مفاوضات الملف النووي الإيراني أمام منعطف حاسم
تقف المفاوضات بين الإتحاد الأوروبي الذي تمثله فرنسا وألمانيا وبريطانيا وبين الحكومة الإيرانية من أجل إقناعها بتجميد برنامجها النووي الخاص بتخصيب اليورانيوم على مفترق طرق. فالحكومة الإيرانية رفضت العرض الأمريكي الأخير بتخفيف القيود الاقتصادية عنها والكف عن معارضتها لانضمام طهران إلى منظمة التجارة الدولية، مقابل تخلي الأخيرة عن محاولاتها الحثيثة لتخصيب اليورانيوم. وأعلن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية محمد رضا آصفي أن" الجمهورية الإسلامية عاقدة العزم على مواصلة استخدام التكنولوجيا النووية لأغراض مدنية. واضاف أن الضغوط أو التهديدات أو العروض التشجيعية لن تنجح في إجبارها على التخلي عن حقوقها المشروعة".
فشل سياسة العصا والجزرة
أكدت وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس على أن الإدارة الأمريكية لا تملك حالياً خططا لمهاجمة أهداف إيرانية. ودلت مواقفها خلال الأيام القليلة الماضية على الاقتراب من تبني الموقف الأوروبي الذي يرى أن لكل شيء ثمناً وحلاً عقلانياً. كما يرى بإمكانية إقناع الحكومة الإيرانية بأن إصرارها على السير قدماً ببرنامجها النووي سيكون أكثر ضرراً لمصالحها من التخلي عنه. غير أن الجديد في الموقف الأمريكي لا يعني "تغييراً جذرياً" إزاء الإصرار على حرمان إيران من إمكانية تطويرها لسلاح نووي في المستقبل. كما لا يعني استبعاد اللجوء إلى استخدام القوة وسياسة لي الذراع التي تميل إليها إدارة الرئيس بوش الابن. وعلاوة على ذلك فإن فشل الدبلوماسية الأوروبية وإخفاق "سياسة العصا والجزرة" في إيجاد حل سياسي لهذه الإشكالية الشائكة سيدفعان الإتحاد الأوروبي إلى تبني موقف صارم تجاه الحكومة الإيرانية التي تحاول كسب المزيد من الوقت بكل الوسائل حسب مصادر الاتحاد، وهو ما عبر عنه ممثلو الدول الأوروبية الثلاث فرنسا وألمانيا وبريطانيا في رسالتهم الموجهة إلى الرئاسة الدورية الحالية للإتحاد الأوروبي والتي قالوا فيها:" إذا لم تتعاون الحكومة الإيرانية معنا بشكل جيد، وإذا لم يتحقق التقدم الذي ننتظره منذ شهور خلال الأسابيع المقبلة فلن يبقى لنا خيار آخر سوى إحالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن الدولي."
وسائل ضغط محدودة الفاعلية
الخلاف بين أوروبا وأمريكا حول كيفية التعامل مع الملف النووي الإيراني هو خلاف يتعلق بتكتيك التعامل معه وليس بجوهر ذلك، فكلاهما يرى وجوب تخلي إيران عن طموحاتها بتطوير سلاح نووي، حتي لو اضطر الأمر إلى استخدام القوة "كخيار أخير" للحيلولة دون صعودها إلى قوة نووية يصعب التأثير عليها. الجدير ذكره في هذا السياق هو حقيقة عدم توفر وسائل ضغط حقيقة وفاعلة في يد المجتمع الدولي يمكن من خلالها إجبار الحكومة الإيرانية على التخلي عن برنامجها النووي، وهذا ما أشار إليه حسن روحاني مدير البرنامج النووي الإيراني في شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي بقوله: "صحيح أن الرئيس الأمريكي بوش وضع إيران على لائحة "محور الشر"، ولكن إدارة بيل كلينتون الديمقراطية قامت بفرض أكثر العقوبات الاقتصادية سوءاً عليها." وعلى ما يبدو فإن الحكومة الإيرانية تعول على مساندة الصين التي تملك حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي من أجل إحباط أية مشروع قرار يضر بمصالحها.
مصالح اقتصادية ألمانية معرضة للخطر
يعتبر الاتحاد الأوروبي أكثر القوى الاقتصادية الإقليمية أهمية لإيران بحكم كونه الشريك التجاري الأكبر للاقتصاد الإيراني. كما أن العلاقات الاقتصادية بين ألمانيا وإيران تنمو نمواً متزايداً وسريعاً حيث إرتفع عائد الصادرات الألمانية إليها خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الماضي بنسبة وصلت إلى 30%. خطر فقدان هذه الفرص التجارية الكبيرة في إيران والدور الذي تلعبه كونها تملك ثالث أكبر احتياطي عالمي من النفط يوضح بشكل جلي أسباب قلق الاقتصاديين الألمان من تصعيد المواجهة بين الحكومة الإيرانية من جهة والإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى. ففي حالة قيام مجلس الأمن الدولي بفرض عقوبات اقتصادية على طهران سيكون على اللشركات الألمانية الالتزام بها. وسيتسبب هذا بدوره في خسائر هامة للاقتصاد الألماني ولموققعه في السوق الشرق أوسطية.