"رئيس مصر القادم سيتمتع بصلاحيات تنفيذية واسعة"
٢٣ مايو ٢٠١٢DW: السيد ديميلهوبر، قبل الانتخابات انتقدت بعض الجماعات معايير الاختيار الانتخابية، وخاصة بعض الجماعات الإسلامية حيث اتهمت الجهات المشرفة على الانتخابات بالتحيز كما وضعت نزاهة الانتخابات محل تساؤل. كيف ترى هذا الأمر؟
توماس ديميلهوبر: إن العلاقات بين الدول والعلاقات الاجتماعية قد تغيرت جذريا منذ بداية العام الماضي تقريبا، حيث حصل تطور في ثقافة الاحتجاج والجدال، والتي أصبحت تأخذ حيزا في منتديات مختلفة. في هذا السياق جرت الانتخابات البرلمانية في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، في واقع الأمر كانت انتخابات حرة ونزيهة، وهي خطوة مهمة نحو مزيد من المشاركة الديمقراطية. ومنذ بداية الثورة وهناك تعبير عن احتجاج ضد التعديلات الدستورية. ومع ذلك - أو حتى بسبب هذا التغيير في آليات الاحتجاج والتعبير عن السخط – من المتوقع إلى حد كبير أن تجري الانتخابات الرئاسية في جو طبيعي وسلمي.
ومع ذلك كانت هناك اتهامات بوجود توافقات قبل بدء الانتخابات.
في الوقت الحاضر هناك الكثير من الشائعات حول علاقة الجيش وجماعة الإخوان المسلمين. فمن الواضح أن الإخوان المسلمين أصبحوا فاعلين أقوياء، وذلك بسبب قوة حزبي العدالة والنور في البرلمان المصري. كما أن الأحزاب المنتمية إلى التيار الإسلامي تمتلك تقريبا ثلاثة أرباع المقاعد في البرلمان المنتخب حديثا، والنتيجة هي أن هذه القوة التأثيرية السياسية، يجب أن يأخذها المجلس العسكري في عين الاعتبار. حتى لو كانت كل السلطات التنفيذية ما تزال في يده، فإنه لا يمكن تجاهل مراكز السلطة الجديدة التي شكلتها الانتخابات البرلمانية. إلى أي مدى هناك توافقات غير رسمية؟ من الصعب جدا الحكم الآن، ولكن عدم الوضوح في علاقات السلطة يشكل بطبيعة الحال أرضية خصبة لنظريات المؤامرة من جميع الأنواع.
إذا أخذنا بعين الاعتبار المناقشات التي جرت من قبل، فإن الناخب المصري مهتم بقضايا محددة أكثر من القضايا التي كان مهتما بها أثناء الانتخابات البرلمانية، فهل سيشكل الجانب الاقتصادي عاملا مهما في هذه الانتخابات؟
في واقع الأمر على المرء أن يستحضر أن مصر تعاني حاليا من مشاكل في الاقتصاد الكلي وعلى نطاق واسع. وعلى الرغم من أن البيانات الأخيرة تشير إلى أن الاقتصاد المصري يتحسن تدريجيا، فإن التوقعات الاقتصادية للسنوات القريبة المقبلة ليست مرتفعة بما يتلاءم مع النمو الديموغرافي للسكان. بالنسبة للناخبين فإن الأهم الآن هو الاستفادة من أرباح الثورة الاقتصادية والاجتماعية. إنهم يريدون وضعا اقتصاديا أفضل مما كان عليه الأمر في ظل نظام مبارك الاستبدادي. ولذلك، فإن المفاوضات مع الجهات المانحة الدولية والإقليمية هي في غاية الأهمية، لأنه بدون تلك المنح ستكون مصر على حافة الإفلاس.
