هل يدفع السوريون ثمن تصرفات الغرب في ليبيا؟
٧ يونيو ٢٠١٢اتهم عضو البرلمان الأوروبي عن حزب الخضر، فيرنر شولز، الرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتين بالـ"الضلوع في جريمة قتل"، وذلك على خلفية مجزرة الحولة نهاية شهر أبريل/ نيسان الماضي، والتي راح ضحيتها عدد كبير من النساء والأطفال. وأضاف شولز أن "روسيا تبذل جهداً حثيثاً لدعم هذا النظام الدكتاتوري، بل إنها تبذل كل جهد لدعم الأنظمة الدكتاتورية حول العالم".
لكن كيل الاتهامات لروسيا وتوجيه المواعظ الأخلاقية لها ليست الطريقة المناسبة لدفعها إلى التعاون في إدارة الأزمة السورية، كما يرى فولكر بيرتس، مدير المعهد الألماني للدراسات الدولية والأمنية في برلين. ويوضح بيرتس أنه "ليس من المفيد سياسياً جعل دولة ما جزءاً من الحل ومن ثم التقليل منها أخلاقياً". وبينما ينبغي على الدول العظمى المعنية بإيجاد حل سياسي في سوريا التذكير بمسؤولية روسيا في هذا الشأن، إلا إنه من المهم أيضاً إقناع صانعي القرار في موسكو بأن فرصة استغلال نفوذهم لدى نظام الأسد الآن أكبر من ذي قبل.
غياب الثقة بالغرب
أحد أهم أسباب رفض روسيا إقرار أي خطوات حازمة ضد النظام السوري في مجلس الأمن الدولي هو كون سوريا آخر حلفاء روسيا القدماء في الشرق الأوسط، وشريكاً لها منذ عشرات السنين. لكن ما هو أشد وأعظم، كما ترى بينته شيلر، مديرة مكتب مؤسسة هاينريش بول الألمانية في بيروت، هو شعور الروس بأن الغرب احتال عليهم بعدما وافقوا على دعم قرار مجلس الأمن الخاص بليبيا، فبعد أن مهدت روسيا الطريق لفرض منطقة حظر طيران لحماية المدنيين الليبيين، قام حلف شمال الأطلسي وشركاؤه من الدول العربية بتخطي حدود القرار الأممي.
وتعتبر شيلر، الخبيرة في الشؤون السورية، أن من الصعب جداً استعادة ثقة موسكو بالغرب، إلا أنها تعتقد بأن الموقف روسيا الرافض لاتخاذ قرارات ضد سوريا في مجلس الأمن يمكن كسره عن طريق عرض صفقة تعويضية عليها من قبل الدول الغربية.
ويقتبس فولكر بيرتس من أحد أصدقائه الروس، للتدليل على ما يشعرون به، بالقول "السوريون يدفعون ثمن تصرفات الغرب في ليبيا"، ويشير إلى أن هناك تصورين لدى القيادة الروسية عند التعامل مع الملف السوري، أولهما ما يحدث حالياً في الشيشان، إذ يعتقد الروس أن الإسلاميين متواجدون أينما وُجدت مقاومة ضد أنظمة قمعية وعلمانية في المجتمعات الشرقية. ويقول بيرتس: "هذا سبب إضافي يفسر مواجهة روسيا الغرب بكل هذا الحزم فيما يتعلق بسوريا".
أما التصور الثاني فيتمثل في مصالح روسيا في المنطقة، إذ يعتقد مدير المعهد الألماني للدراسات الدولية والأمنية أن موسكو ستكون قادرة على التفاوض مع أي حكومة سورية مقبلة حول استخدام القاعدة البحرية في طرطوس، مضيفاً أن "المسألة هنا مرتبطة باليوم الذي ستنظر فيه الحكومة الروسية إلى الأسد كعائق لمصالحها بدلاً من مسهل لها".
الحل اليمني
ويرى فولكر بيرتس أنه ومن أجل الوصول إلى حل للصراع في سوريا تشترك فيه روسيا، يجب على القادة الغربيين أن يؤكدوا على أن دور موسكو لن يكون ثانوياً، بل قيادياً، إذ "يجب أن يعطيهم (القادة) إشارة مفادها أنهم يحترمون المصالح الروسية في سوريا، وأن من مصلحتهم تحقيق انتقال للسلطة يتم التفاوض عليه ودعمه". وهذا يعني أنه بدلاً من اتباع أسلوب شديد اللهجة مع روسيا للحصول على دعمها، يجب على الغرب أن يعرض دعمه على روسيا من أجل تحقيق انتقال سلمي للسلطة في سوريا.
وفي هذا السياق يبدو "الحل اليمني" هو الأفضل، والذي يعني ذهاب الأسد وأقرب معاونيه إلى المنفى ونقل السلطة بشكل مؤقت لنائبه، يتبعها حوار يجمع كافة القوى السياسية وتشرف عليه الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، بهدف إعادة ترتيب الأوضاع في البلاد. ورغم أن هذا الحل يعني إفلات الأسد من أي ملاحقة قانونية، إلا أنه كفيل بإنهاء الحرب الأهلية، وهو ما يعلق عليه مؤيدو الخيار اليمني آمالهم. ويقدر فولكر بيرتس أن أعداد مؤيدي هذا الخيار في ازدياد، في مقابل تراجع التأييد لخيار التدخل العسكري.
تبعية صينية وطهران متوترة
وحول الموقف الصيني مما يحدث في سوريا، يصف فولكر بيرتس – الذي عاد قبل عدة أيام من جولة مباحثات في بكين شملت وزارة الخارجية – التوجه الصيني في مجلس الأمن بأن "المسؤولين الصينيين يقولون أنه لا توجد لهم أي مصالح في سوريا، إلا أنهم يدعمون القيادة الروسية في هذا الأمر بناء على طلبها".
وتبقى إيران الأكثر ارتباطاً بالأسد، فهي استخدمت النظام السوري كوسيلة لفرض نفوذها السياسي في المنطقة، ولإرسال الدعم عبر القنوات السورية إلى حزب الله. كما أن نفوذها امتد إلى الأراضي الفلسطينية أيضاً، من خلال التأثير على القيادة السياسية لحركة حماس، التي كانت وحتى فترة قصيرة تقيم في دمشق. ويشدد فولكر بيرتس على أهمية سوريا بالنسبة لطهران، ذلك أن "القيادة الإيرانية تشعر بالتوتر من إمكانية فقدان الحليف الوحيد لها في العالم العربي، إذا ما أطيح بنظام الأسد. ولذلك فإن لديهم مصلحة كبيرة في عدم سقوط هذا النظام".
وفي غضون ذلك تستمر الجهود من أجل إيجاد حلول للصراع السوري، فيما تعتبر بينته شيلر أنه لا يوجد أي طرف مستعد للقيام بدور فاعل "طالما استمرت روسيا في إرسال إشارات مفادها أنها غير مستعدة للموافقة على أي قرار لمجلس الأمن، وهذا أمر مريح للآخرين، لأنهم ليسوا مستعدين للتعامل مع مسألة التدخل في سوريا بشكل واقعي".
توماس كولمان/ ياسر أبو معيلق
مراجعة:طارق أنكاي