هامبورغ تساعد اللاجئين المصابين بصدمات نفسية
١٤ ديسمبر ٢٠١٥أول شيء ستلاحظه بمجرد دخولك الغرفة هي لفائف القماش الملونة على الرفوف لخلق خلفية مع البسط الصغيرة المنسوجة، التي تصنع شكل دائرة في المقدمة. يبدأ الأطفال المنتمون لأسر فرّت من الاضطهاد والصراعات في بلدان مثل أفغانستان والعراق في الوصول إلى غرفة النشاط بمخيم اللاجئين. المخيم الذي يحمل اسم "Jungenparkweg" هو موطن لنحو 130 شخصا ويقع في بلدة "لانغنهورن" (Langenhorn)، في ولاية هامبورغ. وعند دخول الغرفة، يقوم الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 4 أعوام و 12 عاما، والذين أنهوا لتوهم دروس ما قبل المدرسة أوبعض الحصص المدرسية في البلدة المجاورة، بتحية راويتي القصص أسماء قويدر وروانا فالكنبرغ، اللتين ترويان لهما الحكايات.
رواة بلا حدود (TWB) هو مشروع بدأته "ميكائيلا ساوبر"، وهي راوية قصص، لديها خبرة في العمل في مناطق الحروب، ومعها أصدقاء مبادرة "فالدورف" التربوية لعلاج الصدمات النفسية. ينظم مشروع رواة بلا حدود (TWB) في هامبورغ ورش عمل تهدف إلى منح الشعور بالاستقرار للأطفال، الذين يعيشون في مخيمات اللاجئين، وذلك باستخدام مجموعة أدوات متنوعة من التقنيات بما في ذلك الفن واللعب ورواية القصص؛ لإعادة تواصل الأطفال مع باطن أنفسهم. وتقول ساوبر في حديثها لـ DW "ما نقوم به هو شيء فريد من نوعه، فهو خليط من الأسلوب التربوي في علاج الصدمات النفسية، وأسلوب العلاج عن طريق الفن فضلا عن أسلوب رواية القصص العلاجي."
تقول ساوبر "إن الأطفال الذين فقدوا منازلهم ويعانون من الصدمات النفسية يحتاجون للاستقرار لأن حياتهم تخلو من أي نظام وهو ما يمكن أن يؤثر على تطورهم. هناك عناصر روتينية مختلفة تساعد الأطفال كي يشعروا داخل أجسادهم أنهم في أوطانهم مجددا".
تمتد كل جلسة من الجلسات لمدة ساعتين، وتبدأ وتنتهي بالجميع يمسكون بأيدي بعضهم البعض في شكل دائرة، قبل أن يرددوا معا باللغة الألمانية، مع التمثيل بلغة الجسد، "فوقي السماء، تحتي الأرض وها أنا هنا". ويكون القرع بالجسم مصحوبا بأغان مؤلفة بلغة خيالية تقوم بتدريسها معالجة الصدمات النفسية بالرقص. تتبع هذه الأغاني مجموعة من الألعاب ومعها تفاعل اجتماعي يعطي الأطفال فرصة للعب سويا.
ثم تعرض أسماء قويدر على الأطفال شكلا ليرسموه. إنه عبارة عن خطوط متموجة بينها دوائر تملأ الصفحة. شكل بسيط يسهل على الأطفال تقليده باستخدام الطباشير الملونة. ثم يحين وقت القصة. وتحمل القصة اسم "الفانوس الصغير"، وهي من تأليف الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني الذي كتبها لابنة أخيه. تروي روانا فالكنبرغ القصة باللغة الألمانية ثم تحكي قويدر نفس الجزء باللغة العربية قبل أن تقوما بالانتقال إلى الجزء التالي من القصة. وفي الختام، يتم تشكيل دائرة مرة أخرى وتكرر المجموعة وراء الجوقة الرئيسية.
تقول قويدر المنسقة في مشروع رواة بلا حدود: "مع كل جلسة تنمو علاقتنا مع الأطفال. يتعرفون على الألعاب، ويكون لديهم فرصة للعب والشعور بالأمل. يدرك الأطفال أن بإمكانهم أن يأتوا إلى نفس المكان كل أسبوع، وأن يتوقعوا نفس الشيء وهذا يخلق لديهم شعور الاستقرار، وهو أمر مهم."
