عام 2017.. عام التوتر بين ألمانيا وتركيا
٢٤ ديسمبر ٢٠١٧هبطت العلاقات الألمانية التركية إلى أدنى مستوى في تاريخها في عام 2017. فعدم الثقة المتبادل والصراعات التي نشأت بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا في العام السابق، مهدت الأرض بقوة لنشوب أزمات جديدة.
في شباط / فبراير الماضي، أٌلقي القبض على الصحفي الألماني التركي دينيز يوجيل في تركيا. ووصف الرئيس رجب طيب أردوغان علناً مراسل "فيلت" بالـ"إرهابي" و الـ"جاسوس". وبعد عشرة أشهر من السجن، لم تقدم ضده حتى الآن مذكرة اتهام. ونددت برلين باعتقال يوجيل ووصفت الاعتقال بأنه "احتجاز رهينة سياسي".
وجاءت الأزمة التالية قُبيل الاستفتاء الدستوري التركي في منتصف نيسان / أبريل، بعد حظر البلديات الألمانية لظهور سياسيين أتراك في الحملات الانتخابية التركية. وتوقعت استطلاعات الرأي سباقاً متقاربا جدا في ذلك الاستفتاء. وقد حارب أردوغان وحزبه من أجل أي صوت يُمَكنه من إدراج النظام الرئاسي.
التصعيد أَمَّن الأصوات لأردوغان
وبدا على أردوغان الغضب بسبب كونه، هو ومسؤوليه الحكوميين، غير مرغوب فيهم في ألمانيا وكذلك في هولندا، التي كانت أيضا في قلب حملة انتخابية. وتسبب تشبيهه لتصرفات ألمانيا بالحقبة النازية وسياساته التصعيدية في إشعال الغضب في الخارج وحصوله على أصوات إضافية في الداخل.
وتمكن أردوغان من الفوز في الاستفتاء بفارق ضئيل. وصوت غالبية المواطنين من أصل تركي، الذين يعيشون في ألمانيا لصالح أردوغان أيضا. واعتبر الحزب اليميني الشعبوي، حزب البديل من أجل ألمانيا، ذلك فرصة في بداية الحملة الانتخابية لدعوة من صوتوا بنعم للعودة إلى تركيا. واكتشف أيضا سياسيون ألمان آخرون موضوع تركيا لخدمة مصالحهم السياسية الداخلية. وبالتالي كان السؤال عما إذا كان ينبغي إلغاء مفاوضات الاتحاد الأوروبي مع تركيا، واحداً من الموضوعات الرئيسية للحملة الانتخابية الألمانية.
وبحسب خبراء، فإن الانتخابات في كلا البلدين لعبت دوراً رئيسياً في التصعيد. "لسوء الحظ، فإن العام الانتخابي 2017 لم يحمل الخير لكلا الطرفين"، كما قال الخبير السياسي مصطفى نائل ألكان من جامعة غازي في أنقرة. وأضاف نائل ألكان أن "الجانبين حاولا تسجيل نقاط في السياسة الداخلية خلال فترة الانتخابات ونجحا في ذلك أيضاً".
الانتقادات تتخطى الهدف؟
حتى بعد الاستفتاء التركي لم يظهر أي انفراج للتوتر في الأفق: إذ أدى الصراع على منع نواب ألمان من حق زيارة قاعدة إنجرليك الجوية التركية، لتفقد الجنود الألمان هناك، إلى نقل القوات الألمانية إلى الأردن. وقد قدم ضباط مطلوبون من تركيا ولهم صلة بمحاولة الانقلاب في تركيا طلبات لجوء في ألمانيا. وفى تموز/ يوليو، حضر أردوغان قمة مجموعة العشرين في هامبورغ. ولم تسمح الحكومة الاتحادية له بإلقاء كلمة أمام مواطنيه هناك. وفي بداية تموز/ يوليو، أُلقي القبض على الناشط الألماني الحقوقي بيتر شتويتنر مع نشطاء آخرين في اسطنبول.
إشارة تحذير من برلين
قرب نهاية تموز/ يوليو، أعلن وزير الخارجية الألماني زيغمار غابرييل عن "توجه جديد " في سياسة ألمانيا تجاه تركيا. ومن آليات ذلك التوجه الجديد، تشديد مستوى التحذيرات من السفر إلى تركيا بالنسبة للرعايا الألمان، وإعادة النظر في الضمانات المالية، التي تقدمها ألمانيا لتركيا وكذلك المساعدات التي تسبق دخول الاتحاد الأوروبي.
