هل بدأت موسكو في تغيير موقفها من دمشق؟
٢٠ مارس ٢٠١٢ظهر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، مؤخراً في التلفزيون الروسي، معبرا عن عجبه من تطورات الوضع في سوريا. فهو يرى أنه "رغم أن الإصلاحات السياسية بدأت في سوريا، إلا أن القتال يتواصل في الوقت نفسه بين القوات الحكومية وجماعات المعارضة المسلحة"، وأن "العنف يُمارَس بشكل غير متناسب" بين أطراف الصراع.
تصريحات لافروف كانت محل اهتمام، فوزير الخارجية الألماني غيدوفيسترفيله قال في مقابلة لإحدى الصحف يوم الإثنين (19 ملرس/آذار 2012) إن انتقاد لافروف للوضع في سوريا "يدل على بداية تغيير سياسي في موقف موسكو" تجاه الرئيس السوري بشار الأسد. ووزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه أيضاً لاحظ "تغيراً طفيفاً" في السياسة الروسية تجاه سوريا.
موسكو تنأى بنفسها عن دمشق
في الواقع، تزداد المؤشرات على تغيير محتمل في موقف موسكو المتشدد بشأن الأزمة الدائرة في سوريا. فقد أعرب وزير الخارجية الروسي في الآونة الأخيرة عن أسفه من عدم تنفيذ دمشق للتوصيات الروسية في الوقت المناسب.
وقال لافروف إن بلاده لا تدعم نظام الأسد، ولكنها تدعم مبدأ العدالة. ويبدو من ذلك أن روسيا تسعى للنأي بنفسها عن الرئيس الأسد، الذي أثار استياء وانتقاد المجتمع الدولي بسبب تصاعد العنف المفرط للنظام ضد المعارضة.
كما أن موسكو أصبحت الآن تؤيد، على الأقل لفظيا، مهمة الأمين السابق للأمم المتحدة كوفي أنان، الذي يحاول التوسط بين الحكومة السورية والثوار. مع العلم أن الدبلوماسيين الروس بقوا قبل بضعة أسابيع فقط بعيداً عما سُمِّيَ باجتماع "أصدقاء سوريا"، الذي تم فيه تعيين كوفي أنان كمبعوث خاص للأمم المتحدة إلى سوريا من قِبَل ممثلين عن أكثر من 60 دولة ، بما في ذلك ألمانيا.
هل تقف موسكو على الجانب الخاطئ من التاريخ؟
عزا المراقبون الغربيون موقف روسيا المؤيد للنظام السوري في السابق إلى أسباب سياسية داخلية. ولكن الآن وبعد أسابيع فقط من الانتخابات الرئاسية التي جرت في أوائل شهر مارس، يبدو أن موسكو بدأت في التحرك في الموضوع السوري. ويؤكد حدوث هذا التغيير الصحافي الروسي فيودور لوكيانوف و رئيس تحرير مجلة "روسيا في السياسة العالمية" الصادرة في موسكو، غير أنه لا يرى وجود صلة بين الانتخابات الرئاسية والموضوع السوري ويقول: "الواقع أن موسكو أصبحت ترى أنه لا مستقبل لنظام الأسد".
ويعتقد لوكيانوف أن الضغوط على الرئيس السوري أصبحت كبيرة جدا وأن الأسد "ارتكب أخطاء كثيرة للغاية". لكنه يرى أيضاً أن الموقف الغربي، وخصوصا موقف الولايات المتحدة، قد تغير ، ويضيف بهذا الشأن قائلا:"في الغرب قلق متزايد بشأن ما قد يأتي بعد الأسد"، ويعتقد أن التغيير في الموقف الغربي يسهل على موسكو الالتحاق بالمواقف الغربية.
وتقول مارغريت كلاين، الخبيرة الألمانية في الشؤون الروسية بمؤسسة برلين للشؤون الدولية والأمن (SWP) إنه أصبح من المهم الآن أن "توضِّح الدول الغربية والعربية للقيادة الروسية بأن هذه الأخيرة تعزل نفسها إذا ما واصلت انتهاج سياسة متشددة الموقف" حيال الوضع في سوريا. كما أن وزير الخارجية الألماني غيدو فيسترفيله قال مؤخراً أن روسيا ستدرك أنها تقف "على الجانب الخاطئ من التاريخ"، وتقول كلاين بهذا الشأن إنه "يبدو أن الطرف الروسي أصبح بالفعل أكثر وعياً بهذه المسألة".
البحث عن تسويات في مجلس الأمن
لكن موسكو لا تزال تحمي نظام الأسد. فروسيا التي تتمتع بحق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي، لن توافق أبداً على أي تدخل عسكري في سوريا، كما تقول وزارة الخارجية الروسية. وقد عرقلت روسيا والصين مرتين مشروعي قرارين أمميين بهذا الشأن. وذلك لأن الأمم المتحدة، من وجهة النظر الروسية والصينية، متحيزة إلى جانب المنشقين وضد الحكومة السورية.
ويناقش مجلس الأمن الدولي حاليا مشروع قرار جديد. وعند ظهور أدلة جديدة على انتهاكات حقوق الإنسان التي يقوم بها الجيش السوري ضد السكان المدنيين، فقد يصعب على روسيا تبرير موقفها المتشدد مجدداً. ويتفق على ذلك محللون وخبراء غربيون وروس أيضاً. وترى مارغريت كلاين الخبيرة الألمانية بالشأن الروسي أنه بالامكان التوصل إلى حل وسط في مجلس الأمن الدولي، وتقول إن "ما قد يتم الاتفاق عليه هو وصول المساعدات الإنسانية لجميع الأطراف".
ولا تستبعد كلاين أن توافق روسيا على تغيير النظام في دمشق، ولكن شرط ألا يبدو التغيير وكأنه مفروض من الخارج. ويعتقد الخبير الروسي في السياسة الروسية لوكيانوف أيضاً أنه بالإمكان لروسيا والغرب التوصل إلى موقف مشترك، مضيفا أن روسيا حققت على كل حال أحد أهدافها من خلال الموقف المتشدد، وهو أن روسيا "قد جعلت من الواضح للجميع بأنه لا يمكن أن يكون هناك حل قانوني في سوريا دون موافقة روسية".
رومان غونشارينكو / علي المخلافي
مراجعة: عبدالحي العلمي