زاريتا يانشوتوفا من روسيا، وتعيش في مخيم لانغنهورن مع زوجها وأطفالهما الخمسة. وتقول إن عائلتها تحب المكان هنا – وهم يعيشون في المخيم منذ عام ونصف، "هناك العديد من المشاكل في بلادنا، ونحن لا نرغب في العودة". أصغر أبنائها وبناتها هما رامزان 6 سنوات وياخيتا 7 سنوات، ويواظبان على حضور جلسات "رواة بلا حدود" أسبوعيا. "يشعر أبنائي بالحماس لرؤية أسماء وروانا. ويكونان سعداء جدا عندما يعودان للمنزل بعد ورشة العمل. ياخيتا ورامزان يحكيان لي عن مقدار المتعة التي شعرا بها وهما يلعبان، وأنهما يريدان الذهاب غدا مجددا."
أطفال من أجل الغد
العلاج بالفن هو واحد بين عدة أساليب تستخدمها مؤسسة أطفال من أجل الغد (CFT) للمساعدة في زيادة احترام الذات وتعزيز الهوية، وتجاوز فترات الماضي المؤلمة. مؤسسة أطفال من أجل الغد هي مؤسسة غير ربحية تجمعها شراكة مع مستشفى جامعة هامبورغ إيبندورف (UKE)، التي تدير العيادات الخارجية للأطفال والمراهقين اللاجئين. وتساهم في تضميد الجراح النفسية للشباب اللاجئين، الذين هربوا من الحروب والخطر، فريق من الأطباء وعلماء النفس والمعالجين النفسيين والمعالجين بالفن والمعلمين والمترجمين الفوريين، يدعمون 250 طفلا دون سن 18 سنة في العيادة سنويا. ويركز البرنامج المتخصص على علاج الندوب النفسية واضطرابات ما بعد الصدمة لدى مرضى ينتمون لـ 17 دولة مختلفة، عن طريق علاج أعراض مثل القلق والأرق والاكتئاب.
وبصفة عامة يتم تحويل الأطفال والمراهقين اللاجئين عموما إلى العيادة الخارجية من قبل الموظفين بالمدارس أو مراكز الإيواء، بعد ستة إلى ثمانية أشهر من وصولهم إلى هامبورغ، لأنهم يكونون قد أظهروا سلوكيات "جديرة بالملاحظة". وفي العيادة، يتم تركيز الاهتمام على الأطفال ولا سيما على قصص كفاحهم وما يظهر لديهم من أعراض.
تقول كورنيليا ريهر، مديرة العلاج بالعيادة الخارجية، في مقال نشرته مؤخرا لإذاعة شمال ألمانيا NDR: "إذا تم ترك اضطراب ما بعد الصدمة دون علاج، فإنه يؤدي إلى أضرار جسمانية". هناك أيضا مشاكل أخرى تترتب على عدم العلاج من الصدمات النفسية، مثل صعوبة التركيز في المدرسة وصعوبة إقامة تواصل اجتماعي، وهي آثار قد تستمر لتلقي بظلالها على فترة البلوغ كما تتواصل تأثيراتها على عملية الاندماج.
"السلام داخل أنفسهم"
مخيم "شناكنبورغ أليه" (Schnackenburgallee) للاجئين هو مركز استقبال أقيم على موقف سابق للسيارات قرب ملعب فولكسبارك، حيث يدير "رواة بلا حدود" جلساتهم أيضا. ويتشكل المخيم من منطقة مليئة بالخيام للوافدين الجدد. حيث يعيش نحو 1000 شخص، وقرية للحاويات تأوي نحو 1500 شخص. وتقول فالكنبرغ من منسقي مشروع "رواة بلا حدود" إن حوالي ثلث اللاجئين المقيمين هناك من دول البلقان، في حين أن البعض الآخر من إيران والعراق وسوريا وأفغانستان وإريتريا والصومال. وأضافت في حديثها لـ DW أن النساء والأطفال لهم الأولوية في نقل إقامتهم إلى مواقع أخرى ولكن ما يزال هناك حاليا 350 طفلا يعيشون في المخيم.
ويوجد هناك ثلاثة معالجين للصدمات النفسية من أجل التشاور والأنشطة مثل الموسيقى. كما يوفر مخيم "شناكنبورغ أليه" العلاج بالفن للأطفال والكبار.
المتطوعون في مشروع "رواة بلا حدود" يجهزون المكان من أجل جلسة اليوم، محاولين جعلها مريحة قدر الإمكان قبل جمع الأطفال. وتبدأ ورشة العمل كالمعتاد بـ"فوقي السماء، تحتي الأرض وها أنا هنا".
وتقول روانا فالكنبرغ وهي تفكر في عملها بإمعان، إن أعز اللحظات لديها هي عندما يتمكن الأطفال من "قبول السكينة والسلام داخل أنفسهم".