نزوح كردي جماعي يورط إقليم كردستان في الأزمة السورية أكثر
٢٣ أغسطس ٢٠١٣شهدت الحدود السورية مع إقليم كردستان العراق حركة نزوح كبيرة خلال الأيام الأخيرة، إذ تدفق آلاف اللاجئين من الأكراد القادمين من محافظة الحسكة ومختلف القرى والبلدات الكردية القريبة من الحدود العراقية؛ بل حتى أن هناك من نزح من منطقة عفرين التابعة لمحافظة حلب في أقصى شمال غربي سوريا.
نزح هؤلاء هرباً من الموت والجوع الذي يتهددهم، خاصة بعد محاصرة ومهاجمة قرى وبلدات كردية من قبل بعض قوات المعارضة المسلحة التابعة لجبهة النصرة ودولة العراق والشام الاسلامية المرتبطة بالقاعدة، ووحدات تابعة للجيش السوري الحر.
هذا النزوح الجماعي لأكراد سوريا إلى إقليم كردستان العراق، والذي يعد الأكبر منذ بدء الأزمة السورية فاجأ سلطات الإقليم التي استنفرت وبذلت كل جهودها لتأمين المأوى والمساعدات الإنسانية والطبية لهؤلاء اللاجئين الذين تجاوز عددهم خلال أقل من أسبوع الـ 35 ألف حسب إحصائيات مؤسسات الأمم المتحدة، وهو ما دفع سلطات الإقليم إلى اتخاذ قرار بالسماح لثلاثة آلاف لاجئ فقط بعبور الحدود السورية والدخول إلى إقليم كردستان يومياً.
موجة النزوح هذه غير المسبوقة بالنسبة لأكراد في سوريا، تثير التساؤل عن أسبابها التي يعيدها عضو الهيئة الكردية العليا، آلدار خليل إلى الوضع المأساوي السائد في المناطق الكردية ومعاناة السكان جراء ذلك، حيث الحصار المفروض على المدن والبلدات والقرى الكردية. إذ أن الحدود الشمالية مع تركيا مغلقة والاتصال مع المناطق الأخرى في سوريا مقطوعة ولا يصل المنطقة أي شيء من خارجها، وأضاف في حواره مع مجلة العراق اليوم من DW عربية أن هذا الوضع "هو نتيجة لحالة الحصار المفروضة على شعبنا منذ عدة أشهر".
تقاعس السلطات الكردية المحلية
لكن هل يكفي الحصار وحده للهجرة والنزوح واختيار العيش في مخيمات اللاجئين؟ على ذلك يجيب الكاتب هوشنك أوسي، بأنه غير كاف. إذ هناك أسباب ذاتية أيضاً تتحمل مسؤوليتها الأحزاب والتنظيمات الكردية وعلى رأسها الهيئة الكردية العليا، التي هي ائتلاف يضم المجلس الوطني الكردي ومجلس غربي كردستان، إذ انتقدها لتهربها وعدم تحملها لمسؤوليتها السياسية والأخلاقية تجاه الشعب الكردي في سوريا. وأضاف أوسي في حديثه لمجلة العراق اليوم من DW عربية "ينبغي لهذا الحدث الجلل والمهم أن يدفع السلطة المحلية (الأحزاب والتنظيمات والهيئة الكردية العليا) لمراجعة نفسها وكشف الخلل". وحمّلها مسؤولية تأمين "حياة آمنة وكريمة للناس" وهو ما تقاعست عنه، رغم وجود الإمكانيات لديها لفعل ذلك حسب رأيه. كما انتقد أوسي أكراد تركيا والأحزاب الكردية هناك ولاسيما حزب السلام والديمقراطية الذي لديه كتلة في البرلمان التركي، لعدم تحركه لمساعدة إخوانهم الأكراد في سوريا بالضغط على الحكومة التركية لفتح الحدود والسماح للمؤسسات والمنظمات الدولية والإنسانية لإدخال المساعدات إلى المناطق الكردية.
ولمواجهة موجة النزوح هذه، كرست حكومة إقليم كردستان كل إمكانياتها ولم تتلق المساعدة سوى من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، وقد أصدر رئيس وزراء الإقليم نجيرفان برزاني قرارا بتخصيص مبلغ 25 مليون دولار إضافية لتأمين حاجات اللاجئين، كما بعث رئيس الإقيم مسعود برزاني رسالة إلى رئاسة الحكومة اقترح فيها "تخصيص 20% من ميزانية شهر واحد للرئاسات الثلاث (الإقليم والورزاء والبرلمان) في إقليم كوردستان وكافة المؤسسات الإدارية لحكومة الإقليم، وذلك لمساعدة الأخوات والأخوة اللاجئين من غرب كوردستان".
