هل تمهد الأزمة في سورية لقيام دولة كردية موحدة بالمنطقة؟
١٨ أغسطس ٢٠١٢لم تشهد المناطق الكردية في سوريا مواجهات عنيفة وعمليات قصف شديد كما هي الحال في معظم المناطق السورية الأخرى، رغم خروج الشباب الأكراد في مظاهرات بشكل منتظم منذ انطلاق حركة الاحتجاجات السورية المناهضة لنظام الأسد قبل ثمانية عشر شهرا. وبالرغم من أن الأحزاب الكردية التقليدية بقيت متحفظة إلى حد ما في خطابها إلا أنها ائتلفت في جسم سياسي معارض خاص بها أطلق عليه اسم "المجلس الوطني الكردي" أسوة بالمجلس الوطني السوري المعارض.
ومن المعروف أن النظام السوري مارس لسنوات عديدة سياسة التمييز ضد الأكراد وأنكر وجودهم القومي والثقافي في سوريا. ومع تزايد الضغوط الداخلية على الأسد، قرر النظام تغيير سياسته تجاه الأكراد بشكل تكتيكي وحاول التقرب منهم من خلال منح الجنسية السورية للمحرومين منها منذ مطلع ستينات القرن الماضي، ظنا منه انه بذلك سيساعد في حيادهم. ويبدو أن قسما كبيرا من الأكراد لا يعادون الأسد، لأنه يغض الطرف عن محاولاتهم السيطرة على المناطق الكردية وتحويلها إلى ما يشبه الحكم الذاتي.
شعب كبير بدون دولة
الوضع الجديد في المناطق الكردية السورية أزعج السلطات التركية، فمند ثلاثة عقود تقريبا وحزب العمال الكردستاني المحظور يقود حرب عصابات في المناطق الكردية في تركيا كما أعلن مسؤوليته عن عدة تفجيرات في تركيا، ضمن سعيه لإقامة دولة كردية مستقلة أو حكم ذاتي على الأقل. ويمثل الأكراد نسبة سكانية كبيرة ولكن بدون دولة خاصة بهم، فمن أصل ما يزيد عن 25 مليون كردي يعيش حوالي 12 مليون منهم في تركيا، وفي إيران يعيش حوالي 5,5 مليون، وفي العراق يعيش حوالي 5 ملايين ويعيش حوالي 1,3 مليون كردي في سوريا. كما أن هناك أكرادا في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق وعلى وجه الخصوص في أرمينيا وأذربيجان.
وذهب أكثر من 40 ألف شخص ضحية للصراع الدموي بين حزب العمال الكردستاني وتركيا. ورغم تراجع أهمية شعبية حزب العمال الكردستاني بعد اعتقال زعيمه عبد الله أوجلان عام 1999، وقيام حكومة أنقرة بإصلاحات من أجل انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، تحسنت من خلالها حالة الأكراد في تركيا الآن، إلا أن آمال الأكراد في حكم ذاتي لم يتم الوفاء بها حتى الآن.
نموذج ناجح في شمال العراق
بالنسبة لعدد كبير من الأكراد في تركيا يبقى تطور النموذج في كردستان العراق مثالا ناجحا. غالبية السكان في شمال العراق من الأكراد، فبعد عام 1991 تشكلت حكومة كردية مستقلة إثر أقدام صدام حسين على سحب عسكرييه ورجال أمنه وموظفيه من تلك المناطق. وقد تلقى أكراد العراق مساعدات أمريكية كما أن منطقتهم حظيت بحماية الولايات المتحدة. وبعد سقوط نظام صدام حسين في عام 2003 ثبت الأكراد حكمهم الذاتي واسع النطاق في شمال العراق، كما احتلوا مناصب رفيعة في حكومة المركز ببغداد. وساهم كل من الاستقرار السياسي وعائدات النفط في تطور المنطقة وازدهارها، التي تتوفر كذلك على برلمان خاص بها وحكومة محلية ورئيس للإقليم هو الزعيم الكردي مسعود بارزاني.
أما في سوريا فيتحكم الأكراد مند بضعة أسابيع في بعض المدن القريبة من الحدود التركية، إذ يقال إن الجيش السوري قد أخلى جزءا كبيرا من هذه المناطق وسحب عناصره منها. وهناك يقوم حزب الاتحاد الديمقراطي (ب ي د)، الذي يُعتبر فرعا سوريا لحزب العمال الكردستاني بتسيير أمور المنطقة.