يتذمر الكثير من المصرين من الأوضاع القائمة حاليا بعد الثورة ويتوقون إلى عودة الحياة إلى طبيعتها
نعم، الأمن مسألة لا تقل أهمية عن الاقتصاد. بعد الثورة، لم يعد العديد من رجال الشرطة إلى الخدمة، وذلك لخلق فراغ أمني، وهو فراغ لا يقدر الجيش على ملئه إلا بطرق بدائية. يتوق معظم المصريين إلى العودة إلى مزيد من الاستقرار والأمن، وليس هذا ببعيد عن الاقتصاد، لأن ذلك هو أساس النشاط الاقتصادي العادي والحياة الطبيعية.
ما مدى التأثير الذي سيكون للرئيس الجديد؟ وإلى أي مدى يمكن أن يؤثر في صنع القرار السياسي؟
بناء على الدستور الانتقالي الحالي، الذي ما يزال ساري المفعول، سوف يكون للرئيس المقبل صلاحيات تنفيذية واسعة. السؤال المركزي الآن هو كيف سيتطور النقاش الحالي حول الدستور الجديد، وهو نقاش تحول إلى القضاء المصري والجمعية التأسيسية، التي كان من المفروض أن تجتمع منذ فترة طويلة، ولكن ولذلك لم يحدث. لذلك فإن النقاش الدستوري هو حاليا قيد الانتظار. كذلك هناك محاولات لتعديل المعايير الأساسية في النظام الرئاسي، كالاتجاه نحو نظام أكثر برلمانية إلى حد كبير. أفترض أن الرئيس بموجب الدستور الجديد أيضا سوف يحظى بسلطات أساسية.
ومع ذلك، فإنه من المحتمل أن يستمر الجيش كقوة سياسية مؤثرة؟، كما يعتقد البعض، أليس كذلك؟
هذا يطرح السؤال كيف يمكن للجيش الحفاظ على امتيازاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية في فترة ما بعد نقل السلطة إلى حكومة مدنية. هنا تظهر استراتيجيه واضحة للاستفادة من الثورة نفسها. للجيش في الوقت الحالي حق حماية الدولة خلال الفترة الانتقالية وضمان وحدة واستقرار البلاد. وهذا النوع من المراقبة للمؤسسات من وجهة نظر المجلس العسكري سيستمر حتى في المستقبل.
كيف ترى مخاوف الثوار؟ يبدو في الأشهر الأخيرة كما لو أن مطالبهم بدولة مدنية ذات توجه علماني ذهبت في مهب الريح؟
يشعر الثوار والمتظاهرون الأوائل وكأنهم خدعوا. لقد تواجد المتظاهرون في الشارع 18 يوما من أيام الثورة كمواطنين وليس كمسلمين. كانت مطالبهم لإجراء تغييرات سياسية جذرية فيها صفات علمانية. وبالإضافة إلى ذلك كان الاحتجاج في البداية غير طائفي، حيث أن الأقباط والمسلمين طالبوا معا بالإطاحة بالنظام. شباب الثورة الطلائعيين هم المجموعة الأولى التي واجهت بنجاح جهاز الشرطة التابع لنظام مبارك، في وقت لاحق أصبحت الاحتجاجات مطلبا اجتماعيا عاما. لكن في الأشهر التالية فشلت هذه القوى في تنظيم نفسها في إطار مؤسساتي أو في أحزاب، كما أنهم في نهاية المطاف أصابوا بالخوف العديد من أطياف المجتمع وذلك بسبب لهجتهم الثورية الراديكالية. لقد تركوا بذلك فراغا سياسيا استفاد منه الفاعلون السياسيون الأكثر تنظيما. ونتيجة لذلك حقق الإسلاميون في الانتخابات البرلمانية في نوفمبر/ تشرين الثاني و ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي فوزا واضحا.
حاوره: كيرستن كنيب
ترجمة: ريم نجمي
مراجعة: عبده جميل المخلافي
الدكتور توماس ديميلهوبر هو أستاذ مساعد في العلوم السياسية في جامعة هيلدسهايم.