ناشطة نسائية تطالب بحظر الحجاب في المدارس الألمانية
٢٥ سبتمبر ٢٠١٠تعتبر الصحفية والكاتبة أليس شفارتسر (Alice Schwarzer) من أشهر الناشطين في مجال حقوق المرأة منذ ستينات القرن الماضي. وفي كتابها الجديد الذي يحمل عنوان "التحجيب الأعظم" تدعي شفارتسر بأن الحجاب ليس مجرد قطعة من قماش أو فقط عبارة عن آخر صرخة في عالم الأزياء تتحلى به الفتيات المسلمات. بل هو حسب رأيها "شعار للتطرف الإسلامي وراية الحرب التي يرفعها منذ ثمانينات القرن الماضي على طريق التوسع والانتشار في قلب أوروبا."
وفي حين أن قوانين بعض الولايات الألمانية تمنع المعلمات في المدارس الحكومية من ارتداء الحجاب أثناء تواجدهن في المدرسة، تدعو الصحفية شفارتسر الآن إلى منع الحجاب لدى الطالبات أيضاً وتقول في هذا الإطار: "منع الحجاب للطالبات سوف يتيح للفتيات من العائلات الأصولية أن تتحرك بحرية وبمساواة ولو على الأقل في نطاق المدرسة."
هل يحث المنع على التمسك أكثر بالحجاب؟
ومن المتوقع أن تثير دعوة شفارتسر إلى منع الحجاب رفض القراء الذين يرون في مثل هذه الدعوة انتهاكاً للحقوق الشخصية وحرية الأديان، وهي حريات من المفروض أن تكون بديهية في دولة ديمقراطية مثل ألمانيا. ويتساءل هؤلاء عما إذا كان هذا المنع له أي تأثير أصلاً وإذا ما كان هو بالأحرى سيحفز المسلمات اللاتي يرتدين الحجاب من باب التفاخر بالهوية الإسلامية على التمسك بالحجاب تبعا لمقولة "كل ممنوع مرغوب"؟
توضح شفارتسر والمؤلفات الأخريات اللواتي اشتركن معها في تأليف الكتاب نقاط الصراع بين حق المرء الشخصي أن يكون مختلفاً وبين حق المساواة، وتكتب شفارتسر في هذا السياق: "حق الفتاة بأن ترتدي الحجاب يجعلها تنزوي عن الآخرين في المجتمع ويقيد حرية جسمها. ويجر هذا الحق في التحجب أشياءً أخرى وراءه مثل مطالبة الأهل بمعاملة خصوصية لبناتهم في المدارس، كإقصائهن عن دروس السباحة أو كفصل الجنسين في دروس الرياضة أو الرحلات المدرسية أو حصص التثقيف الجنسي."
هل هنالك شرف من دون حجاب؟
والمعضلة هنا هي أن تطبيق حق الآخَر أن يكون مختلفاًً عن غيره ينتهك قانوناً أساسياً وهو قانون المساواة. و حسب دراسة أجرتها خبيرة الدراسات الإسلامية ريتا بروير في عام 2009، فإن الطالبات المحجبات في المدارس الألمانية يمارسن الضغط على الطالبات غير المحجبات. وتشرح بروير في مقالها المنشور ضمن كتاب أليس شفارتسر أن بعض البنات المحجبات يسألن زميلاتهن من المسلمات اللاتي لا يرتدين الحجاب: "هل تريدين أن تظهري كفتاة ألمانية؟" أو "الحجاب هو شرفنا، أليس لك شرف؟"
هذه الأسئلة والشعارات المُنادى بها في باحات المدارس تُدعم وتُبرر من خلال تفاسير القرآن أو فتاوى أو خطب أو حتى الانترنت. وتضيف بروير: "هذه الشعارات تدعو إلى ارتداء الزي الإسلامي، جاعلة منه مرادفاً لحماية النساء المسلمات وعرضهن، وجاعلة من البدائل الغربية للباس رمزاً شائناً مخجلاً." وتستنتج بروير من هذا: "إن ما اعتبرناه في البدء حرية الفتاة في صالح أو ضد ارتداء الحجاب، تبين أنه سراب." هذا الاستنتاج يشابه استنتاج الكتاب بأكمله، الذي يدعي بأن الإسلام الأصولي يمضي قدماً باتجاه ألمانيا. وهذه هي المشكلة الحقيقية في نظر شفارتسر، التي ترى أن الإسلام الأصولي قد بدأ يتغلغل بشكل منهجي في النظام القضائي ونظام التربية والتعليم في ألمانيا.
