مهاجرون يعودون لأوطانهم من النمسا بآمال خائبة
٨ فبراير ٢٠١٦تنهمر دموع *محمد عندما يسمع طفلا كرديّاً على كرسيٍّ متحرّك، يبلغ من العمر أربعة عشر عاماً يتكلّم عن أمّه. يقول الطفل الكردي بألمانية شبه متقنة، إنه وصل مع أبيه إلى النمسا للعلاج الطبي قبل عام. وحصلا على الحماية الجزئية، ويمنحهم هذا النوع من اللجوء إقامة لمدّة سنة مع إمكانية التجديد، ولكن لا يحق لأمه الالتحاق بهم بناء على ذلك. الطفل وأبوه جاءا إلى جمعية حقوق الإنسان المحلية على أمل أن يستطيع العاملون مساعدتهم. وعندما قال الصغير إنه يشتاق لأمه، بدأ محمد (22 عام) الذي كان موجوداً بالنحيب.
"إنّ أمّي مريضة" يقول محمد ببساطة. تبدأ بالنحيب في كل مرّة يهاتفها عبر سكايب لاشتياقها إلى ابنها. ويرتفع ضغط دمها بشكل جنوني لقلقها عليه. يقول محمد إنه قدم إلى النمسا ليبدأ حياة جديدة ويجعلها فخورة به، لكنه بدلاً من ذلك سيعود إلى العراق بسترة جديدة وأحلام مهشّمة. وهو ليس وحيداً في ذلك، فعدد قياسي من المهاجرين يغادرون النمسا بشكل طوعي، لأنهم لا يستطيعون الاستمرار بحياة طي النسيان، غير قادرين على العمل أو تعلم الألمانية ولا الحياة بشكل طبيعي ويفتقدون عائلاتهم.
يقول مدير الجمعيّة غونتر إكار إنّهم ساعدوا في كانون الثاني 347 شخصاً، معظمهم رجال من العراق، في العودة إلى ديارهم، وحوالي 2500 شخصاً تقريباً عام 2015. يتوقع إكار أن يتضاعف الرقم هذا العام. وتعمل الجمعية مع المنظمة الدولية للهجرة لتهيئة أوراق ورحلات السفر اللازمة للعائدين.
أهلا بكم في النمسا
وزيرة الداخليّة النمساوية يوهانا ميكل لايتنر لا ترى مشكلة في ذلك، فقد صرّحت أنها ترغب بجعل النمسا غير جذابة للمهاجرين. وتهدف إلى إعادة خمسين ألف مهاجر على الأقل خلال الأعوام الثلاثة المقبلة. اتُّهم المكتب المحافظ للوزيرة بالبطء في تهيئة سكن لائق للقادمين الجدد، مع تدفق الأعداد الكبيرة من اللاجئين العام الماضي. الخيم التي نصبت في لينز في مارس/ آذار الماضي تصدّرت عناوين الصحف في ذلك الوقت، وتساءل المواطنون لم لا تستطيع أمتهم الغنيّة معاملة المهاجرين بشكل إنساني.
تقدّمت كوادر من المتطوعين للترحيب بالمهاجرين حين أحجم عن ذلك قادة البلاد. وأمضى المتطوعون الصيف في توفير الطعام والملابس والمأوى مشفوعاً بابتساماتهم الدافئة ليُرحبّوا بالواصلين. ونظمّت المؤسسات الخيرية مثل كاريتاس ودياكوني المتطوعين وجمعت التبرعات، واستضافت بعض العائلات مهاجرين، وانتشر الترحيب بهم في العديد من الأوساط.
ترك محمد تركيا الصيف الماضي، حيث كان يعمل خلال الأشهر الثمانية عشرة الأخيرة وقدِم إلى النمسا ليدرس الهندسة في الجامعة كما كان يأمل. لقد ترك بغداد ليبحث عن عمل يعيل به عائلته، لكنه كان يرغب في حياة أفضل من الوظائف الجزئية التي كان يستطيع التقاطها. دفع أكثر من أربعة آلاف يورو (4.370$) للمهربين ليصل إلى النمسا قبل ستة أشهر، لقد كدح لأجل هذا المبلغ، لكنه اعتقد أن القادم يستحق ذلك. وبعد أن أمضى عدّة أشهر في مركز الوصول، الذي تم اتهامه بتوفير ظروف لا إنسانية من مجموعات حقوق الإنسان مثل أمنيستي، أُرسل محمد إلى قرية بويس في النمسا السلفى، حيث سكن في بيت مشترك حتى وقت قريب.
