هل تنتظر المرأة عشر سنوات أخرى لنيل حقوقها؟
أصبحت حقوق المرأة محورا أساسيا من محاور عمل المنظمات والجمعيات الحكومية وغير الحكومية في العالم. فالجهود الدولية تهدف منذ سنوات طويلة للنهوض بالشئون النسائية من خلال تعميم المساواة وتحقيق التنمية. كما تتناول وسائل الأعلام بمختلف أشكالها برامج تحث على احترام حقوق المرأة وتحسين أوضاعها. وبالرغم من مرور عشر سنوات على انعقاد المؤتمر العالمي لشئون المرأة في بكين، ترى العديد من المنظمات النسائية أن فعاليات ونتائج المؤتمر لم تسفرعن تغير كبير في وضع المرأة في أنحاء متفرقة في العالم، بل أزداد هذا الوضع سوءا في عدد من المجالات أتت الوثيقة النهائية لمؤتمر بكين على ذكرها. ويرجع ذلك حسب ما تقول الجمعيات المعنية إلى تقاعس بعض الحكومات عن الوفاء بالتعهدات المتفق عليها في وثيقة المؤتمر.
أوضاع صعبة تواجه المرأة
سارع الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان الى الترحيب بالقوانين الجديدة التي فرضتها بعض الحكومات على مرتكبي العنف بحق النساء، لاسيما بعد أن وقعت 66 دولة على معاهدات تقضي بسن قوانين حازمة وفرض عقوبات قاسية بهذا الشأن. وترى العديد من المنظمات النسائية انه بالرغم من تلك القوانين لم يتحسن وضع المرأة في بعض الدول مثل أوروجواي وجواتيمالا وإثيوبيا وباكستان، حيث مازالت القوانين في هذه البلدان تترك من يرتكب جريمة اغتصاب دون عقوبة في حالة زواجه من ضحيته. يعني هذا انه اذا اراد شخص أن يتزوج امراة لا يمكنه في الظروف العادية الزواج منها، فعليه اغتصابها، الامر الذي يشكل تناقضا فاضحا مع ابسط حقوق الانسان. هذه الفجوة الموجودة بين القوانين المطبقة والممارسات الاجتماعية السائدة من ناحية وبين المعاهدات المتفق عليها بشأن حماية حقوق المرأة من ناحية اخرى دفعت بالأمم المتحدة الى عقد مؤتمر عالمي يهدف إلى تقييم أوضاع المرأة ومناقشة المشكلات التي تواجه الحكومات في حشد الجهود السياسية والاجتماعية اللازمة لتنفيذ التعهدات التي قطعتها على نفسها في مؤتمر المراة الذي عقد في بكين قبل عشر سنوات.
الفقر والأصولية يشكلان عائقا
تختلف مشكلات وقضايا المرأة حسب أوضاعها في كل منطقة من العالم، فالعديد من النساء في المناطق التي دمرتها الفياضانات في آسيا تعرضن لأعمال عنف واغتصاب حتى في أحلك المواقف وفي أثناء عمليات إعادة الأعمار. ويرى العاملون في مجال الدفاع عن حقوق المرأة أن الفقر والأصولية هما سببان رئيسيان في استمرار التمييز والعنف ضد النساء. فعلى سبيل المثال تصاب الإفريقيات بالإيدز في كثير من الحالات لاسباب تتعلق بالفقر وقلة الوعي اضافة الى عدم قدرتهن على رفض ممارسات جنسية غير آمنه، الأمر الذي يساهم في انتشار العدوى. وترى مفوضة الأمم المتحدة لشؤون المرأة في ألمانيا "ماري لويزه بيك" أن البلدان الغربية ايضا لا تخلو من بعض المشكلات المتعلقة بهذا الشأن رغم أنها غنية، فهناك حالات عنف ضد النساء في ألمانيا، ويلاحظ كذلك أن اأجور النساء منخفضة في بعض الوظائف عن أجور الرجال، وعدد الأستاذات في الجامعات الألمانية أقل من الرجال. وبالرغم من أن النساء تشكل في الولايات المتحدة الأمريكية أغلبية الأصوات الانتخابية، لا تتجاوز نسبة المقاعد التي حصلن عليها في الانتخابات الاخيرة للكونجرس الأمريكي 15 %. ويشير هذا الأمر الى أن الأصولية قد تأخذ شكلا اجتماعيا أو ثقافيا حتى في البلدان الغنية نفسها.
المرأة في العالم العربي
رغم كل المساعي المبذولة لتحسين وضع المرأة في العالم العربي، مازال هناك إشكاليات كبيرة تتعلق بهذه القضية. فقد أصبح البعض ينظر إلى مسألة تحرير المرأة وحماية حقوقها ومساواتها مع الرجل على أنها قضية ليست من نتاج الواقع العربي، ولكنها فرضت عليه فرضا من الدول الغربية بهدف الضغط والسيطرة عليه ونشر الرذيلة فيه. الا أن الحقائق تقول غير ذلك بكل تأكيد. ان التستر وراء مثل هذه القضايا اصبح مكشوفا، فلا أحد يطالب أن تتحرر المرأة بشكل يسيء الى المجتمع وعاداته وتقاليده، ولكن يجب الاشارة الى أن العادات والتقاليد التي لا تحترم حقوق المرأة ولا تعاقب من يسيء اليها هي عادات بالية ومتخلفة، وهذا العادات مازالت للاسف منتشرة بشكل كبير في الكثير من المجتمعات العربية. أن حق انتخاب المرأة أو منحها الجنسية لأطفالها ما زال في بعض الدول العربية غير مطبق، كما أن قضايا مثل الإجهاض والختان وفرص العمل المتكافئة والمشاركة النسائية في السياسة والقضاء أو الالتزام بزي نسائي محدد تفتح دائما مجالات للاختلاف والحساسية. أخيراً لم يعد هناك شك أن قضايا المرأة بدأت تتحرك في العالم العربي على طريق الإصلاح، لكن هذا الطريق مازال طويلا ويحتاج المراجعة والمساندة في نفس الوقت.