حوار وتسامح زائفان
وإذا راعينا النبرة التأهبية هذه، فمن المفاجئ أن تصادفنا أثناء مطالعتنا للكتاب بعض الحقائق الواقعية، التي تستشهد بها أليس شفارتسر من دراسة أجريت مؤخرا حول المسلمات في ألمانيا. فحسب هذه الدراسة لا ترتدي سوى أقلية صغرى من المسلمات في ألمانيا الحجاب. بل حتى من بين اللاتي يصفن أنفسهن بالمتدينات جدا لا تتحجب إلا واحدة من كل اثنتين. وهذا يعني في المقابل أن السواد الأعظم منهن يعيش بعيدا عن الزي الإسلامي وعن المنظمات الإسلامية التي تفرض ارتداء الحجاب.
ومع هذه الأغلبية الصامتة من المسلمات بالذات تريد أليس شفارتسر أن تفتح باب النقاش لمساندتهن. ففي ألمانيا يسود إلى اليوم، حسب رأي شفارتسر، مفهوم خاطئ للحوار والتسامح. إذ ترى شفارتسر أن طرف الحوار مع الجهات الألمانية يجسده في المقام الأول ممثلو المنظمات الإسلامية ذات التوجه الأصولي، ولقد قامت الجهات الألمانية في غالب الأحيان بتلبية رغبات هذه المنظمات خشية من توجيه تهمة العنصرية لها.
مناضلات مسلمات
ومع أن شفارتسر التي أصدرت الكتاب قد وجدت مؤلفات يكتبن بقوة وبلاغة شاركنها تأليف كتاب "التحجيب الأعظم"، إلا أن مؤلفات مسلمات شاركن أيضاً في تأليف هذا الكتاب أيضاً كالصحفية الجزائرية جميلة بن حبيب، التي نشأت في الجزائر ثم عاشت في المنفى في باريس وبعد ذلك هاجرت إلى كندا، حيث تعمل الآن لدى الحكومة الكندية. وتشرح بن حبيب في مقالتها المنشورة في كتاب شفارتسر أنها كانت تخاطر بحياتها وتخرج إلى الشارع دون حجاب رغم تهديدات الجماعات الإسلامية المسلحة في الجزائر.
وتستنتج جميلة بن حبيب في مقالتها: "إذا اعتلى الدين السلطة على الدولة والمجتمع، فلن يكون بوسعنا أن نتحرك بحرية أو أن نطرح الأسئلة أو أن نفكر بعقلانية أو بمنطقية، وهما شيئان مهمان منذ عصر التنوير. بناء مجتمع مدني يتم فقط عن طريق الفصل بين الدين والدولة، فاتحاً بذلك المجال لتطوير نظام مبني على أسس المواطَنة وبعيداً عن الإيمان أو اللاإيمان."
دين ودولة
وبإمكان ألمانيا أن تتعلم الكثير من ذلك، ليس فقط في ما يتعلق بتعاملها مع المسلمين. وفي حالة ما انتهت ألمانيا إلى قرار حظر الحجاب في المدارس، سيؤدي ذلك حتما إلى جدال حاد حول رموز الديانات الأخرى أيضا. ولقد صدر في هذا السياق حكم قضائي ضد تعليق الصليب في المدارس الألمانية، غير أن أثر تطبيق هذا الحكم لازال هامشيا. وبهذا تبقى ألمانيا بعيدة كل البعد عن مفهوم الدولة العلمانية، التي ينحصر فيها الدين في الحياة الشخصية.
آيا باخ / نادر الصراص
مراجعة: طارق أنكاي