هل إشراك البرلمان في التدخلات العسكرية تعزيز للديمقراطية؟
١٠ سبتمبر ٢٠١٣في ألمانيا تحتاج الحكومة الى موافقة من البرلمان إذا ما أرادت إرسال جنود إلى مناطق نزاع، وهو عُرف كرسته المحكمة الدستورية العليا عام 1994. إنه إجراء يُقيد أحيانا عمل الحكومة كما حدث عام 2001 حينما قرر التحالف اليساري الحاكم آنذاك بقيادة المستشار غيرهارد شرودر إرسال جنود ألمان إلى أفغانستان. ووجد القرار مقاومة شديدة من داخل صفوف التحالف الحكومي نفسه، مما دعا بالمستشار شرودر إلى ربط مصير حكومته بموافقة البرلمان على ذلك. وكان ذلك الأسلوب الوحيد لإجبار مُعسكره على تأييد سياسته. فالتصويت بسحب الثقة عن شرودر كان سيعني نهاية الائتلاف الحاكم آنذاك بين من الحزب الديمقراطي الاشتراكي وحزب الخضر.
ويعلل كريستيان مولليغ خبير الشؤون الأمنية لدى "مؤسسة العلوم والسياسية" الألمانية ذلك بقوله: " لدينا في ألمانيا تجارب سيئة في الماضي مع ترك قرار إعلان الحرب في يد شخص واحد أو عدد قليل من الأشخاص"، في إشارة إلى الحرب العالمية والمرحلة النازية. كما لا تشكل طريقة تعامل المانيا الإتحادية استثناء، حيث إن هناك دولا عديدة في حلف الناتو، تحتاج أولا لموافقة برلماناتها قبل المشاركة في أي عمل عسكري، ومن بينها الدنمارك، ليتوانيا، تركيا. ومن بين دول الاتحاد الأوروبي هناك النمسا وايرلندا والسويد.
البحث عن دعم المشرعين
من الناحية القانونية، لم يكن الرئيس الأمريكي باراك أوبا ما في حاجة لموقف برلمان بلاده من ذلك باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة. وكان بإمكان أوباما ضرب سوريا دون أخذ موافقة الكونغرس، لكن القانون يفرض عليه إخبار البرلمان خلال 48 ساعة بالحيثيات التي يقوم عليه القرار. وقد تستمر العملية العسكرية لمدة قد تصل إلى ستين يوما، وبعدها فقط تكون الحاجة إلى موافقة من الكونغرس بشكل إلزامي.
ونفس الأمر ينطبق أيضا على رئيس الوزراء البريطاني دافيد كاميرون، فرغم أن الدستور يولي الملكة منصب القائد العام للقوات المسلحة، إلا أن رئيس الوزراء هو من يقرر فعليا في الأمر، وموافقة البرلمان ليست إلزامية، غير أنه يمكن لرئيس الوزراء طلب رأي نواب الشعب، دون أن يلتزم به. وكان كاميرون يأمل أن يمنحه البرلمان دعما سياسيا في قرار توجيه ضربة عسكرية ضد نظام الأسد، إلا أن تصويت البرلمان جاء رافضا لذلك، وهو ما قيًد سياسيا يد رئيس الوزراء ودفع به إلى عدم التحرك.
أما في فرنسا فتطالب غالبية من المواطنين بالحصول أولا على موافقة البرلمان حسب استطلاع أُجري لحساب محطة (بي، إم، تيفي) التلفزيونية، حيث أيد 74 بالمائة من الذين شملهم الاستطلاع موافقة مسبقة للبرلمان قبل المشاركة في أي عمل عسكري ضد سوريا. من الناحية القانونية يمنح الدستور للرئيس الفرنسي سلطة القرار بشأن أي تدخل عسكري دون العودة للبرلمان، إلا أن ألان فيداليس، الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان اعتبر مؤخرا أن استشارة نواب الأمة بخصوص الموضوع السوري أمر وارد حتى بالنسبة للرئيس فرانسوا أولاند.
بين الديمقراطية والعرقلة
ويرى كريستيان توموشات الخبير الحقوقي الألماني والعضو السابق في مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أن "هناك تناميا في الدول الديمقراطية في موضوع إشراك البرلمان في القرارات المتعلقة بالعمليات العسكرية". ويعتبر توموشات هذا التطور مؤشرا ايجابيا، حيث وصفه بأنه "عنصر تعقٌل".
ويذهب كريستيان مولليغ في نفس الاتجاه بقوله: "عموما يعتبر هذا التطور ايجابيا، فإشراك البرلمان يعني دمقرطة العملية برمتها. الأمر الايجابي في ذلك هو إجبار كل الأطراف على شرح أسباب وخليفات التدخل العسكري في سوريا. ومن خلال ذلك يمكن خلق نقاش عام، تتبادل فيه الحجج بين جميع الأطراف، وهو ما يؤدي نهاية الأمر إلى زيادة الدعم الشعبي للسياسات الأمنية".
في المقابل يحذر العديد من المراقبين من أن المشاركة البرلمانية هذه قد تعرقل سرعة وفعالية القرارات الأمنية. "فقد يصبح اتخاذ القرار بشأن العمليات العسكرية أكثر صعوبة بسبب المشاركة البرلمانية"، وقد يكون ذلك أمرا إيجابيا كما يؤكد كريستيان توموشات، معتبرا أن "العمليات العسكرية لا يجب أن تصبح قرارات سهلة". أما في حالة حدوث هجوم مباشر على التراب الوطني فيمكن للحكومة الألمانية حينئذ أن تتحرك بسرعة، وطلب موافقة البرلمان في وقت لاحق.