معاناة سكان شمال غزة.. حياة "أشبه بالجحيم" ومصير مجهول
١٠ يناير ٢٠٢٥على مدار الأربعة عشر شهرا الماضية، لم يكن هاجس السيدة الغزاوية زهرة وعائلتها المؤلفة من سبعة أفراد سوى البحث عن الأمان، ما دفعهم إلى الانتقال من جباليا إلى بيت لاهيا في شمال القطاع وحتى وصولهم إلى مدينة غزة أواخر العام الماضي.
قالت زهرة لـ DW إن الحرب "منذ بدايتها، كانت قاسية، لكنها الآن باتت وكأنها جحيم".
ومنذ وصولها إلى مدينة غزة، تسكن زهرة وأسرتها داخل منزل مدمر جزئيا في مخيم الشاطئ. وفي ذلك، قالت: "لا نعرف ما إذا كنا سنرى نهاية لهذه الحرب أم سنهلك قبل أن تنتهي".
ورغم أوامر الجيش الإسرائيلي لهم بالتوجه إلى جنوب قطاع غزة، إلا أن عائلة زهرة قررت البقاء في شمال القطاع، خوفا بشكل جزئي من عدم تمكنهم من العودة إلى ديارها على الإطلاق.
وقالت "لم نتحرك صوب الجنوب في وقت سابق لأننا كنا نعلم أن القصف يحدث في كل مكان وكنا نأمل أن تنتهي العملية العسكرية في الشمال قريبا. ولكن بدلا من ذلك، أصبح الأمر لا يطاق أكثر وأكثر. بات منزلنا في مخيم جباليا مدمرا بالكامل منذ أشهر، والآن أصبحنا في نزوح مستمر".
يأتي ذلك مع صعوبة التوصل إلى اتفاق يرمي إلى وقف إطلاق النار في غزة والإفراج عن الرهائن الذين ما زالوا محتجزين في القطاع.
ورغم ضغوط الأطراف الدولية على حماس وإسرائيل لإبرام اتفاق، إلا أن مثل هذا الاتفاق يبدو وكأنه بعيد المنال على أقل تقدير حتى الآن.
وقبل أيام، قال الجيش الإسرائيلي إنه استهدف أكثر من مئة هدف في جميع أنحاء قطاع غزة بعد أن أطلقت حماس صواريخ على إسرائيل الأسبوع الماضي.
"حاجة لتوفير أساسيات البقاء على قيد الحياة"
وفي ظل طقس شديد البرودة وهطول الأمطار، بات العيش داخل المنازل المؤقتة والخيام أمرا في غاية الصعوبة، بينما حذرت منظمات إنسانية من أن المساعدات لا تصل إلى النازحين بشكل كافٍ، ويرجع ذلك جزئياً إلى تعقيدات وصولها وكذلك بسبب أعمال النهب.
وأفاد الدفاع المدني في غزة الأحد (5 يناير/كانون الثاني) بمقتل ضباط أمن كانوا يحرسون قوافل المساعدات في جنوب القطاع في غارات إسرائيلية. وذكر الدفاع المدني أن الجيش الإسرائيلي كان يقصف أحياء ويفجر مباني سكنية في شمال غزة، مما أدى إلى سقوط ضحايا ما بين قتيل وجريح.
وقالت السلطات الصحية التابعة لحماس في غزة إن أكثر من نحو 46 ألف شخص قتلوا منذ أن شنت إسرائيل هجومها الواسع النطاق في قطاع غزة عقب هجوم حماس الإرهابي عليها في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ويقع شمال غزة في قلب العمليات العسكرية الإسرائيلية التي بدأت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ويقول الجيش الإسرائيلي إن حماس وجماعات مسلحة أخرى تعكف على إعادة تجميع صفوفها في تلك المنطقة، مضيفا أن أوامر الإخلاء تهدف إلى إبعاد المدنيين عن أي ضرر.
بيد أنه في المقابل يقول فلسطينيون ومنظمات إنسانية إن القطاع يفتقر إلى الأمان، بينما يفاقم النزوح المستمر الوضع أكثر وأكثر.
وفي نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، سُمح لوفد أممي بالسفر إلى شمال قطاع غزة.
وفي تغريدة على منصة إكس، قال جوناثان ويتال، القائم بأعمال رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في القدس الشرقية، في مقطع فيديو نُشر على موقع "إكس"، إن "الناس هنا يفتقرون إلى الطعام والماء والصرف الصحي. يفتقرون لكل شيء... نحن بحاجة إلى توفير أساسيات البقاء على قيد الحياة".
وقال ويتال إن الأمم المتحدة قدمت 140 طلب تنسيق خلال الشهرين الماضيين إلى الجيش الإسرائيلي لتفقد المنطقة، لكن جرى رفضها جميعا.
