"خلاف أوروبا مع ترامب قد يجعل تأثيرها أقوى في الشرق الأوسط"
١٨ مايو ٢٠١٨DWعربية: لم يتبع الأوروبيون في تاريخهم موقفاً موحداً يختلف عن موقف الولايات المتحدة في عدة قضايا، كما يفعلون اليوم. خاصة في بعض المفات المتعلقة بالشرق الأوسط، كالملف النووي الإيراني أو مسألة القدس، يتضح اختلاف وجهات النظر بينهم وبين الأمريكيين. كيف تفسر هذه الظاهرة؟
د. هيننغ ريكه: هناك الكثير من الملفات التي يختلف حولها الأوروبيون ولا يجدون وفاقاً حولها، مثلاً في مسألة التعامل مع الصين أو مع روسيا. ولكن ما فعله الأمريكيون فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني كان بمثابة تخطٍّ حدود واعتداء على مشروع أوروبي، مما جعل الأوروبيين يتخذون هذا الموقف الموحد. الاتفاق النووي مع إيران كان إنجازاً ديبلوماسياً من أعلى المستويات عمل على إنجازه الأوروبيون معاً لسنوات طويلة. صحيح أنه يحتوي على بعض الأخطاء، ولكنه حقق بداية جديدة في العلاقات مع إيران. الأمر نفسه ينطبق على "حل الدولتين"( للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي)، الذي أصبح اليوم أكثر صعوبة من ذي قبل.
أيضاً نقل السفارة الأمريكية إلى القدس لم يحظ بتأييد الأوروبيين. هل حل الدولتين أيضاً مشروع أوروبي؟
لا أعتقد أن لدى الأوروبيين حل أفضل مما لدى الأمريكيين، ولكنهم مؤمنون بأن العيش المشترك لدولتين هما إسرائيل وفلسطين هو السبيل الوحيد لحل الأزمة. وهذه قناعة نمت وتطورت عبر السنوات. أعتقد أن ما فعله ترامب من انحياز شديد لإسرائيل قوَّى الموقف الإسرائيلي لدرجة لم يعد الإسرائيليون يشعرون بحاجة لحل الدولتين أصلاً.
في قمة الاتحاد الأوروبي في صوفيا حيث تباحث الأوروبيون حول قرار ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي قال دونالد توسك رئيس المجلس الأوروبي عن ترامب "من لديه أصدقاء مثله ليس بحاجة للأعداء". هل يبحث الأوروبيون اليوم عن شركاء جدد؟
لا أرى الموضوع بهذه الحدة. صحيح أن الأمريكيين خلفوا كومة من الخراب، وظهروا بمظهر من ليس لديه أي فكرة عن كيفية التعامل مع إيران أو كمن يفتقد لأي استراتيجية للتقريب بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ولكن رغم كل ذلك، أعتقد أن الولايات المتحدة ما تزال الشريك الأقرب والأهم بالنسبة للاتحاد الأوروبي. إنه أمر يتعلق بالارتباط الكبير في مجال الدفاع المشترك من خلال الناتو وبالعلاقات الاقتصادية القوية بين الطرفين. يجب أن لا ننسى أن الولايات المتحدة الأمريكية مع كندا والاتحاد الأوروبي تشكل أقوى حلف عسكري وأقوى حلف اقتصادي في العالم. إضافة إلى ذلك يجمع الطرفين الكثير من القيم المشتركة فيما يخص الديمقراطية وحقوق الإنسان.
ولكن في بعض الحالات، مثلاً فيما يتعلق بإنقاذ الملف النووي الإيراني لأهميته الكبيرة بالنسبة للأوروبيين، فمن الطبيعي أن يبحث الأوروبيون عن أطراف يتعاونون معها مثل الصين وروسيا. هم أيضاً بحاجة لتعاون الصين من أجل إنقاذ اتفاقية باريس لحماية البيئة، وأيضاً من أجل المحافظة على التجارة الحرة، وملء الكثير من الثغرات التي خلفتها السياسة الأمريكية في الفترة الأخيرة. ولكن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال نهاية الغرب. إنها فقط تعبير عن سوء الوضع.
من الواضح أن الأوروبيين حريصون جداً على الاتفاق النووي مع إيران. ما هي السبل التي سيتبعونها لحماية شركاتهم التي ستتعرض لعقوبات أمريكية نتيجة أنشطتها التجارية في إيران؟
ليس بيدهم الكثير ليفعلوه، فالأوروبيون لن يتمكنوا من إجبار شركاتهم على العمل مع إيران. وسيكون من الصعب أيضاً تأمين تعويض مالي للعقوبات التي ستعاني منها شركات أوروبية في السوق الأمريكية إذا كان لديها نشاط تجاري في إيران. ولكن وبحسب دراسة لوزارة الاقتصاد (الألمانية) نشرتها مجلة دير شبيغل الألمانية، فليس هناك الكثير من الشركات التي تعمل في السوقين الأمريكية والإيرانية في الوقت نفسه. أغلب الشركات التي تنشط في إيران تركز على منطقة الشرق الأوسط. أما بالنسبة للشركات الكبيرة مثل إيرباص وزيمنس، فمن المتوقع أن تكون خساراتها كبيرة جداً. ولا أعتقد أن الحكومات الأوروبية ستتمكن من حل المشاكل المترتبة على العقوبات ببعض المال. العقوبات ستشمل أيضاً المصارف التي تتعامل مع إيران. أعتقد أن الموضوع سيأخذ وقتاً طويلاً والعلاقات التجارية مع إيران ستتغير مع الوقت.
