هل نجحت الملاحقات ضد الإخوان في إضعاف الجماعة؟
٢٣ يونيو ٢٠١٥إثر الإجراءات الحكومية المتنامية في مواجهة الإخوان المسلمين تتنوع ردود الأفعال داخل الجماعة، ما بين دعوات إحياء تظاهرات حاشدة ومبادرات بديلة، وبيانات متضاربة في ظل انقسامات داخلية على القيادة.
كانت جماعة الإخوان المسلمين قد دعت لـ"هبّة شعبية" الجمعة الماضية، ضد أحكام الإعدام التي أصدرتها محكمة مصرية، الثلاثاء الماضي، بحق 100 من قيادات في الجماعة، على رأسهم محمد مرسي في القضية المعروفة إعلاميا بـ"اقتحام السجون"، إلا أن دعوة الجماعة للتظاهر لم تلق استجابة واسعة إلا في عدد قليل من الأحياء، مثل المطرية في القاهرة والرمل بالاسكندرية، فيما شهدت محافظة الشرقية مواجهات بين قوات الأمن وأنصار الإخوان، أدت إلى مقتل شخص واحد.
هل أتت الحملة الاعلامية ضد الجماعة أكلها؟
يعزو خبير الحركات الإسلامية الدكتور ناجح إبراهيم تراجع تظاهرات الإخوان حاليا إلى عدد من الأسباب أهمها أن كثيرا من المواطنين سئموا الإهتمام بالسياسة، كما يبدو أن الحملة الإعلامية الموجهة ضد جماعة الإخوان أتت أكلها، ويشير إبراهيم إلى أن الإخوان أنفسهم محبطون ويائسون من عودة مرسي، ولا ينزلون للتظاهر حاليا حتى يكونون بمنأى عن الاعتقال، وأغلب من يتظاهرون ليسوا من جماعة الإخوان".
ويضيف إبراهيم لـDW أن "معظم المصادر المالية لجماعة الإخوان تم تجفيفها، خاصة بعد الضربات الأمنية الأخيرة التي لاحقت جماعة الإخوان والتي كان أهمها اعتقال 4 أعضاء من مكتب الإرشاد وعدد من القيادات التنفيذية في شهر واحد".
ويوضح الخبير أن تعامل وزارة الداخلية مع جماعة الإخوان تغيرمؤخرا، حيث إن وزير الداخلية السابق اللواء محمد إبراهيم كان يواجه المظاهرات بعنف غير مبرر، مما أدى إلى مقتل متظاهرين. أما اللواء مجدي الذي أتى من جهاز أمن الدولة، فهو يبحث عن الرؤوس المدبرة والممولة للمظاهرات، حسب الخبير.
وينتقد الدكتور إبراهيم ارتفاع عدد المعتقلين وأحكام الإعدام الصادرة بحق مرسي وقيادات الإخوان ويعتبر ذلك إجراءات "مبالغ فيها وغير مبررة" ثم يضيف: "كيف يصدر حكم بإعدام شخص لم يفعل شيئا عدا فراره من السجن ضمن 11 ألف شخص هربوا في ظل ثورة شعبية"؟، ويخلص الخبير إلى أن هذه الإعدامات، لو تم تطبيقها، فإنها ستحول قيادات الإخوان إلى إيقونات ثورية مثل سيد قطب.
وحسب منظمة هيومان ووتش فإن السلطات احتجزت ما لا يقل عن 41 ألف شخص في الفترة بين يوليو/تموز 2013 ومايو/أيار 2014 ،حيث وجهت إليهم اتهامات وتمت محاكمتهم، بينما وصل عدد المحكوم عليهم بالإعدام إلى نحو 1500 شخص.
الجمعيات نصب أعين السلطة
لا تكتفي السلطة بمحاولة القضاء على جماعة الإخوان من خلال اعتقال القيادات والأعضاء أو اللجوء إلى إجراءات عنيفة، وإنما من خلال حل الجمعيات التي لها علاقة بأعضاء من الإخوان، لقطع الطريق عليهم في التواصل مع المواطنين. ووصل عدد الجمعيات التي تم حلها بأحكام قضائية إلى 420 جمعية ضمن نحو 1200 جمعية تم التحفظ عليها.