أهداف غير واضحة
أهداف حزب الاتحاد الديمقراطي ليست واضحة، كما يقول سونير كاغابتاي الخبير في الشؤون التركية بمعهد واشنطن، بالرغم من أنه وعد في الآونة الأخيرة ألا يتدخل في الشؤون التركية، وبالرغم من أنه انخرط مع المعارضة السورية العربية في الداخل في ما بات يعرف بـ "هيئة التنسيق الوطنية للتغيير الديمقراطي"، بزعامة المحامي الناصري المعارض حسن عبد العظيم. ويقول كاغابتاي: "إذا كان حزب الاتحاد الديمقراطي منبثق في الواقع عن حزب العمال الكردستاني فسنرى ذلك بعد سقوط نظام الأسد".
ويرى بعض المراقبين أن علاقة حزب الاتحاد الديمقراطي بنظام الأسد ليست واضحة، كما يقول المستشرق والباحث الكردي كاميران حوج. ويضيف حوج قائلا: "في بداية الثورة أُطلق على أعضاء هذا الحزب بشبيحة الأكراد"، هذا الاسم مُنبثق، كما يقول حوج، من الميليشيا الموالية للأسد في سوريا، مضيفا: "الأمر غير واضح هل هم في الواقع موالون لنظام الأسد أم لا".
ويفترض بعض المراقبين أن حزب الاتحاد الديمقراطي ونظام الأسد ينسقان معا، وقال سونير كاغابتاي "هناك افتراض بأن حزب الاتحاد الديمقراطي يتعاون مع نظام الأسد". وعلى ما يبدو فإن كل طرف يستفيد من الوضع الحالي، فحزب الاتحاد الديمقراطي سيوسع نفوذه في المناطق الكردية في سوريا وحدودها، وشمال سوريا سيصبح مرة أخرى ملاذا آمنا لمقاتلي حزب العمال الكردستاني التركي.
التخوف من توسع رقعة القتال
ويضغط مسعود برزاني رئيس إقليم كردستان العراق على أكراد سوريا للتعاون مع المجلس الوطني السوري المعارض، الذي ينظر إليه على نطاق واسع كمظلة سياسية للجيش السوري الحر المعارض. وهناك من يقول إن برزاني يجري في الوقت نفسه اتصالات مع حكومة الأسد في دمشق. كما أن ثمة انتقادات توجه للقوى السياسية الكردية التقليدية بأنها لم تشارك حتى الآن فعليا في مواجهات ضد قوات الأسد، خشية انتقال القتال وأعمال العنف إلى المناطق الكردية.
ويثير تسامح نظام الأسد مع الأكراد في المقابل غضب الأتراك، ويقول سونير كاغابتاي الخبير من معهد واشنطن في هذا الاتجاه: "إن ثورة الشعب السوري ضد النظام شجعت أكراد سوريا على المطالبة بنفس الحقوق التي يتمتع بها أكراد العراق". كاغابتاي يضيف قائلا: "وهذا من شأنه أن يدفع بأكراد تركيا وأكراد إيران للمطالبة بنفس الحقوق".
الحلم الكردي بدولة كردية موحدة
يخشى البعض في تركيا من أن يقوم أكراد تركيا مع أكراد سوريا والعراق وإيران بالإعلان عن إقامة دولة كردستان المستقلة، إذ يبدو أن الأكراد يجدون أنفسهم حاليا في موقف أقوى من أي وقت مضى. ولكن تاريخهم الطويل في الصراع الداخلي يمكن أن يقف عائقا أمام ذلك. فقد استمرت لسنوات عديدة صراعات بين القادة الأكراد العراقيين، وعلى سبيل المثال بين جلال طالباني ومسعود برزاني. ولم تتوقف هذه الصراعات إلا بعد ائتلاف الجانبين وتعاونهما لإسقاط نظام صدام حسين. ويعتقد العديد من المراقبين أن حلم الأكراد في إقامة دولة كردية وطنية مستقلة حلم غير واقعي، فجميع المؤشرات تبين أن محاولات الأكراد لإقامة دولة كردية منفصلة لن تلقى ترحيبا في كل من تركيا وسوريا والعراق وإيران.
آنة آلملينغ / اعمارا عبد الكريم
مراجعة: أحمد حسو