حوار مع اللاهوتي هانز كونغ
٧ سبتمبر ٢٠٠٧دويتشه فيله: السيد كونغ، تحظى المواضيع الدينية مرة أخرى باهتمام كبير، وليس فقط في ألمانيا. هل يمكن أن نتحدث عن عودة جديدة للدين؟
هانس كونغ: عودة الأديان، مفهوم ملتبس. فالدين لم يختف يوما، شأنه شأن الموسيقى، ظل الدين قائما، حتى وإن تم كبته في الأعماق لبعض الوقت. لكن الصحيح هو أنه منذ الإنبعاثة الجديدة للإسلام، مع الثورة الإسلامية في إيران سنة 1979، أدرك الأوروبيون أنهم لا يستطيعون إدارة العالم لوحدهم.
دويتشه فيله: " لا سلام بين الأمم دون سلام بين الأديان! لا سلام بين الأديان دون حوار بين الأديان!" إنهما قاعدتان أساسيتان فيما اصطلحت عليه "الأخلاق العالمية" (فيلت إيثوس). وفي زمن العولمة يقدم لنا الإنترنت إمكانيات كثيرة للتواصل وبفضله أصبحت عملية نشر المعارف أسهل من قبل. هل يمكن لهذا التطور أن يدعم الحوار بين الأديان؟
هانس كونغ: مبدئيا يمكنني الرد بالإيجاب، رغم أن تلك العملية تصاحبها مشاكل كثيرة. لكنه أمر إيجابي أننا نملك اليوم معرفة بالأديان الأخرى. لكن القضية الأخرى تتمثل في رغبة الإنسان إلى التعرف على الآخر، فالكثيرون لا يريدون ذلك، ويزعمون الإحاطة بكل شيء، رغم أنهم لم يدرسوا الإسلام.
دويتشه فيله: من ذا الذي لا يريد معرفة ذلك؟
هانس كونغ: إنهم من جهة أصوليون مسيحيون، يفهمون الإنجيل بشكل دوغمائي ويدعون أنهم لا يحتاجون إلى الأديان الأخرى. لكن قد يتعلق الأمر بعلمانيين دوغمائيين، يرفضون كل شيء له علاقة بالدين، ويظلون غير قادرين على التعامل
وفهم الدور الجديد الذي يلعبه الدين على مسرح السياسة العالمية.
دويتشه فيله: وفقا لاستطلاع رأي فإن المسيحية ليست الدين الأكثر شعبية في أوساط الألمان، بل البوذية. كيف تفسرون ذلك؟
هانس كونغ: ينظر إلى البوذية في الغرب كدين حر من المبادئ العقدية، كديانة بدون واجبات كثيرة. إنه دين يتوجه إلى الداخل، ويقوم على التأمل، وليس بالدين المأنسن إلى حد كبير، ولا يتحدث عما بعد الموت، من جهة أخرى فإن المسيحية وبتركيزها للسلطة في مؤسسة البابوية، تبعث النفور في نفوس الكثيرين، فالناس لا يتفقون مع بابا يعتبر نفسه السيد الروحي للعالم ويرى بأن المسيحي الحقيقي هو وحده من ينضوي تحت لواءه وأن كنيسته الرومية الكاثوليكية وحدها الكنيسة التي تملك الحقيقة، فلا عجب أن ينفر الكثيرون من ذلك، حتى وإن كانوا لا يقدمون على التظاهر علنا ضد ذلك.
دويتشه فيله: لنعد إلى الإسلام. فنتائج استطلاع الرأي تقول بأن ثلاثة وأربعين في المائة أجابوا بأن البوذية هي الدين الأكثر مسالمة، مقابل واحد وأربعين للمسيحية، في حين أن واحدا في المائة فقط قالوا بأن الإسلام دين سلم. هل الإسلام عدو للغرب؟
هانس كونغ: أجل الإسلام عدو للغرب، لكن المرء في هذا السياق لا يركز إلا على جوانب محددة. وهو أمر يصدق على التاريخ أيضا. فالأوروبيون يتحدثون فقط عن احتلال اسبانيا من طرف المسلمين بين القرن الثامن والخامس عشر واحتلال البلقان من طرف العثمانيين، لكنهم يتناسوا أن المسيحيين لم يخوضوا فقط حروبا صليبية ولكن سيطروا على كل العالم الإسلامي في القرن التاسع عشر من المغرب وحتى اندونيسيا. وهنا تكمن المشاكل، التي لم يستطع الغرب حل الكثير منها. الأ مر يسري أيضا على العلاقات بين الفلسطينيين وإسرائيل. فلو أنه تم توقيع اتفاق سلام بعد حرب الأيام الستة سنة 1967، لما كان هناك بن لادن ولا هجمات نيويورك الإرهابية، ومقابل ذلك ازداد الشعور في العالم الإسلامي بأن الغرب يسيطر على الأراضي المقدسة ويتوسع في أفغانستان، ولهذا تتكون في كل مكان من العالم الإسلامي جماعات مناهضة للغرب، شباب بدون أفق يتحول إلى الإرهاب، لكن يجب التساءل أيضا لماذا اختار هؤلاء الشباب طريق الإرهاب والعمليات الانتحارية.
