقوق الإنسان "برو أزول" (Pro Asyl) إنها تلقت العديد من الرسائل من موظفين محليين سابقين يطلبون المساعدة.
دويتشه فيله تحدثت أيضًا إلى موظف محلي سابق، اسمه موجود لدى هيئة التحرير بـDW، لكن لن يتم ذكره لدواعي أمنية. إنه رب أسرة وعمل من عام 2014 حتى وصول طالبان إلى السلطة في مشروع تديره الوكالة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ). وفي وقت مبكر من أغسطس/ آب 2021، حصل على التزام له ولزوجته وأطفالهما الأربعة بالسفر إلى ألمانيا (الرسالة متاحة أيضًا لدى هيئة التحرير).
واليوم لا يزال الرجل في أفغانستان مع أسرته ويخشى أن تنتقم منه طالبان. وقال لـ DW: "لا نعرف إلى متى سنبقى على قيد الحياة ونحتاج إلى الدعم". ووفقًا لتصريحاته الخاصة، لم يتلق أي رد على رسائله إلى "GIZ". ولأسباب تتعلق بحماية البيانات، لم ترغب GIZ في التعليق على حالات محددة.
ونظرًا لأن العديد من الأشخاص ما زالوا يكابدون في أفغانستان، رفع ماتياس لينيرت، وهو محام متخصص في سياسة الهجرة، دعوى قضائية ضد الحكومة الاتحادية في بداية العام. موكلوه في القضية كانوا يعملون أيضًا في مشاريع تابعة للوكالة الألمانية للتعاون الدولي وقد رفضت الوزارات الألمانية (المعنية) سفرهم إلى ألمانيا. والسبب هو أنهم لم يكونوا يعملون كموظفين ولكن فقط كعاملين متعاونين عبر عقود خدمات. وبحسب المحامي فإن هذا التمييز مضلل. وقال لينيرت في مقابلة مع DW: "هذا غدر لأنه يستبعد الأشخاص الذين، من الواضح للخارج، أنهم عملوا في مشروع تديره قوى أجنبية".
المشكلة هنا هي: من يعتبر قانونيا موظفا محليا؟ الموظفون المحليون هم الأشخاص الذين عملوا في الوزارات الألمانية أو المنظمات الألمانية. وبشكل عام، وعدت الحكومة الاتحادية الموظفين المحليين السابقين وأفراد أسرهم بالقبول. لكن هناك استثناءات: "في الغالبية العظمى من الحالات، باستثناء حالات فردية، توجد فيها مخاطر شديدة واضحة، تفترض الحكومة الاتحادية أنهم ليسوا موظفين محليين، وذلك على الرغم من أنهم معرضون للخطر بسبب عملهم لدى السلطات الألمانية"، كما يقول لينيرت.
ولا يمكن مساواتهم بالموظفين المحليين إلا في حالات استثنائية وفقط إذا استطاع الأشخاص تبرير سبب تعرضهم للخطر. في تحليل أجري في عام 2022، خلص المعهد الألماني لحقوق الإنسان إلى أن ألمانيا "لم تقم إلا بإجلاء عدد قليل من الأفغان المعرضين للخطر بشكل خاص ونقلهم إلى بر الأمان".
فهل تم إنقاذ الموظفين المحليين في عملية متسارعة وغير بيروقراطية؟
الادعاء: "إننا سنعمل على تحسين قبول الموظفين المحليين وخاصة الأفغان المعرضين للخطر ونسرّع لهم عملية الحصول على التأشيرة إذا تم قبولهم وتوضيح هويتهم. نحن نعمل من أجل أن تكون الإجراءات آمنة وغير بيروقراطية وسنسرع لم شمل الأسرة من أفغانستان"، هذا ما تعد به نانسي فيزر، وزيرة الداخلية الألمانية.
DW تتحقق: كلام مضلل
تزعم الحكومة الألمانية أن الإجراءات تم تبسيطها وتسريعها. فلا تطلب السلطات على سبيل المثال شهادات اللغة. ويقول توماس روتيغ، المؤسس المشارك لشبكة محللي أفغانستان في مقابلة مع DW: "هناك مجددا جهود سياسية تبذل بشكل أكبر، لكن الأمر استغرق وقتًا طويلاً جدًا ولا يزال بطيئًا للغاية". وفي التقرير نصف السنوي عن "خطة العمل لأفغانستان" خلصت وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك إلى نتيجة واقعية بشأن هذه الوعود. فمن أجل تقديم طلب لم شمل الأسرة مثلا لا يزال يتعين على المتضررين الانتظار مدة تزيد عن عام.