وكانت وزيرة التضامن الاجتماعي غادة والي قد ذكرت في تصريحات صحفية لها في 26 مايو الماضي، أن "حل الجمعيات المشار إليها يأتي تطبيقا لحكم محكمة القاهرة للأمور المستعجلة بشأن حظر تنظيم الإخوان المسلمين والأنشطة والتحفظ على ممتلكات الجمعيات التابعة للتنظيم ".
وفيما يعد مؤشرا على تراجع أنشطة جماعة الإخوان، تم الإعلان عن إعادة تشغيل محطة مترو السادات المطلة على ميدان التحرير وذلك بعد توقف دام 671 يوما، بموافقة وزارة الداخلية التي كانت تخشى من استغلال المكان لتجمعات أنصار الإخوان ولمحاولات التظاهر في الميدان الذي شهد أكبر مظاهرات في تاريخ مصر، أدت إلى سقوط مبارك.
الوضع داخل جماعة الإخوان
ليست الملاحقات الأمنية وأحكام الإعدام واعتقالات أعضاء مكتب الإرشاد وحدها هي التي أدت إلى إضعاف جماعة الإخوان، ولكن هناك أيضا أزمة داخلية عنيفة تمر بها الجماعة على خلفية الصراع الذى نشب بين ما يسمى بـ"الحرس القديم" الذي يؤكد على ضرورة الالتزام بالسلمية، والجيل الجديد الذي تولى القيادة منذ فبراير 2014 والذي ما فتئ يعبر عن غضبه على القيادات القائمة، حيث يسخر من دعوتها للالتزام بالسلمية، ويدعو إلى "انتفاضة ثورية".
ويعترف الدكتور أحمد رامي القيادي بجماعة الإخوان بأن الإجراءات ضد الجماعة ساهمت في إضعافها ولاشك، إلا أنه يرى في حديثه لـDW أن الجماعة تمكنت من امتصاص جزء كبير مما تعرضت له من ضرر، فكان التأثير أقل مما كان متوقعا. وأضاف قائلا: "من ينظر إلى أداء الجماعة فى ظل اعتقال أعضاء من مكتب الارشاد مؤخرا فليس لديه الشعور بأنهم اعتقلوا بالفعل، حيث لا يزال هناك تحرك في الشارع".
"الإخوان أكبر تنظيم في مصر"
وحول تأثير أحكام الإعدام وارتفاع عدد الاعتقالات في صفوف الجماعة، يقول الدكتور محمد عفان، الباحث في الفكر الإسلامي السياسي وعضو سابق بجماعة الإخوان، إن ذلك أدى إلى الارتباك الموجود حاليا في القيادة وإلى التجاذبات القائمة داخل الجماعة، وضعف التحرك الدولي والحقوقي غير المتناسب مع حجم الاعتقالات والإعدامات".
إلا أن عفان يؤكد أنه رغم التأثير السلبي للضغوطات على الجماعة فإنها لا تزال بالتأكيد أكبر تنظيم مجتمعي وسياسي في مصر حتى الان، خاصة في ظل نظام عنيف وليس لديه خطاب سياسي وأيديولوجي يستقطب به الآخرين كجمال عبد الناصر". ويضيف عفان في حديثه لـDW : "بالتأكيد تم إضعافهم لكنهم لم يختفوا، وعندما تأتي الفرصة المناسبة لاستجماع القوة سيعودون بشدة".
وفي هذا السياق يشير الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إلى أن جماعة الإخوان تعرضت لمحن كثيرة عبر تاريخها، وربما كانت أشد مما هي عليه الآن، ومع ذلك فإن الجماعة استطاعت البقاء من خلال العمل السري، ثم جاءت ظروف سياسية معينة أدت إلى عودتها للحياة، وقد تكون أصبحت أقوى مما كانت عليه".
ويضيف في لقاء مع DW أن "الضربات الأمنية وحدها لن تكفي للقضاء على جماعة الإخوان، ولن يحدث إضعاف للجماعة حتى يتم تأسيس نظام ديمقراطي حقيقي يتسع للجميع وقادر على إخراج البلاد من أزماتها الحالية، وإلا فإن التطورات المستقبلية سوف تصب لصالح جماعة الإخوان المسلمين، وسيمهد ذلك الطريق لعودتها مرة أخرى، لأن ذلك يعني البقاء في تنظيمات سرية إلى أن يعجز النظام القائم على حل المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية فيأتي دور البديل القوي، وهو ما حدث خلال السبعينيات وبعد ثورة 25 يناير".