إذا ما معنى موقف الأوروبيين؟ هل كان مجرد كلام لتلطيف الأجواء مع الإيرانيين إلى حين أن يغير الأمريكيون رأيهم؟
أعتقد أن الأوروبيين كانوا صادقين حين أعلنوا دعمهم للاتفاق الموقع مع الإيرانيين، خاصة وأنهم كانوا يأملون من خلال ذلك تجنب خروج إيران من الاتفاق بشكل فردي. كونهم لا يمكنهم تقديم الكثير هو أمر معروف لدى الجميع، ولكن موقفهم كان بمثابة مبادرة حسن نية وتقديم لاعب لإيران يمكن الوثوق به على الرغم مما فعله الأمريكيون.
هل تتعارض سياسة الأوروبين تجاه إيران مع مصالحهم مع العالم العربي، وخاصة مع دول الخليج، التي تعتبر شريكاً تجارياً مهماً بالنسبة لهم؟
إن الأوروبيين ينتهجون مع إيران سياسة على مسارين في الوقت نفسه. فمن ناحية هم أعلنوا عن دعمهم للاتفاق النووي ومن المفترض أن يحاولوا التعويض لإيران عن بعض الخسارات التي ستلحق بها.
من ناحية أخرى سيحاولون دفع إيران إلى مفاوضات تتعلق ببرنامج الصواريخ وبتدخلها في سوريا وفي اليمن حيث تقوم بدعم جماعات شيعية مسلحة منخرطة في النزاع المسلح. طبعاً مفاوضات كهذه لا يمكن أن تتم مع إيران وحدها، وإنما مع أطراف أخرى مثل السعودية أيضاً، ومن خلال مؤتمر سلام إقليمي.
إذا ما يقوم به الأوروبيون هو خلق إطار ديبلوماسي يمكن من خلاله التفاوض مع إيران على أمور أخرى أيضاً غير الاتفاق النووي، وفي مفاوضات تكون الولايات المتحدة طرفاً فيها. تحقيق ذلك سيكون مهمة ديبلوماسية غاية في الصعوبة، تفوق التوصل للاتفاق النووي صعوبة، لأن الأمريكيين هدموا الكثير من الثقة بما فعلوه.
وهل ترى فرصاُ جيدة للأوروبيين لتحقيق ذلك؟
لا، لا أعتقد أن لديهم الكثير من الحظ في ذلك. ولكن أعتقد أن الأوروبيين هم الطرف الوحيد القادر على بدء محاولة كهذه.
منذ قدوم ترامب إلى سدة الرئاسة تتضاءل فرص التوصل إلى سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وبالمقابل أبدى الأوروبيون موقفاً متحفظاً تجاه نقل السفارة الأمريكية إلى القدس. هل ساهمت هذه الخطوة في كسب الأوروبيين لأعداء في الشرق الأوسط؟ أم أنها قوَّت دورهم كوسيط في الأزمة؟
حتى وإن كانت الولايات المتحدة حرة في اختيار موقع سفارتها، ولكن نقل السفارة يبقى خطوة لا يمكن التراجع عنها أو مهاجمتها بسهولة. يجب على المرء الآن التعامل مع الوقائع كما هي. دوافع الإدارة الأمريكية لنقل السفارة لم تكن مفهومة، واليوم يأمل الاتحاد الأوروبي في أن يكون لدى الأمريكيين أي فكرة أو عرض ما لبدء المفاوضات، أو أن يقوموا على الرغم من دعمهم الكبير لإٍسرائيل لانتقاد السياسية الإسرائيلية والمطالبة بوقف الاستيطان، علهم ينجحون في استعادة القليل من الثقة بأنهم مهتمين بالتوصل إلى حل من خلال التفاوض. الأوروبيون مستعدون دائماً لتقديم العون، ولكن النية الأمريكية ما تزال مبهمة.
هل ترى بأن الاتحاد الأوروبي في طريق التحول إلى قوة مستقلة وفاعلة في الشرق الأوسط؟
نعم. وأعتقد أن أهمية دور الاتحاد الأوروبي تكمن في كونه الشريك التجاري الأهم بالنسبة لأغلب الدول هناك. على الأوروبيين أن يحولوا ثقلهم الاقتصادي إلى ثقل سياسي وعليهم اتباع استراتيجية متماسكة تساعد في جلب السلام إلى المنطقة. هذا يتطلب المزيد من العمل والمال وفتح السوق وتوفر الكوادر القادرة على دعم هذا المشروع.
وهل يمكن تحقيق ذلك من دون وجود عسكري للأوروبيين على شاكلة الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة؟
لا أعتقد أن الذراع العسكرية للأوروبيين قد تدعم سياستهم الخارجية والأمنية في تحقيق أي مهمة تسعى لجلب الاستقرار للمنطقة. ما يجيده الأوروبيون هو المساعدة المدنية والوجود العسكري المقيد بهدف التدريب والمساعدة في بناء الأمن وحماية الحدود وتأهيل الجيش. ولكن لن يكون لهم في يوم من الأيام وجود عسكري مشابه للوجود العسكري الأمريكي.
أجرت الحوار: ميسون ملحم
د. هيننغ ريكه رئيس قسم العلاقات عبر الأطلسي في الجمعية الألمانية للسياسات الخارجية. وهو حائز على شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة برلين الحرة لرسالة حول سياسات الحد من التسلح النووي لدى إدارة كيلنتون.