وينتقد لينيرت قائلاً: " لقد كان الأمر حتى الآن نقيض السرعة و'غير البيروقراطية'. لم يكن الناس في كثير من الأحيان يعرفون حتى من يتوجهون إليه، ولم يتم الرد على الكثير من رسائل البريد الإلكتروني". كما أن هناك سؤالا آخر وهو: كيف يمكنهم إثبات وجود خطر؟ وبحسب لينيرت، يجب أن يكون هناك مكتب مركزي وعدد كاف من الموظفين. وينتقد روتيغ أيضًا الإجراء باعتباره بيروقراطيًا للغاية ويقول: "غالبًا ما يتعين إجراء فحوصات أمنية غير مجدية، على الأقل بالنسبة للموظفين المحليين، لأنه بالتأكيد يفترض أنهم خضعوا لفحوص (أمنية) مسبقًا".
عدم وجود جوازات سفر يعتبر واحدة من أكبر المشاكل التي تجعل من الصعب حاليًا على العديد من الموظفين المحليين السابقين مغادرة البلاد. وهذه الجوازات تطلبها طالبان حتى يتمكن الشخص من مغادرة البلاد. كما تطلب الدول المجاورة لأفغانستان تأشيرات وجوازات سفر عند الدخول. ومع ذلك، فإن مغادرة البلاد صعبة بشكل خاص على النساء، لأنهن لا يحتجن فقط إلى جواز سفر، ولكن لا يحق لهن السفر إلا مع أحد أفراد الأسرة من الذكور في ظل قيود السفر الجديدة التي فرضتها طالبان. وعلق روتيغ في حديثه لـ DW: "هذه عقبات بيروقراطية ليست بسبب الجانب الألماني".
من هم أفراد الأسرة المسموح لهم بالسفر إلى ألمانيا؟
الادعاء: "لا جدال في أن الموظفين المحليين وأفراد عائلاتهم يجب أن يأتوا إلى ألمانيا وأن هناك أيضًا مسؤولية أخلاقية عن ذلك"، حسبما وعد وزير الداخلية الاتحادي السابق هورست زيهوفر. كما وعدت وزيرة الخارجية الحالية أنالينا بيربوك بأن تتعامل بشكل أكثر انفتاحًا مع تعريف الأسر الأولية أو الأسرة النواة.
DW تتحقق: كلام مضلل
الصحيح هو أن الحكومة الاتحادية قد نقلت بالفعل أفراد أسر الموظفين المحليين السابقين بالطائرات وتواصل العمل على هذا الأمر. ويعتمد تعريف الأسرة النواة أو الأسرة الأولية على إجراءات الموظفين المحليين، والتي تم إطلاقها في عام 2013. حيث يشير المصطلح إلى الزوج أو الزوجة والأطفال القصر البيولوجيين.
لكن هذا التعريف إشكالي أيضًا، فمن ناحية، "يتم تعريف الأسرة (...) هنا من خلال المفاهيم الأوروبية وهو أمر مختلف عن التعريف الأفغاني للأسرة"، حسبما يقول عالم السياسة مَتين براقي، الذي لديه شخصيا أسرة عالقة في أفغانستان. ووفقا لكلام فروليش فإن البنية القانونية للأسرة النواة أمر هزلي وغير واقعي بسبب ممارسة طالبان لمبدأ "مسؤولية العشيرة" (يعني أن العائلة أو العشيرة تشترك في المسؤولية عن جريمة أو فعل ارتكب من قبل أحد أفرادها). وتوصلت وزارة الخارجية الألمانية نفسها إلى نتيجة مماثلة، تقول إن مصطلح "الأسرة النواة" لا يزال بحاجة إلى ملائمة مع واقع الحياة في أفغانستان.
ومن ناحية أخرى، هناك شرط المشقة. ففي ظل ظروف خاصة، يمكن السماح لأفراد الأسرة الآخرين أيضًا بدخول البلاد (دخول ألمانيا).
الخلاصة: أوفت الحكومة الألمانية بوعود كثيرة تجاه الموظفين الأفغان المحليين السابقين. ولكن غالبًا ما تقف العقبات البيروقراطية في الطريق، ولا يزال هناك حوالي 10000 شخص يحق لهم القبول، عالقين في أفغانستان.
سيليا تومز/ أحمد حكيمي/ ص.ش