هل تطبق إسرائيل استراتيجية "الاستسلام أو التجويع" في غزة؟
١٩ أكتوبر ٢٠٢٤التوغل الإسرائيلي الأخير في مخيم جباليا في شمال غزة كان كارثياً على السكان الذين عانوا مسبقَاً من القصف في حرب إسرائيل مع حماس، التي دخلت عامها الثاني.
يقول محمد، الذي لم يرغب في ذكر اسمه عائلته، عبر الهاتف، لـDW: "الوضع هنا خطير. لا أحد يستطيع التحرك. الوضع خطير وغير آمن. طلبوا منا المغادرة، لكن لم يكن هناك وقت. فجأة، كانت المنطقة محاصرة وتحت النيران".
قبل حوالي أسبوعين، شن الجيش الإسرائيلي هجوماً برياً جديداً في مخيم جباليا للاجئين في شمال غزة، حيث أمر الناس بمغادرة المنطقة مرة أخرى. وقالت القوات الإسرائيلية إن الاستخبارات أظهرت أن حماس تحاول إعادة تنظيم نفسها في المنطقة.
يخشى الفلسطينيون والأمم المتحدة أن يكون الغزو الأخير جزءاً من تنفيذ أوسع لاستراتيجية "الاستسلام أو التجويع" من قبل إسرائيل لتهجير سكان الشمال بالقوة وإغلاق شمال غزة، وهي خطط تنفيها إسرائيل. أكدت مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في بيان: "يبدو أن الجيش الإسرائيلي يقطع شمال غزة بالكامل عن باقي القطاع".
يقول محمد، البالغ من العمر 41 عاماً، أن زوجته وأطفاله الثلاثة كانوا يزورون أقاربهم في الجوار عندما تحركت الدبابات وتكثفت الغارات الجوية في جباليا. وطُلب منهم البقاء في مكانهم. "أحاول أنا وجيراني أن نبقى قريبين من بعضنا البعض، نحاول مشاركة ما تبقى من الطعام والماء. لا أعرف إلى متى سيستمر ذلك"، يقول محمد.
يقدر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة أن حوالي 50 ألف شخص تم تهجيرهم من جباليا خلال الأسبوعين الماضيين، بينما بقي آخرون محاصرين في منازلهم بسبب القتال العنيف الجاري حولهم. وحسب المكتب، توجد حوالي 84% من الأراضي توجد اليوم تحت "أوامر إخلاء" من قبل الجيش الإسرائيلي.
الوضع في شمال غزة "مرعب"
في وقت سابق من هذا الشهر، نشر الجيش الإسرائيلي خريطة توضح أوامر الإخلاء الجديدة في عدة مناطق من قطاع غزة، بما في ذلك بيت حانون وجباليا وبيت لاهيا في شمال غزة، تم حث السكان على المغادرة فوراً بسلوك طريق صلاح الدين، وهو طريق رئيسي على طول الساحل من شمال غزة إلى جنوبها، للوصول إلى "المنطقة الإنسانية" المخصصة، وهي منطقة مكتظة تفتقر إلى الخدمات الأساسية في جنوب غزة، وقد استهدفتها إسرائيل في الماضي.
لكن الكثير منهم يشعرون بالإرهاق من التهجير ويبدو أنهم يبحثون عن مأوى داخل شمال غزة في ظل القصف المتزايد والقتال. آية توفيق، ممرضة متطوعة، هربت مع أشقائها ووالدها من جباليا إلى الشيخ رضوان، وهو حي في شمال مدينة غزة. تقول آية لـ DW عبر رسالة نصية: "لا نريد الذهاب إلى الجنوب. الظروف هناك قاسية. لا نريد العيش في خيمة تحت قصف وحيث الموت"، لكنها وصفت الوضع في جباليا بأنه "مرعب" حيث اقترب القتال من المنطقة التي توجد فيها عائلتها الآن. "نحن نقيم في منزل قريب من منطقة الإخلاء الجديدة. يمكننا سماع الانفجارات، أصوات الدبابات والطائرات المسيرة فوقنا. لا نعرف ما إذا كنا نستطيع البقاء هنا أم لا"، توضح آية، لافتة أن الناس يتحركون باستمرار بحثاً عن الأمان.
ويشار أن حركة حماس، وهي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.
حلم العودة إلى الديار
تقول خدمات الطوارئ في غزة إنها لا تستطيع التنقل في مناطق القتال العنيف، وبالتالي فطلب النجدة من هذه المناطق يبقى دون إجابة. "هناك مخاطر كبيرة على سلامة المسعفين والدفاع المدني للوصول إلى هذه المناطق"، يوضح فارس عفانة، مدير خدمات الإسعاف في شمال غزة، مؤكداً "هناك أعداد كبيرة من المصابين، وهناك جثت شهداء منتشرة في الشوارع".
