البحث عن حقيقة استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا...
٥ سبتمبر ٢٠١٣صور مروعة، تلك التي وصلتنا من سوريا، وكانت تظهر عشرات الجثث، من بينها جثث لأطفال ملقاة على الأرض في مرافق المستشفيات الميدانية، وأشخاصٍ ترتجف أطرافهم وعيونهم مفتوحة إلى أبعد حد في محاولة لانتزاع بعض الهواء. هذه هي الصور التي أثارت سجال استخدام السلاح الكيماوي المزعوم في هجوم قرب العاصمة دمشق، وتناقلتها وسائل الإعلام في 21 آب/ أغسطس في كل أنحاء العالم، بعدما نشرها معارضون سوريون على شبكة الإنترنيت. لكن ماذا حدث بالضبط في تلك الليلة؟
الحكومة الأمريكية والفرنسية على يقين بأن الهجوم كان بأسلحة كيميائية. وحتى المستشارة الألمانية أوضحت في الثالث من سبتمبر/ أيلول 2013 أمام البرلمان الألماني (بوندستاغ) أنه "لا مجال للشك في أن هناك انتهاك صارخ للقانون الدولي باستخدام الأسلحة الكيميائية الفتاكة" في سوريا.
المفتشون في حاجة إلى وقت
في غضون ذلك، لم يصدر حتى الآن أي تقرير عن مفتشي الأمم المتحدة لتحديد المسؤوليات بعد انتهاء مهمة المفتشين؛ فالأبحاث ما زالت جارية على العينات التي تم جمعها من قبل خبراء الأمم المتحدة للأسلحة الكيميائية في دمشق. وهذا "يحتاج إلى وقت"، كما يؤكد رالف تراب، الخبير في الأسلحة الكيميائية وموظف منظمة حظر الأسلحة الكيميائية. ويوضح تراب أن "تحليل العينات لا يمكن أن يتم خلال يومين أو ثلاثة أيام"، وتابع خبير الأسلحة الكيميائية أن الوصول إلى نتائج دقيقة يتطلب تجنب حتى الأخطاء الصغيرة التي يمكن أن تنسف التقرير. وبناء على ذلك، يتوقع أن يأخذ تقييم العينات من أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع.
من جهته، يرى يان فان أكين، مفتش الأسلحة الكيميائية والسياسي في صفوف حزب اليسار الألماني، أنه من المبكر اتهام أي جهة باستخدام الأسلحة الكيميائية. ويقول فان أكين "إحساسي يقول لي إنه من المرجح أن السلاح المستخدم في الهجوم كان غازاً ساماً". لكن الدليل النهائي على صحة ذلك لم يصدر بعد. لذلك يطلب السياسي اليساري انتظار تقرير مفتشي الأمم المتحدة. ويقول فان أكين "المهم في هيئة الأمم المتحدة هو أن تتوفر سلسلة مٌحكمة بدءاً من أخذ العينات إلى وصولها إلى المختبر". ويمكن لهذه السلسلة أن تراقب من قبل جميع الأطراف. "وبذلك ستكون في النهاية نتيجة يثق بها الجميع"، يقول فان أكين، الذي يتابع قوله: "إذا لم تكن هذه المراقبة خالية من أي ثغرات، فإنني لن أثق في هذه العينات".
من يقف وراء الهجوم؟
ومع كل ذلك، فالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا ليس لديهما شك في استخدام السلاح الكيميائي فحسب، بل هما متأكدتان من استخدامه من قبل النظام السوري أيضاً. وذلك ما ظهر جليا من خلال موقف وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الذي تحدث عن وجود "أدلة واضحة ومقنعة"، معتمدا على تقارير للاستخبارات الأمريكية التي تحدثت عن قيام أجهزتها بالتدقيق في الحقائق ومتابعة مسارها. إذ توصلت إلى أن عدد ضحايا هجوم الـ21 من آب/ أغسطس وصل إلى 1429 شخص من بينهم 426 طفل على الأقل.
لكن مفتش الأسلحة الكيميائية السابق فان أكين، غير مقتنع بالأدلة التي أوردها جون كيري، كما أنه شكك في موقف الولايات المتحدة وفرنسا القائل بأن قوات الأسد هي الوحيدة القادرة على تنفيذ هجوم بالأسلحة الكيميائية. ويقول فان أكين "هناك منشقين عن الجيش السوري من الممكن أن يكونوا قد أخذوا أسلحة كيميائية. كما تم أيضا مهاجمة قواعد عسكرية ومستودعات للأسلحة من طرف الثوار، حيث كان يمكنهم الوصول إلى هذه الأسلحة".
دليل الاستخبارات الألمانية
وحتى جهاز الاستخبارات الألماني الخارجي (BND) يعتقد على ما يبدو أن النظام السوري متورط في استخدام الغاز السام في هجوم الغوطة قرب دمشق، بحسب ما نقل موقع شبيغل أونلاين الإخباري. وحسب الموقع ذاته، فإن رئيس جهاز الاستخبارات الألمانية غيرهارد شيندلر، أخبر بعض النواب في البرلمان الألماني أنه "لا يوجد دليل واضح على ذلك". لكن تحليلا معقولاً من قبل الوكالة الاستخباراتية الألمانية، أفضى إلى أن نظام الأسد هو من كان وراء الهجوم.
ورصدت الاستخبارات الألمانية الخارجية مكالمة هاتفية بين عضو بارز في حزب الله والسفارة الألمانية، ذكر فيها عضو حزب الله الداعم لنظام الأسد أن هذا الأخير أعطى أوامره باستخدام الغازات السامة. لكن فان أكين لا يرى في توضيح الاستخبارات الألمانية سوى "دليل ضعيف". وتساءل عن "سبب معرفة مسؤول بحزب الله عن استعمال الغازات السامة في سوريا". ورجح فان أكين أن يكون ما قاله عضو حزب الله مجرد تخمينات".
ولا يستبعد السياسي اليساري أن يكون نظام الأسد وراء الهجوم الكيميائي المزعوم. لكنه يستدرك "أريد أن أقول فقط إنه من الممكن أيضا أن يكون الثوار وراء ذلك". ويؤكد فان أكين "صحيح تماماً حظر الأسلحة الكيميائية ومعاقبة مستخدميها". لكنه يؤكد على وجوب الوصول إلى الجناة الحقيقيين وتقديمهم للمحاكمة، حتى ولو تطلب ذلك 15 عاما.