من القاهرة إلى "الدولة الإسلامية": رحلة الجنة.. والموت
٤ سبتمبر ٢٠١٤مشاهد لتنظيم مسلح يرفع رايات سوداء ويذبح ويقتل بدم بارد، ويهدد ويتوعد هذا وذاك، ويحوي في صفوفه مقاتلين من كل أنحاء العالم، لا سيما مصر. قد يكون هؤلاء المقاتلين "إرهابيون" في نظرك، إلا أنهم في نظر آخرين "أبطالًا"، يتداولون قصصهم ويحكون أساطيرهم، قد يتفقون ويختلفون حولهم، إلا أنهم في النهاية يحوذون تقديرهم واحترامهم، فهؤلاء يؤمنون أن "للداعشين" قضية و"للدولة الإسلامية" أساس وشرعية.
DW عربية التقت شابا مصريا تربطه بـتنظيم الدولة الإسلامية أكثر من مجرد مشاهد على شاشات التلفزيون، إذ انضم صديقان له إلى التنظيم أسماهما "أبطالًا". أحدهما انتهى به الحال في العراق والآخر في بلاد الشام. فلماذا سافرا ولماذا لم ينضم إليهما؟ وكيف تحول الشابان العاديان كأبناء جيلهما، إلى مقاتلين يبحثان عن الموت قبل الحياة.
الجمعية الخيرية طريق البداية:
شادي ليس هو اسمه الحقيقي، لكنه قرر أن يكون اسمه التعريفي في لقائه بـ DW عربية، شاب مصري كغيره من الشباب الجامعي، ينتمي لأسرة متوسطة، اعتاد ارتياد المسجد منذ صغره، هو الذي ولد بإحدى دول الخليج، ولم يلبث مع وصوله سن البلوغ، أن ترك لحيته، كما تحول لارتداء الجلباب القصير، ليس في كل الأوقات، إنما في أحيان كثيرة.
في منتصف سنوات مراهقته، قرر شادي الالتحاق بإحدى الجمعيات الخيرية الشهيرة، لتكون له طريقًا يساعد به الغلابة والمحتاجين، كما أمره دينه، وهناك، وبعد عدة سنوات من العمل في الجمعية، كان التعارف على مجموعة من الشباب "الملتزمين"، كما يحلو لهم أن يطلقوا على أنفسهم.
"كان ضمن المجموعة شابان يكبراني بسنوات قليلة، لم يكونا ملتزمين من البداية، لكنهما التزما والتحقا بالجمعية، وكانا من أكثرنا حماسًا للعمل. كانا يبدوان وكأنهما يحاولان التكفير عن ما سبق"، يقول شادي لـ DW عربية. ويتابع: "أحدهما كان في كلية الطب والآخر كان يدرس الهندسة وكانا ذكيين ولم يَكنا متطرفين أبدًا في أفكارهما".
من سوريا "أدعوكم إلى الجنة":
في سوريا، كان قتال الجماعات الإسلامية المسلحة والقوات النظامية التابعة للرئيس بشار الأسد، يلقى متابعة كبيرة من هؤلاء الشباب، حسبما أوضح شادي. وكانت مساعدة السوريين في أزمتهم غرضهم جميعًا. "كنا نجمع تبرعات للسوريين الفقراء في مصر، ونمدهم بمساعدات. وكانت فكرة الذهاب إلى سوريا للجهاد ونصرة الثورة والإسلام مطروحة بيننا، لكن لم يتخذ احد منا الخطوة لتحقيقها إلى أن فوجئنا بأحد الشابين، وهو طالب الطب، يختفي في الشهور الأخيرة من العام الماضي"، يقول شادي.
ويتابع: "اتصل بنا لاحقًا وعرفنا أنه في سوريا وقد انضم إلى تنظيم "دولة الإسلام في العراق والشام"، ولا أحبذ أن أسميها "داعش"، بل هي الدولة الإسلامية".
