نووي إيران... هل بات على أوروبا أن تستقل عن الأخ الأكبر؟
١٧ مايو ٢٠١٨أكدت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل على هامش القمة الأوروبية في العاصمة البلغارية صوفيا أن كل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ما تزال تدعم الاتفاق النووي مع إيران وستواصل مشاوراتها مع واشنطن بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحب بلاده من الاتفاق. وترى برلين كما باقي العواصم الأوروبية أن الاتفاق مع طهران ليس مثاليا، ولكن من الأفضل الالتزام به والبحث لاحقا في قضايا خلافية أخرى كالبرنامج الباليستي والسياسة الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط.
سحبُ الرئيس ترامب بلاده من الاتفاق النووي يشكل تحديا غير مسبوق للسياسة الخارجية الأوروبية، بل هناك من المراقبين من يرى في هذه الخطوة تهديدا مباشرا لمستقبل العلاقات الأطلسية. فهل يتعلق الأمر بمجرد أزمة طارئة أم بمؤشر على تحول عميق في العلاقات الدولية قد يعيد خلط خارطة التحالفات الدولية؟ في حوار مع DW عربية أكد حسين الوائلي الكاتب والصحافي المعتمد لدى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو أنه لا يتوقع انهيارا كاملا للعلاقات بين بروكسل وواشنطن، ولكن تراجعا ملحوظا في مستوى وزخم تلك العلاقات مؤكد.
معضلة مسك العصا من النصف
يواجه الاتحاد الأوروبي بعد قرار ترامب تحديا غير مسبوق لحماية ما أسماه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "السيادة الاستراتيجية والاقتصادية لأوروبا". وتسعى بروكسل إلى الحفاظ على مكسب الاتفاق النووي مع طهران، وهو ما يعني التزاما أوروبيا بالحفاظ على العلاقات الاقتصادية مع إيران، ولكن دون المخاطرة بقطع الخيط الرفيع ما الإدارة الأمريكية. فقد أكد الرئيس الفرنسي أنه يبذل جهودا لبلورة اتفاق أوسع يكون مكملا لاتفاق 2015 باتفاق آخر حول البرنامج النووي لإيران لما بعد عام 2025، عندما تنتهي فترة الاتفاق الأصلي. من جهته، قال المستشار النمساوي سيباستيان كورتس "أمامنا أسابيع قليلة متبقية لإنقاذه ... ولا أحد يستطيع القول الآن ما إذا كنا سننجح في ذلك، ولكن سوف نبذل كل ما في وسعنا".
ويبقى السؤال هو: هل تملك أوروبا ما يكفي من الأدوات التي تسمح لها بانتهاج سياسة مستقلة عن واشنطن؟ يرى حسين الوائلي أن "هذا ما طالبت به المستشارة ميركل وكذلك الرئيس الفرنسي ماكرون حيث طالبا بسياسية دفاعية مستقلة والتخفيف من الاعتماد على الولايات المتحدة". واستطرد موضحا "أعتقد أن هذا ما يجب أن تدعو له قمة قادة دول الاتحاد الأوروبي في العاصمة البلغارية صوفيا. إن أوروبا اليوم في حاجة لرؤية اقتصادية وأمنية من أجل الخروج من العباءة الأمريكية".
للاقتصاد كلمة الفصل؟
أعلنت ايه.بي مولر- ميرسك، أكبر شركة لشحن الحاويات في العالم، أنها ستغلق نشاطها في إيران امتثالا للعقوبات الأمريكية. وتأتي هذه الخطوة بعد يوم من انضمام شركة توتال الفرنسية العملاقة للطاقة إلى شركات أوروبية أخرى في التلميح إلى الخروج من إيران خوفا من العقوبات الأمريكية، مما يلقي بظلال من الشك على إمكانية أن يتمكن الأوروبيون من انقاد اتفاق التجارة مع طهران. وهذا معناه أن أفق تطوير شراكة اقتصادية أوروبية مع إيران ستكون من باب المستحيلات في ظل عقوبات أمريكية ضد إيران. وذهب وزير الخارجية الألماني هايكو ماس في نفس الاتجاه حينما اعتبر أنه سيكون من الصعب حماية مصالح الشركات الألمانية التي ستواصل تعاملاتها مع إيران في ظل عقوبات أمريكية.
"استبعاد سيناريو القطيعة"
يرى حسين الوائلي أنه "من الصعب التكهن بسيناريو القطيعة في العلاقات بين أوروبا والولايات المتحدة لأنها العلاقة تاريخية. وأستعير هنا بكلمة المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل التي أكدت أن هناك مسارين مختلفين في الرؤى الأمريكية والأوروبية، لكن يتعين على الطرفين أن يصمدا أمام اختلاف الرأي". واستطرد الوائلي موضحا "أرى أن هناك انشقاقا كبيرا في العلاقات الأطلسية، لكن المصلحة الاقتصادية والأمنية هي التي تهيمن ، ويبدو لي أن هذه العلاقة ستستمر ولكن ربما بوتيرة منخفضة".
ويرى المراقبون أن مشكل العلاقات الأمريكية الأوروبية تتجاوز الموضوع الإيراني لتشمل السياسة الخارجية التي تنتهجها إدارة ترامب بشكل عام، ومن مظاهرها مسألة فرض رسوم جمركية أمريكية على الشركات الأوروبية. وهو ما يلقي بظلال من الضبابية على علاقات أطلسية تم وضع أسسها على مدار العقود التي أعقبت الحرب العالمية الثانية. ولا يزال من السابق لأوانه التكهن بما إذا كانت هذه الأزمة مجرد سحابة عابرة أم مؤشر على تحول جذري في العلاقات الدولية.