منح المرأة الكويتية لحقوقها السياسية نقلة نوعية في الذهنية الخليجية
وافق مجلس الأمة الكويتي (البرلمان) على منح المرأة الكويتية حقوقها السياسية بعد جلسة ماراثونية عقدها في 17 مايو/ مايو 2005. واعتبر المراقبون هذه الجلسة من أصعب الجلسات في تاريخ الحياة البرلمانية الكويتية. ووافق المجلس على مشروع الحكومة المتضمن السماح للمرأة الكويتية بممارسة حقوقها السياسية في الانتخاب والترشيح للمجالس النيابية في مداولته الثانية وأحاله إلى الحكومة لإصداره كقانون يتم تنفيذه على أرض الواقع فيما بعد. وغمرت الفرحة ردود فعل الحركة النسوية الكويتية التي وصفت هذا التطور بأنه "تاريخي". ووفقاً لوجهة نظر الناشطة الكويتية عائشة الرشيد فإن هذه النقلة النوعية تعبر عن "هزيمة نكراء للأصولية الكويتية وللتخلف والجهل"، على حد قولها.
يوم تاريخي للمرأة الكويتية
تنص المادة الأولى من مشروع القانون الإنتخابي الجديد على أنه "لكل كويتي بالغ من العمر إحدى وعشرين سنة ميلادية كاملة حق الانتخاب ويستثنى من ذلك المتجنس الذي لم يمض على تجنيسه عشرون سنة ميلادية وفقا لحكم المادة 6 من المرسوم الأميري رقم 1 لسنة 1959 بقانون الجنسية الكويتية". وتضيف المادة أنه "يشترط للمرأة في الترشيح والانتخابات الالتزام بالقواعد والأحكام المعتمدة في الشريعة الإسلامية". كما ألغت المادة الثانية من مشروع القانون كل حكم يخالف أحكام هذا القانون. وتجدر الإشارة بالذكر في هذا السياق إلى أن مطالبة المرأة الكويتية بحقوقها السياسية الأساسية في الكويت مر بمراحل نضال عديدة، كما ترجع هذه إلى أكثر من 34 سنة ضمن سلسلة المطالبات والاقتراحات سواء كان من أعضاء مجلس الأمة أو الحكومة.
عقلية ذكورية سلطوية في إطار ديني
وفي غمرة هذه الاحتفالات يصعب تجنب طرح السؤال التالي: إذا كانت المرأة العربية وعلى مر العصور قد أثبتت قدرتها وقابليتها على العمل لخدمة مجتمعها، فهي كانت طبيبة وشاعرة وسياسية وملكة، فما الذي يمنع مشاركتها الفاعلة الآن، بصفتها نصف المجتمع، في كافة مرافق الحياة وميادين المجتمع؟ وعلى الرغم من أن معظم الفقهاء المسلمين يتحفظون على أهلية المرأة لممارسة العمل السياسي، ويستند الكثير منهم في حكمهم على أحاديث نبوية متناقضة المعنى ومختلفة السياق وضعيفة الاسناد، إلا أن حقائق التاريخ تناقض أحكامهم، كما أنه لا توجد أسباب عقلانية يمكن من خلالها تبرير تهميش المراة ومنعها من ممارسة حقوقها الأساسية. وفي غضون ذلك ترى الباحثة هبة رؤوف عزت، المدرسة المساعدة للعلوم السياسية في جامعة القاهرة، أن معالجة هذه القضية لا تنفصل عن مسألة التجديد الكلي للفكر الإسلامي المعاصر وذلك لتحقيق نوع من الموائمة الضرورية بين روح الإسلام ومتطلبات الحياة العصرية.
وفي الواقع يتم صياغة الوصاية على المرأة العربية في المجتمعات العربية، من أجل الحلول دون حصولها على حقوقها، في إطار ديني أو في إطار يدعي حماية "العادات والتقاليد". المحزن في هذا السياق هو أن هذه المعايير صيغت من منظور عقلية ذكورية سلطوية تخشى خطر فقدان إمتيازاتها الاجتماعية. كما أن التمثيل النسوي الذي تسمح به بعض الحكومات العربية لا يمثل إلا محاولة لذر الرماد في العيون. فلكي تكون للمرأة مشاركة حقيقية في المجتمع، لا بد أن يتنازل الرجل عن إمتيازاته من أجل بناء توازن بناء عقلاني في العلاقة بين الجنسين.
مساواة المرأة ضرورة إنسانية وتنموية
وبعيداً عن ثقافة التحجيم والإقصاء التي تعد إرثاً من مخلفات العصور الوسطي، ونوعاً من التغييب الذي لا يصمد أمام أية جدل عقلاني، فإن استمرارية عملية التنمية لا يمكن أن تنجح دون المشاركة الفعالة للعنصر البشري بنوعيه، وان ضمان ديمومة التنمية مرهون بمشاركة المرأة بشكل خاص من خلال إندماجها في البرامج الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فهى تشكل نصف الموارد البشرية، ولذلك فإن منعها الكلي أو الجزئي من المشاركة في عملية التنمية سيؤدي إلى وقف عجلة التنمية والإصلاح.
وفي هذا الإطار يجب التذكير بأن محاولات القوى الإسلامية المتشددة، وخاصة السلفية منها، إفشال هذا التعديل المواكب لإستحقاقات الحداثة، يطرح تساؤلات حول مفهوم وجدية توجهاتها الديمقراطية في الوقت الذي تحاول فيه الإدارة الأمريكية والإتحاد الأوروبي صياغة أرضية لحوار معها ومحاولة دمجها في العملية السياسية العربية. كما ينبغي الإشارة إلى أن الأغلبية السنية الإسلامية تعتمد في رفضها لحقوق المرأة السياسية على فتاوى تحرم استلام المراة لمنصب سياسي يرتبط بما يعرف فقهيا بـ"الولاية العامة"، على الرغم من أن العديد من الدول والجماعات الإسلامية أجازت ذلك. وفي المقابل يؤيد الكويتيون الشيعة بشكل كامل حقوق المراة السياسية. وبغض النظر عن حقيقة أن الممارسة العملية اليومية لكل إنسان في أي مجتمع هي بالضرورة عمل سياسي، فإن هذا العمل لا ينحصر فقط في العملية الانتخابية. فكل إنسان يعمل وينتج "يتعاطى السياسة"، أو على حد تعبير الفيلسوف اليوناني أرسطو:"الإنسان بطبيعته كائن سياسي".
لؤي المدهون