وفي رده، قال مكتب تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق، وهي دائرة إدارية مدنية-عسكرية إسرائيلية مسؤولة عن تنسيق وصول المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، في تغريدة على منصة إكس إن "الادعاءات الأخيرة بشأن رفض طلبات التنسيق الإنسانية مضللة".
تكهنات بشأن خطط إسرائيل
وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن ما بين 10 آلاف إلى 15 ألف شخص ما زالوا يعيشون في شمال القطاع بما في ذلك بيت لاهيا وجباليا وبيت حانون، لكن الأعداد الدقيقة غير معروفة.
ويقال إن معظم الأحياء في شمال القطاع جرى إخلاؤها من السكان وتسويتها بالأرض، مما يعزز التكهنات التي تشير إلى أن إسرائيل تنوي تحويل المنطقة إلى ما يشبه منطقة عازلة بعد انتهاء الحرب.
ونفى الجيش الإسرائيلي تنفيذ ما أُطلق عليه "خطة الجنرالات" التي تدعو إلى طرد سكان شمال غزة من خلال تصنيف كافة المدنيين الذين لم يغادروها أهدافا عسكرية ومنع وصول الطعام والإمدادات الطبية.
ومؤخرا دعا أعضاء لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست، وزير الدفاع الإسرائيلي إسرائيل كاتس إلى تدمير جميع مصادر المياه والطعام والطاقة في شمال غزة على خلفية أن الجيش الإسرائيلي لم يهزم حماس بعد.
ويشار أن حركة حماس، وهي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.
الكفاح من أجل البقاء على قيد الحياة
وقال سكان في شمال القطاع إن هناك نقصًا حادًا في الغذاء والمياه، في حين جعل القصف المستمر أي حركة شبه مستحيلة، بما في ذلك الوصول إلى الممرات الإنسانية للتوجه جنوبًا.
وقالت زهرة إن عائلتها تمكنت في النهاية من الوصول إلى مخيم الشاطئ للاجئين في شمال غرب مدينة غزة، لكنهم اضطروا إلى التوقف عند نقطة تفتيش إسرائيلية. وأضافت "سمح لي بالمرور أنا وبناتي الثلاث، بينما اضطر زوجي وابناي إلى الانتظار لمدة خمس ساعات قبل أن يُسمح لهم أيضاً بالعبور".
ولم يكن حال عائلة مطر زملط أحسن حالا من عائلة زهرة؛ إذ اضطرت إلى مغادرة مخيم جباليا الذي بقوا فيه منذ بدء الحرب.
وقال مطر لـ DW، إن القصف مستمر طوال الوقت، مضيفا: "نعيش وسط خوف دائم. كنت أحصل على بعض الطعام من المنازل المحيطة بعد التحدث مع أصحابها، الذين كانوا يخبرونني أنهم تركوا بعض الطعام أو مواد معلبة بعد نزوحهم من منازلهم".
لكن العائلة اضطرت في ديسمبر/كانون الأول الماضي إلى التحرك صوب مدينة غزة رغم القتال العنيف.
وقال مطر "كنا نخشى أن يتم إطلاق النار علينا. في اليوم الذي قررنا فيه المغادرة، تحركنا في الظهيرة وسلكنا شارع صلاح الدين. كان هناك دبابة وجنود أوقفونا. بعد التحقق من هوياتنا، سمحوا لنا بالمرور".
لكن العائلة اختارت البقاء في شمال القطاع بدلا من التحرك جنوبا.
"لا نعرف مصيرنا"
ويقسم المنطقة ممر نتساريم وهو طريق يضم نقاط تفتيش عسكرية من الشرق إلى غرب القطاع. وبمجرد أن يعبر الفلسطينيون إلى جنوب القطاع، لا يمكنهم العودة إلى شماله.
ونقل تقرير استقصائي نشرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عن جنود يخدمون في المنطقة قولهم إنه جرى إطلاق النار على فلسطينيين غير مسلحين اقتربوا من المنطقة للعودة إلى شمال القطاع، مما أسفر عن سقوط قتلى.
وقالت الأمم المتحدة إن 90 بالمئة من سكان غزة البالغ عددهم 2.1 مليون نسمة، قد نزحوا واضطر العديد منهم للنزوح مرات عدة، مما أثار بعض الشكوك حيال ما إذا كان سيُسمح لهم بالعودة إلى ديارهم.
وقالت زهرة "لا نعرف مصيرنا، لا نعرف ما الذي سيحدث لنا في المستقبل. لكننا نتضرع إلى الله بأن تنتهي الحرب قريبا حتى نتمكن من العودة إلى أحيائنا ومنازلنا، حتى لو كانت مدمرة".
أعده للعربية: محمد فرحان