الناس هناك كانوا لطفاء، يقول محمد، لكنه شعر بالضجر. يأتي متطوعون مرتين في الأسبوع لتدريس الألمانية للمقيمين في المنزل. عدا ذلك تُرك محمد لأفكاره. لا عمل، لا مدرسة، لا مال، وأمه تبكي على الطرف الآخر من الاتصال. ساعدته الجمعية بترتيب رحلة العودة إلى بغداد، حيت من المقرر أن يسافر خلال هذا الأسبوع.
إنه محظوظ! يعلّق شابّان وصلا توّاً إلى الجمعية دون موعد. لم يرغب الشابان بإعطاء أسمائهما لقلقهما أن التذمر من شروط المعيشة حيث يقيمان في صالة دوسيكا الرياضية، قد يسيء إلى فرصة بقائهما في النمسا. إنهما يقيمان هناك منذ أربعة أشهر. حيث يعمل حمّام واحد، وأُغلق البقية واحدا بعد الآخر بعد تعطلّها. الطعام هناك سيء ولا يتلقيّان أية مساعدة في اللغة ولا يمتلكان أيّة خصوصية في المكان.
غداً، هو الجواب الذي يحصلان عليه عندما يسألان عن الـ 40 يورو التي من حق كل طالب لجوء الحصول عليها كمصروف جيب. لذا ترسل لهما عائلتهما النقود من إيران. يحتاجان المال لشراء التذاكر للمواصلات ليصلا للمدينة بشكل قانوني، كما يقولان.
حياة مختلفة
تعمل مستشارة حقوق الإنسان شارا مجيد في الجمعية منذ تأسيسها في 2004، وتقول إنّ مكتبها يزدحم بسرعة منذ الصباح بأشخاص لديهم الرغبة بمعرفة حقوقهم. بعضهم ضاقوا ذرعاً ويرغبون في الرحيل، البعض الآخر، مثل الشابين الإيرانيين على استعداد، حتى الآن، للبقاء للحصول على مرادهما، لأنهما يخافان من الانتقام إن عادا إلى إيران، كما يقولان.
*فرهاد، 31 عاماً، لا يهتم لذلك وسيعود إلى إيران. لم يُسمح له بعبور الحدود الألمانية ليلة رأس السنة بعدما دفع لعدد من المهربين عن طريق البلقان ما مجموعه 4.750 يورو ليصل إلى ألمانيا. كان يأمل أن يحتفل ببداية جديدة في بلد جديد، إلا أنه عوضاً عن ذلك أمضى الليلة في خيمة للصليب الأحمر عند الحدود. شقّ فرهاد طريقه إلى سالزبورغ لأنه لا يرغب بالانتظار، حيث حاول بعد عدة أيام العبور إلى ألمانيا مرة ثانية. ألقت الدوريات القبض عليه ليلاً وأُرسل إلى خيمة ليمضي الليلة فيها. يقول إنّ أحداً لم يقل له إنه بإمكانه تقديم طلب لجوء في النمسا، قيل له فقط إنه تجاوز القانون وسيتم احتجازه في اليوم التالي. ثلاثة رجال يلبسون الزي الرسمي للشرطة أو قوّات الأمن ربما، وأحدهم كانت تفوح منه رائحة الكحول، قاموا بضربه عند منتصف الليل، كما يقول. لا يتحدّث فرهاد الألمانية، فقط بعض الإنكليزية، لكنه يعتقد أنهم كانوا يصرخون طالبين منه الرحيل. ويقول من خلال مترجم "كنت أعتقد أنّ الشرطة الإيرانية فقط تفعل ذلك".
المتحدثة الرسمية باسم شرطة سالزبورغ، إيرين شتاوفر قالت، إنّ أيه حالات اعتداء في سالزبورغ لم تسجّل خلال الأشهر التي ساعدت المدينة فيها اللاجئين. وأضافت أن العاملين في الصليب الأحمر كانوا سيلاحظون شخصاً بحاجة للمساعدة. يقول الشاب الإيراني إنه هرب بعد مغادرة الرجال الثلاثة واستطاع الوصول إلى فيينا في آخر المطاف، ولكن دون أية أوراق أو حقوق ودون أن يطلب اللجوء في النمسا. يعيش فرهاد الآن مشرّدا، ينام في مأوى لأحد الجمعيات الخيرية التي توفّر له أيضاً وجبة من الحساء كل ليلة، لكنه لم يستحم منذ أسابيع، وكل ما يرغب به الآن هو العودة إلى إيران. ويقول: "لقد تخيّلت حياة مختلفة".
* تم تغيير الأسماء بناء على طلب أصحابها.