في لحظاته الجيدة يتحول دونالد ترامب إلى معلم أكبر في اللحظة. فعندما دعا خلال الحملة الانتخابية إلى "جعل أمريكا عظمى مرة أخرى" وبعدها ببضعة أسابيع خلال حفل تنصيبه ألقى كلمة تتضمن فقرات تصالحية على الأقل، استخدم فيها لهجة عاطفية، لكنها كانت أيضاً لهجة كريمة، تؤثر في مستمعيه، على الأقل خلال مدة الخطاب نفسه، خلال تلك الدقائق، التي أظهر فيها الرئيس جانبه التصالحي. لكن على المدى الطويل كان تأثيرها عارضاً في الواقع. لأننا ومن خلال خطابات سابقة تعرفنا على ترامب آخر، يلفت الانتباه من خلال آراء أقل سخاء، تتحول لاحقاً إلى غضب كبير مشحون في ظل توتر معين.
وبطريقة مشابهة جاءت الآن كلمته عن الإسلام التي جرى انتظارها بترقب. الإعداد كان مثيراً للإعجاب، والمجتمعون كانوا سادة السياسية في العالم العربي، أولئك الذين يقولون لشعوبهم، إلى أين يسير الشرق الأوسط. أما الشعب نفسه فلم يكن ممثلاً، خلافاً لما كان عليه الحال في خطاب أوباما أمام طلاب في جامعة القاهرة في عام 2009.
فن المداراة
وأمام المجتمعين في الرياض قال ترامب الكثير من الحقيقة، على الرغم من أن اللهجة التصالحية هذه المرة أيضاً، جاءت في تناقض شخصي غريب مع تدخلاته السابقة - مثل محاولته حظر مواطني ست دول إسلامية من دخول الولايات المتحدة بشكل عام. ففي النقاش بشأن دخول الولايات المتحدة استخدم ترامب أسلوباً مختلفاً تماماً عن ذلك الذي استخدمه في الرياض.
هناك في الرياض أظهر ترامب نفسه بمظهر الشخص السمح وقال إن العنف الحالي في الشرق الأوسط "ليس معركة بين الأديان المختلفة". وإنما يتعلق الأمر بمعركة بين "المجرمين البربريين" و"الشرفاء من جميع الأديان".
من الإيجابيات كان أيضاً تأكيد ترامب على أن الولايات المتحدة لا تريد أن تملي على الناس كيفية العيش وماذا ينبغي عليهم اعتقاده. كما أن دعوته القادة في العالم العربي لاتخاذ إجراءات بأنفسهم ضد المتطرفين الإسلاميين، جاءت أيضاً في لهجة مهذبة ومعقولة.
آذان الآخرين
ورغم كل ذلك بقى هناك انزعاج بعد الخطاب، لأنه لم يكن يتناسب قليلاً مع تصريحات أخرى أطلقها ترامب قبيل فترة وجيزة خلال نفس الرحلة. فمثلاً تحدث الرئيس الأمريكي بمناسبة صفقة الأسلحة مع السعودية بحجم 110 مليارات دولار أمريكي عن "تسليح عسكري رائع" و"الأمن العظيم"، الذي تضمنه الأسلحة.
فهذه العبارات سيعتبرها اليمنيون سخرية تامة، فبلدهم واقعة تحت حرب وحشية وجبانة تشنها من الجو المملكة العربية السعودية. وما عسى أن يفكر فيه المصريون، الذين يواجهون دولة، يتواصل فيها باطراد الضرب بمعايير حقوق الإنسان عرض الحائط، كما أن ترامب أشاد بها خلال الزيارة بأنها "قوية جداً"؟ تماماً وكأنه لا وجود للمظالم السياسية والاقتصادية والدستورية، التي تتمدد الجهادية بسبها في مصر.
انزعاج من شيء لم يقل
وهكذا، يكشف الخطاب الجانب المظلم من الاستسلام العاطفي من جانب ترامب للحظة: فالرئيس يركز بشدة على ما هو موجود الآن هنا، لدرجة أنه من النادر جداً أن ترد على خاطرة جوانب أخرى. فالوضع الصعب لحقوق الإنسان في السعودية، وهلع المملكة، المبالغ فيه جزئياً، من إيران هي كلها جوانب لا تساهم كثيراً في "الأمن العظيم"، لكي أكون متحفظاً في الكلام. كما أشار ترامب على الأقل إلى انتقادات للدعاية الحماسية إلى الوهابية، التي يتم إذكائها من قبل مؤسسات سعودية خاصة بمليارات الدولارات، من أموال البترول.
معظم ما قاله ترامب في خطابه عن الإسلام هو ملائم ومفهوم. وبارتياح قوبل استخدامه خلال حديثه مصطلح "التطرف الإسلاموي" وليس "التطرف الإسلامي"، فهناك من كان يعتقد أن ترامب لن يميز (في مصطلحاته). لكن الأقل قابلية للفهم هو أنه ببساطة تجاهل التطرق إلى جوانب حاسمة. خطاب ترامب كان رصيناً، لكن نفعه يبقى محدوداً.