انضمام الشاب لتنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا كان بمثابة عامل مشجع للآخرين من نفس المجموعة، فكان لا يفوت اتصال إلا ويدعوهم للانضمام إليه ونصرة الحق. ويوضح شادي كيف كان الشاب الذي دعاه بخالد، وهو ليس اسمه الحقيقي كذلك، يحفزهم للذهاب لسوريا واللحاق به قائلًأ: "كان يقول أدعوكم إلى الجنة. كان يصف الأجواء والمعارك هناك بأنها الجنة ويدعونا للحاق به لنصرة الإسلام ضد أعدائه، وإحياء دولة الإسلام ورفعة شأن الدين".
محاربة "كفار جيش المالكي"
الدعوة وجدت آذانًا صاغية من طالب الهندسة، والذي دعاه بمحمود، وأيضًا هو ليس اسمه الحقيقي. محمود لم يسافر إلى سوريا، بل آثر السفر إلى العراق والالتحاق بكتائب تنظيم "الدولة الإسلامية" هناك لمحاربة "جيش المالكي"، كما قال شادي. "كان يرى أن رئيس الوزراء العراقي (المنتهية ولايته) نوري المالكي وجيشه "الشيعي" يضطهدان المواطنين السنة، واختار محمود أن يناصر أهل مذهبه ضد من يراهم "كفارًا" في الأساس، ويساعد على إقامة دولة الإسلام".
ورفض شادي أن يفصح عن الطريقة التي سافر بها كلا الشابين، قائلًا لـ DW عربية: "قد أكون أعلمها وقد أكون لا أعلمها، هناك بعض التفاصيل التي لا يمكن أن أحكيها، فهي تظل بيننا".
الشاب الأول، خالد، قتل في سوريا على يد جماعة إسلامية أخرى هي جبهة النصرة، فيما يقول شادي في شهادته لـ DW عربية إنه قتل بالخطأ: "هاجمت قوات الدولة الإسلامية أحد الأحياء، وكانت تتصور أنه تحت سيطرة قوات الأسد، إلا أنه في الحقيقة كان تحت سيطرة جبهة النصرة، وقتل خالد في المعركة"، ولم يفصح الشاب المصري عن مصدر تلك المعلومة. أما محمود، الذي انضم لنفس التنظيم في العراق، فقد اختار "الشهادة"، حسب قول شادي، وقام بعملية انتحارية مفجرًا نفسه في عدد من جنود "جيش المالكي"، حسب تعبير صديقه.
"النضال السلمي أهم من الجهاد المسلح"
"كانا يبحثان عن الطريق إلى الجنة ونصرة دينهما. لا يجب أن نحكم عليهما، قد يكونان على صواب وقد يكونان على خطأ"، يقول شادي عن صديقيه. وعن عدم انضمامه إليهما يرد قائلًا: "لا أؤمن حاليًا أن العنف هو الطريق الصحيح للتغيير، ليس من معتقداتي، لكلٍ معتقداته الخاصة، لكننا جميعا نؤمن بالقضية، وهؤلاء الأبطال ضحوا من أجلها بالطريقة التي رأوها من وجهة نظرهما صوابًا".
ويتابع الشاب شادي: "لا أرى أن الدولة الإسلامية إرهابيون كما يقول البعض، لكنني أرى أن هناك أولويات هي أولى أن توضع في الاعتبار، وأهمها توعية الناس بعيدًا عن الإعلام الفاسد وتهيئتهم للحكم الإسلامي، وأنا أرى أن النضال السلمي أهم حاليًا من الجهاد المسلح".
واختتم شادي حديثه لـ DW عربية قائلًا: "لا يهمني ما يقوله الناس عن الأبطال، فسيظلوا في عينيّ أبطالًا. والحقيقة أن الكل يتحدث ولا يفهم شيئًا، ورسالتي للجميع اقرأوا قبل الحديث وتأكدوا من معلوماتكم".