هجوم أولمبياد 1972 - مأساة من عايشوا الحدث في القاعدة الجوية
٢٧ أغسطس ٢٠٢٢إلى اليوم ما يزال هانز فولكل يشعر بالغثيان عندما يسمع ضجيج المروحيات. لأن ذلك يذكره بهدير طائرتي الهليكوبتر. هدير يطارده منذ ليلة السادس من سبتمبر/أيلول 1972.
حينها كان فولكل جنديًا في الجيش الألماني، وبالتحديد في قاعدة فورستين فيلدبروك الجوية. يومها كان من ضمن طاقم الوردية الليلية في البرج، وكان من المفترض أن يهتم بالطيارين الذين يهبطون هنا. الدراما التي كانت تجري في القرية الأولمبية في ميونيخ، على بعد 20 كيلومترًا فقط، كان يتابعها الشاب البالغ من العمر 21 عامًا عبر شاشة التلفزيون. ففي صباح ذلك اليوم اقتحم إرهابيون فلسطينيون مقر البعثة الأولمبية الإسرائيلية.وقتلوا بالرصاص رافع الأثقال جوزيف رومانو ومدرب المصارعة موشيه فاينبرغ، كما احتجزوا تسعة إسرائيليين آخرين.
ساعات الخوف في القرية الأولمبية
عندما حلّ المساء صعد الإرهابيون الثمانية ورهائنهم التسعة على متن طائرتين مروحيتين. لم يتحقق طلبهم بإطلاق سراح رفاقهم من السجون في إسرائيل وألمانيا. وبعد ساعات من المفاوضات، تعهد وزير الداخلية الألماني، هانز ديتريش غينشر أنذاك، بمنحهم ممرًا آمنًا إلى العاصمة المصرية القاهرة. وستقوم طائرات هليكوبتر بنقلهم إلى مطار ريم، حيث كانت تنتظرهم طائرة ركاب.
ولكن بدلاً من ذلك نقلهم طيارو شرطة الحدود الاتحادية إلى قاعدة فورستين فيلدبروك الجوية التابعة للجيش الألماني. وهناك، كما يتذكر فولكل في حديثه مع DW، خرجت المروحيتان من الضباب. كان ذلك حوالي الساعة العاشرة والنصف مساءً، وهبطتا مباشرةً أمام نافذة مكتبه في الطابق الأرضي.
الإخفاق في قاعدة فورستين فيلدبروك
خطة الشرطة كانت أن يقوم قناصة في القاعدة الجوية بقتل الإرهابيين وتحرير الرهائن. ولكن الخطة تعثرت. وردّ الخاطفون على النيران ببنادق الكلاشينكوف التي كانوا يحملونها. كان هناك تخبط على الجانب الألماني، ولا يعرف أي عنصر منهم ما الذي يفعله رفيقه. لم نتدرب من قبل أبدًا على تحرير الرهائن. ورجال الشرطة لم تكن لديهم أجهزة اتصال لاسلكية، وبعضهم كان يتعرض لإطلاق النار من زملائه.
بل وحتى لم يتم إبلاغ فولكل ورفاقه في الجيش الألماني بأن الإرهابيين ورهائنهم سيأتون إلى قاعدة فورستن فيلدبروك. "لقد تورطنا في الأمر فقط لأنه كان دورنا في الوردية الليلية. ولم يخبرنا أحد بأي شيء مسبقًا."
كان فولكل يبحث عن أي شيءٍ يقيه من النيران، فتحصن خلف جهاز تدفئة، بينما يعصف أزيز الرصاص في الهواء من حوله. على بعد أمتار قليلة من مكتبه، أصابت رصاصة ضابط شرطة. يقول: "أصابت أنطون فليغرباور". "كانت جثثته ممدة هناك. والجدران مغطاة بشظايا العظام. كانت رصاصة في الرأس".
هجوم على مهرجان السلام
رشقات الرصاص استمرت بالأزيز عبر المطار حتى منتصف الليل. ثم دوّى انفجار. ألقى إرهابي قنبلة يدوية على إحدى المروحيات، أو بالأحرى على الرهائن الذين كانوا مقيدين داخلها. ومع حلول الفجر في فورستن فيلدبروك، بدأ يتكشف ما حصل في الليل: بالإضافة إلى ضابط الشرطة أنطون فليغرباور، قتل خمسة من الإرهابيين. فيما لم ينجُ أي من الرهائن الإسرائيليين.
من خلال تنظيم دورة الألعاب الأولمبية في ميونيخ، أرادت ألمانيا أن تُظهر للعالم وجهها الودود. كان من المفترض أن تكون الدورة "احتفالاً بالسلام"، بعد 27 عاماً فقط من الحرب العالمية، وقتل الألمان لستة ملايين يهودي. ولكن مرة أخرى يُقتل اليهود على الأراضي الألمانية، وظهرت الدولة الألمانية عاجزة عن حمايتهم.