وبحسب الخبير السياسي التركي ألكان، فإن إعلان غابرييل كان أشبه بإشارة تحذير أكثر من كونها عقوبات جدية مقصودة. وقال ألكان إن ألمانيا وتركيا شريكتين مهمتين جداً وهما بحاجة إلى بعضهما البعض. وأضاف أن تراجع العلاقات الاقتصادية سيضر كلا الجانبين.
كريستيان براكل من مؤسسة هاينريش بول لا يرى تغييراً كبيراً في توجه السياسة الألمانية، وقال إن "الرغبة في توجه أكثر صرامة تم أحباطها، حينما تأثرت مصالح الشركات الألمانية". وتابع براكل: "إن كثيرا من الأشياء مثل خفض مساعدات دخول الاتحاد الأوروبي، هي مبالغ قليلة إلى حد ما". أما الشيء الوحيد الذي تتدخل فيه ألمانيا حقاً، وربما يكون مؤلما لتركيا، فهو توقف بنك الاستثمار الأوروبي عن إقراض تركيا دون تحفظ، حسب ما قال براكل.
مهمة الوساطة السرية لشرودر
بعد الانتخابات البرلمانية الألمانية في نهاية أيلول / سبتمبر، ظهرت تقارير إعلامية، جاء فيها أن المستشار السابق غيرهارد شرودر قد اجتمع في مهمة سرية مع أردوغان في تركيا، مدفوعا من وزير الخارجية غابرييل وبموافقة من المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل. وأكد غابرييل ذلك وشكر شرودر على الوساطة.
ورغم أن أنقرة نفت أن الحديث خلال الوساطة كان عن الإفراج عن الناشط الحقوقي المحتجز في تركيا شتويتنر، تم الإفراج عنه في تشرين الأول/ أكتوبر وسُمِح له بالعودة إلى ألمانيا. ويشيد الخبيرالسياسي مصطفى نائل ألكان بدور المستشار السابق شرودر وقال: "شرودر شخص يثق فيه السياسيون الأتراك والألمان"، وتابع: "كان الطرفان يريدان تخفيف حدة التوتر، وإلا لكانا بمقدورهما أيضاً رفض محاولة الوساطة".
كانت هناك خطوات أخرى نحو تخفيف حدة التوتر، بداية تشرين الثاني / نوفمبر، حيث التقى وزير الخارجية زيغمار غابرييل مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو في أنطاليا في اجتماع غير رسمي. وانتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، صور الوزيرين وهما يرتديان ملابس غير رسمية.
في نهاية تشرين الثاني / نوفمبر، أجرى الرئيس فرانك-فالتر شتاينماير والمستشارة أنغيلا ميركل اتصالات هاتفية قصيرة مع الرئيس أردوغان وقدما نصائح بـ"تحسين العلاقات"، بين ألمانيا وتركيا.
وفي بداية كانون الأول/ ديسمبر، تم تخفيف الحبس الانفرادي لدينيز يوجيل. وبعد أسبوعين، تم الإفراج عن المترجمة الألمانية ميسال تولو، التي كانت قد سُجنت لأكثر من سبعة أشهر.
تجاوز الأزمة؟
في الواقع يمكن ملاحظة "تقارب هادئ" بين برلين وأنقرة، كما يقول كريستيان براكل. ولكن هذا لا يعني أن الأزمة قد انتهت. طالما يستمر الوضع السياسي المحلي في تركيا في التدهور وتنخفض المعايير الديمقراطية، فإن الموضوع لا يزال قائما في ألمانيا، يقول براكل.
الخبير السياسي ألكان يتوقع أن يكون عام 2018 أكثر هدوءً. لكنه لا يستبعد حدوث أزمات جديدة، حيث أنه لم يتم لحد الآن العثور على حلول للأزمات القديمة. في نظر ألكان يمكن أن يتحول عام الانتخابات 2019 إلى برميل بارود؛ لأنه لن يشهد فقط انتخابات عديدة في ألمانيا وأوروبا وإنما سيشهد أيضاً الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا. وينصح الخبير السياسي الطرفين بضرورة اتخاذ اجراءات لبناء الثقة. ويقول إن السياسيين ليس هم فقط المطالبون ببناء الثقة، وإنما أيضا وسائل الإعلام والمجتمع المدني.
بيكلان كولاكيزأوغلو/ إ. م