لكن لو تم تأمين ملاذ آمن لهؤلاء اللاجئين في سوريا ضمن المناطق التي يديرها الأكراد، لكان ذلك أسهل واقل تكلفة، وحفظ كرامة هؤلاء النازحين ببقائهم في مناطقهم وعدم النزوح. ويوافق على ذلك الكاتب هوشنك أوسي، الذي يرى بأنه لو تم ذلك، على الأقل كان يمكن التخفيف من الأزمة، ويضيف بأن "معاناة الناس ليست فقط في تأمين المأكل والملبس، وإنما هم بحاجة للإحساس بالأمان والكرامة وحرية التعبير عن الرأي، فكلها قضايا تهم المجتمع وينبغي معالجتها".
عضو الهيئة الكردية العليا، آلدار خليل، أيضا يتفق مع الرأي القائل بأفضلية تأمين ملاذ آمن لهؤلاء اللاجئين داخل سوريا، ويقول بأن الهيئة حاولت ذلك و"إننا اتصلنا ببعض المنظمات الدولية من بينها الأمم المتحدة وحاولنا إقناع بعض الدول باقتراحنا القاضي بتجميع كل من يريد النزوح أو يضطر لترك بيته في مخيمات تكون تحت سيطرة السلطة الموجودة في مناطقنا (الهيئة الكردية العليا) ولكن لم نلق تجاوبا من تلك المنظمات" ويضيف خليل في حديثه لمجلة العراق اليوم من DW عربية، بأن العكس تماماً قد حدث "إذ تم تطويق المنطقة (الكردية) وتشديد الحصار المفروض عليها، فحتى الممرات الآمنة التي كانت موجودة سابقا ويتم عبرها إدخال بعض المواد قد تم إغلاقها".
إجراءات لوقف النزوح
نزوح هذا العدد من الأكراد السوريين يضافون إلى أكثر من 150 ألف كانوا قد نزحوا إلى إقليم كردستان منذ بدء الأزمة السورية قبل أكثر من عامين. يثير مخاوف البعض من أن يساهم ذلك في توريط حكومة الإقليم وغرقها في مستنقع الأزمة السورية أكثر، سيما وأن إقليم كردستان يعتبر عمقاً قومياً واستراتيجياً لأكراد سوريا، وقد هدد رئيس إقليم كردستان بالتدخل عسكريا وإرسال قوات البشمركة الكردية للدفاع عن الأكراد الذين يتعرضون لهجمات تنظيم القاعدة وتنظيمات إسلامية متطرفة أخرى. ويعلق الكاتب هوشنك أوسي في حديثه لمجلة العراق اليوم من DW عربية، على موقف حكومة الإقليم والبرزاني، بأنه "منحاز للثورة السورية ورفض زيارة دمشق" ومن هنا يرى أوسي أن حكومة الإقليم متورطة في الأزمة السورية من البوابة الكردية واستقبال البرزاني لقيادة الائتلاف وقوى المعارضة السورية. ولكنه لا يتوقع أن يصل انخراط الإقليم في الأزمة السورية إلى حد المجازفة والتدخل العسكري الذي هدد به البرزاني، قبل الحصول على ضوء أخضر وتفاهمات إقليمية ودولية.
أما بشأن الحيلولة دون حدوث موجات نزوح جديدة مثل الأخيرة مستقبلاً ومساعدة الناس وحثهم على البقاء في بيوتهم وعدم النزوح أو الهجرة إلى خارج البلاد، وما يمكن أن تقوم به السلطات الكردية المحلية، يقول آلدار خليل بأن هناك برامج وخطط وإجراءات سيتم اتخاذها في الصدد، وعلى رأسها كسر الحصار المفروض على المناطق الكردية من خلال فتح الحدود والمعابر بالتواصل والاتفاق مع حكومة إقليم كردستان والحكومة التركية وتأمين الحاجات الأساسية للناس، بالإضافة إلى "تأمين الاستقرار والحماية والأمن للسكان، وإذا اضطررنا سنبني مخيمات ضمن حدود منطقتنا لتأوي من يضطرون لترك ديارهم". وأضاف خليل بأن الاجراءات التي ينوون اتخاذها للحد من نزوج السكان لا تقتصر على محافظة الحسكة ومنطقة الجزيرة فقط وإنما تشمل المناطق الكردية الأخرى في عفرين وكوباني (عين العرب) أيضاً، وكشف لـ DW عربية بأن فتح الحدود ومعابر جديدة لإدخال المساعدات والبضائع من تركيا إلى هاتين المنطقتين كان محور محادثات الرئيس المشترك لحزب الاتحاد الديمقراطي، صالح مسلم، مع المسؤولين الأتراك خلال زيارته الأخيرة لتركيا.
وهكذا يبدو أن القيادات الكردية في سوريا قد أدركت خطورة النزوح الكبير وإخلاء المناطق الكردية، مما سيؤثر سلباً على خططها ومشاريعها السياسية المستقبلية في سوريا وعلاقاتها مع المعارضة والحوار معها حول وضع الأكراد في مرحلة ما بعد سقوط الأسد وسوريا المستقبل.