دويتشه فيله: هل يمكن للكنيسة الكاثوليكية أن تضطلع بدور أكبر في حل هذه الصراعات ودعم الحوار بين الأديان؟
هانس كونغ: يجب الاعتراف بدءا بأن البابا يوحنا بولس الثاني رفض حرب العراق بشكل واضح، شأنه في ذلك شأن نيافة بطريرك موسكو وكبير أساقفة كانتبيري، والمجلس العالمي للكنائس، إضافة إلى المجمع الكنسي الأمريكي. لم يعد من السهل تعبئة الكنائس للدخول في حرب كما كان الأمر عليه في الماضي. ولكن بالطبع يمكن بذل جهود أخرى، فيما يتعلق بالتنوير. ولما وصف البابا في ريغنسبورغ الإسلام على أنه ديانة عنف، تبدى له بعد ذلك بأن ذلك كان الطريق الخطأ. يتوجب على المرء أن يفكر بآثار الدماء التي تركتها المسيحية في تاريخ البشرية، حينها سيتحلى المرء بالتواضع ولن يزعم بأن ديانته، ديانة للحب وأن الآخرين يملكون ديانة تقوم على الحقد. فحتى الغالبية الكبرى من المسلمين في مصر والمغرب وأفغانستان وباكستان تريد السلام مثلي ومثلك.
دويتشه فيله: لكن حتى وإن كان المرء ينظر إلى الإسلام بعين متشككة في أوروبا، إلا أنه يمتلك جاذبية كبيرة بالنسبة للكثيرين من الشباب. هناك أكثر من مليار مسلم، والعدد في ازدياد، فمن الرباط وحتى دمشق تنشط جماعات إسلامية، وتزداد مع الوقت أهميتها السياسية، إلى ماذا يرجع ذلك؟ هل يلعب العنصر الديني أو الاجتماعي دورا في ذلك؟
هانس كونغ: أعتقد بأن العنصرين معا يلعبان دورا كبيرا في ذلك. فمن ناحية لدينا جماعات دينية، تقدم خدمات إنسانية للفقراء، والعديد من المسلمين في بلدانهم، يشعرون بأن النخب السياسية تخلت عنهم وأنها تعيش بعيدا عن الشعب ومشاكله. لكن الجماعات الإسلامية تبذل جهدها من أجل تقديم شيء للناس. إنها تهتم بالمدارس والتعليم، وتقدم الطعام واللباس. لماذا فازت حماس في الانتخابات؟ لأنها اختارت خدمة الناس، وأحد أكبر الأخطاء التي ارتكبتها السياسة الغربية، وإليها تنتمي السياسة الألمانية أيضا، عدم الاعتراف بهذه الانتخابات الديمقراطية، وبدلا من ذلك، طالبت حماس وفي لغة آمرة بأن تعترف بإسرائيل! تقولون ذلك لناس يعيشون منذ عقود تحت الاحتلال. ليست تلك طريقة حل هذه المشاكل. ويتوجب على المرء الاعتراف بأن هناك أحزابا تتخذ من الإسلام مرجعية لها، ولكنها في الآن نفسه تعمل على خدمة الناس. خير مثال على ذلك، حزب رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان. لماذا انتصر هذا الحزب؟، لقد أظهر، ورغم كل الضعف الذي يعاني منه، بأن يستطيع أن يدفع بالبلاد خطوات جبارة إلى الأمام، ولم يعمل البتة على بناء دولة إسلامية على الطريقة الإيرانية. إنه حزب يريد الديمقراطية، لكنه لا يريد أن يسجن الإسلام فيما هو شخصي فقط، كما فعل أتاتورك.