ناخبون مصريون: "ثقافة الملهم الأوحد ستنتهي"
٢٣ مايو ٢٠١٢التحلي بالصبر للتصويت في الانتخابات الرئاسية كان السمة التي طبعت المصريين اليوم (الأربعاء 23 مايو/ أيار 2012) وهو يدلون بأصواتهم لاختيار رئيسهم لأول مرة منذ عهد الفراعنة. فـ 50مليون مصري مدعوون للإدلاء بأصواتهم لمدة يومين لاختيار رئيس جديد في 27 محافظة مصرية. وحالة الاستقطاب في البلاد تجعل النتيجة معلقة في الانتخابات التي يخوضها 13 مرشحا. إلا أن المصريين مستمتعون بحالة عدم اليقين بعد أن شاب التلاعب انتخابات الرئاسة خلال 30 عاما قضاها مبارك في السلطة.
"العيال بتوع التحرير"
في اتصال هاتفي أجرته DW عربية مع محمد الدسوقي كان أول تعليق له على تقييمه لمسار الانتخابات الرئاسية: "هذه الانتخابات كسابقتها، أي الانتخابات البرلمانية، تمت برعاية العيال بتوع التحرير"، في أشارة ساخرة إلى الحركات الثورية التي مثلت ضغطا على المجلس العسكري لتسليم السلطة إلى إدارة مدنية منتخبة، عبر التسريع بإجراء الانتخابات الرئاسية. المهندس الزراعي محمد الدسوقي توجه إلى لجنته الانتخابية في محافظ الجيزة في السابعة صباحا حتى لا يضطر إلى الوقوف في الطوابير الطويلة والحر.
محمد الدسوقي عبر عن ارتياحه لمسار العملية الانتخابية حتى الآن في دائرته في محافظة الجيزة. "أجمل شيء أنني لم أر أي دعاية انتخابية للإخوان والسلفيين كما شاهدتها وعاصرتها أثناء الانتخابات البرلمانية". المهندس الزراعي، الذي شارك في العديد من المليونيات في ميدان التحرير وفي أحداث شارع محمد محمود، يقول متحمسا: "مصر بتنتخب، أي صوت سيذهب لعمرو موسى أو أحمد شفيق سيعد خيانة لضحايا ثورة 25 يناير ومن سيصوت لأي منهم سيكون مسئول مسؤولية كاملة عن أي نقطة دم ستسيل في البلاد".
ولكن محمد الدسوقي يعود ويستدرك بالقول: "تجربتي اليوم في الإدلاء بصوتي أعطتني انطباعا أن الانتخابات تسير بشكل صحيح. فالقاضي هو من أعطاني ورقة التصويت وكشف عن بطاقتي الشخصية. ولم أشعر بأي نوع من أنواع التلاعب في الأصوات. ربنا يستر ويكملها على خير!". محمد الدسوقي، الذي انخرط في النشاط السياسي منذ قيام ثورة 25 يناير، يذكر أنه من خلال حواراته مع الناخبين الآخرين خلال انتظارهم الدخول للتصويت اتضح له "أن نسبة عالية من الأجيال الكبيرة في العمر قد تصوت لأحمد شفيق وعمرو موسى، أما الأجيال الصغيرة فقد تصوت الغالبية منها للمرشحين اللي مش (فلول)"، في إشارة إلى أنصار النظام السابق. وينهي محمد حواره معنا بالتعليق:"أنا شخصيا اخترت (واحد مننا)"، أي احد مرشحي الثورة حسب تصنيفه.
"انتخبت من أريده!"
أما الصيدلانية رانيا توفيق فقد توجهت إلى لجنتها الانتخابية في الـ11 صباحا. رانيا تروي لنا قصتها خلال إدلائها بصوتها، حيث أنها وقفت في طابور ليس بالطويل وأهم ما لفت نظرها أنه في دائرتها الانتخابية كانت أفراد الشرطة تنادي على من هم فوق سن الستين لإدخالهم للتصويت عوضا عن انتظارهم في الطابور، وهو أمر أعجبها جدا، على حد قولها. إلا أنها، ورغم قصر الطابور الذي انتظرت فيه، اضطرت للانتظار حوالي ساعة. وعندما استعلمت عن السبب قيل لها إن أحد الشباب يحرر له محضر داخل اللجنة لأنه حاول تصوير ورقته الانتخابية لتوثيق انتخابه للمرشح التابع له، ولذلك أوقفت عملية التصويت حتى الانتهاء من تحرير الواقعة.