40 عاما من الصمت
بعد يوم من التوقف وإقامة مراسم الحداد، استؤنفت المنافسات الأولمبية في ميونيخ. ولم يُقدم اعتذار من السياسيين أو الشرطة عن الفشل المريع الذي حدث في فورستن فيلدبروك. ولم تُشكّل لجنة تحقيق ولم يتحمل أي أحد مسؤولية عملية التحرير الفاشلة، أو مسؤولية عدم قبول المساعدة من المتخصصين الإسرائيليين.
واضطر ذوو الضحايا إلى النضال لعقود من أجل الاطلاع، على الأقل، على ملفات التحقيق. ومازالوا حتى يومنا هذا يصارعون للحصول على تعويضات أعلى. والآن لا يرغبون بالمشاركة في إحياء الذكرى الخمسين للهجوم في ميونيخ.
"لقد عومل الشهود والضحايا وعائلاتهم كمعاملة الأقارب المزعجين"، يقول لودفيغ شبينله، مفوض معاداة السامية في ولاية بافاريا، والذي ينشط من أجل معالجة آثار الاعتداء وتعويض ذوي الضحايا. لقد فشلت جمهورية ألمانيا الاتحادية حينها في مواجهة الإرهاب. "وما حدث بعد ذلك هو أيضًا فشل مأساوي للدولة"، يضيف شبينله في حديثه لـ DW. لقد "نُسيت الأشياء بسرعة كبيرة وعن عمد. وقد التزموا الصمت حيال ما حدث. ولم يتحول إلى ذكرى عامة". قبل عشر سنوات فقط تغيرت الأمور وبدأت الجهود تُبذل من أجل إعادة تقييم ما جرى وتذكّره؛ مثلا من خلال نصب تذكاري في الحديقة الأولمبية.
تجاهل الصدمة
يجب العودة إلى الحياة الطبيعية بأسرع وقت ممكن - وهذا ينطبق في عام 1972 أيضًا على أشخاص مثل هانز فولكل. استؤنفت عمليات الطيران في قاعدة فورستين فيلدبروك، بينما كان حطام المروحية لا يزال جاثما أمام البرج، كما يتذكر فولكل. لم تُقدم لهم رعاية نفسية، وكان الأطباء يوصون حينها بشرب كأس من الكونياك بعد الصدمة.
"إنك تحاول كبت مثل هذه التجارب المؤلمة"، تقول أنّا أولريكه بيرغهايم، رئيسة الرابطة التاريخية لفورستين فيلدبروك. إنها تحاول منذ سنوات البحث عن شهود على الهجوم. ووجدت أشخاصًا مثل هانز فولكل. وعندما تمشي في ممرات البرج في القاعدة الجوية، يمكنها أن تخبرك من هم الأشخاص الذين كانوا يتواجدون في كل غرفة تقريبًا، ليلة 6 سبتمبر/أيلول 1972.
"كيف حالكَ مع الذكريات؟"
تتحدث بيرغهايم لـ DW: "بالتأكيد لم تتم معالجة هذه الذكرى لدى الأشخاص الذين كانوا هناك" في تلك الليلة. وتضيف: "كثير من الشهود الذين عايشوا ما حدث، يظهرون الآن، لأنهم فقط يستطيعون الحديث عنه". الإهمال لفترة طويلة لم يتعرض له أقارب الضحايا فقط، بحسب بيرغهايم: "خلال 50 عامًا لم يهتم أحد من الجانب الرسمي بأولئك الذين كانوا هناك في تلك الليلة؛ رجال الشرطة وأفراد القوات الجوية ورجال الإطفاء الذين تم إطلاق النار عليهم أثناء إخمادهم للنيران. لم يُسأل أي واحد من أولئك الأشخاص خلال 50 عامًا: كيف حالك مع هذه الذكريات؟".
يتحدث هانز فولكل اليوم علنًا عن ما عاشه في ليلة 6 سبتمبر/أيلول 1972، وكيف شاهد، على سبيل المثال، جثتي أندريه شبيتسر ويوسف غوتفرويند في المروحية وأيديهما مقيدة. ويقول إنه لم يحاول حتى اليوم الاتصال بذوي الضحايا. لا يريد أن يفرض نفسه عليهم. أما إذا تحدث أحدٌ إليه، فهذا أمر آخر. حتى بعد مرور 50 عامًا على مجزرة ميونيخ، لا يزال هناك الكثير مما يجب قوله.
بيتير هيله/ ف.ي