وتعكس رانيا انطباعاتها الإيجابية حول مسار العملية الانتخابية بالقول: "لم يتحدث أحد حول المرشحين. والمستشارة في اللجنة التي انتخبت فيها كانت تختم أوراق الانتخابات أمام أعين الناخبين". رانيا شاركت في الاستفتاء على التعديلات الدستورية بعد سقوط حسني مبارك وكذلك في الانتخابات البرلمانية، التي حصدت التيارات الإسلامية أغلبية المقاعد فيها، واليوم شاركت في الانتخابات الرئاسية وهي ترى أن تجربتها الانتخابية اليوم مقارنة بالمرتين السابقتين تشير إلى أن هناك تحسنا في أداء القائمين على مسار العملية الانتخابية.
وتختم رانيا توفيق حوارها مع موقع DWعربية بالقول: "أنا سعيدة! انتخبت من أريده فعلا وليس من أرى أنه علي أن انتخبه حتى لا أفتت الأصوات. مصر تتغير. لا أعرف من سيحصد أغلبية الأصوات، وهذا أمر لا يهمني. الأهم أن الناس بدأؤوا يستوعبون القضية، يتناقشون ويعرفون أن أصواتهم مهمة".
"ثقافة الملهم الأوحد انتهت"
الدكتور سيف الله خورشيد، الأستاذ في كلية الهندسة بجامعة القاهرة، ذهب أيضا إلى لجنته الانتخابية بمحافظة القاهرة في ساعة مبكرة من اليوم واضطر إلى الوقوف فترة طويلة رغم أنه كان في طابور مخصص لمن هم فوق سن الستين ويقول ضاحكا: "عملت حسابي، وأخذت معي كرسيا يُطوى!". خورشيد رصد عدة ظواهر خلال فترة انتظاره للإدلاء بصوته قائلا: "طابور الانتظار كان طويلا جدا، القاضي المشرف على العملية الانتخابية كان دقيقا في أداء عمله وفي تأكده من بيانات الناخبين، لم أسمع أحدا يتكلم أو يقوم بدعاية للمرشحين".
إلا أن الأستاذ الجامعي أبدى استغرابه من تغيير رقم لجنته الانتخابية بالرغم من أنه كشف عنها قبل بضعة أيام في الانترنت. كما "حاول بعض الناس تخطي الأدوار في الطوابير للدخول أسرع للإدلاء بأصواتهم، إلا أن كل من كانوا في الطوابير عبروا عن استيائهم واضطروا إلى الالتزام بنظام الدخول. المصريون فاهمين جدا، هذا ما لاحظته خلال حديثي مع الناخبين الآخرين"، يقول خورشيد. وتعتبر هذه هي المرة الثالثة التي يذهب فيها خورشيد للإدلاء بصوته بعد الاستفتاء على التعديلات الدستورية والانتخابات البرلمانية. ويقارن خورشيد بين هذه التجارب الثلاث بالقول: "في الاستفتاء لم اضطر إلى الانتظار طويلا، فلم يكن الإقبال كبيرا في لجنتي الانتخابية هذه، ولم أر أي ملصقات للمرشحين هذه المرة مقارنة بالانتخابات البرلمانية".
خورشيد عاصر محطات عديدة في تاريخ مصر عبر حكم عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك إذ يقول: "إصراري على الذهاب للتصويت منذ اندلاع ثورة 25 يناير ينبع من أن ثقافة الملهم الأوحد ستنتهي وإلى الأبد. كان يجب أن يمر على مصر ناصر والسادات ومبارك لنصل إلى ما وصلنا إليه اليوم. صوتي الآن بيفرق! لقد تحدثت كثيرا مع طلابي ودخلت معهم في حوارات حول من قد يكون الأصلح للرئاسة واتفقنا في النهاية على أن من يمثل ثورتهم (ثورة الشباب) ليس ضابطا وليس إخوانيا وليس من الفلول". ويشدد خورشيد في نهاية حواره مع DWعلى أن مطلبه الأول من رئيس الجمهورية القادم هو العمل على الانتهاء من وضع الدستور وإلا "فسيكون لدينا سائق وليس لدينا سيارة".
هبة الله إسماعيل
مراجعة: أحمد حسو