يقدر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية أن ما لا يقل عن 400 ألف شخص يوجدون في شمال قطاع غزة، بما في ذلك مدينة غزة، أكبر مدينة في القطاع. كانت هناك أسباب متنوعة لمن بقوا في شمال غزة على الرغم من الأوامر العسكرية المتكررة خلال العام الماضي للذهاب إلى الجنوب، عندما بدأ القتال. بعضهم يعتني بالأقارب المسنين والمرضى، آخرون يرفضون ببساطة أن يقتلعوا من منازلهم، بينما آخرون يشعرون بعدم الأمان في الذهاب إلى أي مكان في ظل التهديد المستمر بالغارات الجوية. الكثير من العائلات مشتتة في جميع أنحاء غزة.
يخشى كل من محمد وآية توفيق ألا يُسمح لهما بالعودة إلى بيتيهما في شمال غزة. القطاع الصغير الآن مقسم بممر نتساريم، وهو طريق جديد يسيطر عليه الجيش الإسرائيلي ويمتد من الشرق إلى الغرب في وسط قطاع غزة. يقول السكان إن الطريق جعل من شبه المستحيل العودة إلى الشمال.
ودعت حماس المدنيين إلى تجاهل دعوة الانتقال إلى مناطق أخرى في شمال القطاع وعدم الذهاب جنوباً. كما ادعى الجيش الإسرائيلي في بيان يوم الاثنين أن مقاتلي حماس كانوا يمنعون بعض الناس من المغادرة.
"خطة الجنرالات"
أدت التحركات العسكرية الأخيرة وأوامر الإخلاء إلى تكهنات بين الفلسطينيين ووسائل الإعلام والمنظمات الإنسانية بأن الحكومة الإسرائيلية تنفذ تدريجياً استراتيجية "الاستسلام أو التجويع"، المعروفة بـ "خطة الجنرالات"، في شمال غزة.
وقد اقترحت مجموعة من الضباط المتقاعدين بقيادة اللواء المتقاعد غيورا آيلاند، مستشار الأمن الوطني السابق الخطة. وحسب التقارير الإعلامية الإسرائيلية، ناقش مجلس الوزراء الإسرائيلي عدة خيارات، لكن من غير الواضح ما إذا تم تبني أي منها.
تشير التقارير إلى أن الاستراتيجية تهدف لإجبار حماس وقائدها، يحيى السنوار، على الاستسلام من خلال وضع الضغط على السكان المتبقين في الشمال.
كان ذلك قبل إعلان الجيش الإسرائيلي مقتل السنوار يوم 17 أكتوبر/تشرين الأول.
لطالما اتهمت إسرائيل حماس وكذلك بقية الجماعات المسلحة بالاختباء بين السكان المدنيين. بموجب الخطة، سيؤمر المدنيون بالمغادرة عبر ممرات الإخلاء في جنوب غزة وسيتم إغلاق الجزء الشمالي بشكل رسمي. سيتم اعتبار أي شخص متبقٍ مقاتلاً عدائياً، وستُمنع جميع الإمدادات في حصار كامل.
لكن يشار إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمر بزيادة كبيرة في شحنات المساعدات للسكان الذين يعانون في قطاع غزة، حسبما ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية يوم الجمعة (18 تشرين الأول/ أكتوبر 2024). وذكرت هيئة الإذاعة العامة الإسرائيلية "كان" أنه في المستقبل، ستنقل 250 شاحنة يوميا مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة . وجاء قرار نتنياهو ردا على التهديدات الأمريكية بتقليص شحنات الأسلحة إلى إسرائيل إذا لم يتحسن وضع السكان الفلسطينيين المدنيين في قطاع غزة.
ووفقا للهيئة الإسرائيلية المسؤولة عن الشؤون الفلسطينية، دخلت 50 شاحنة
محملة بالمساعدات إلى غزة يوم الأربعاء الماضي كما دخلت 30 شاحنة أخرى
الجمعة.
اليمين المتطرف يطالب بعودة الاستيطان
ذكرت صحيفة "هآرتس" اليسارية الإسرائيلية هذا الأسبوع أن مسؤولين كبار في الدفاع أشاروا إلى أن القيادة السياسية تدفع باتجاه ضم أجزاء من قطاع غزة. يأتي ذلك في ظل دعوات متجددة من السياسيين والوزراء اليمينيين المتطرفين لعودة الاستيطان في غزة.
وأعلنت مجموعات يمينية متطرفة عن تجمع كبير في الأيام المقبلة لـ"التدريب" على إعادة الاستيطان في غزة. ومع ذلك، فقد كرر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو نفيه أي خطط للسماح للمستوطنين الإسرائيليين بدخول غزة. وبينما لم يتضح بعد ما إذا كان الجيش قد تبنى أي مكونات من الخطة في غزوه الحالي، فقد توالت تحذيرات المسؤولين في الأمم المتحدة.
وقال منسق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مهند هادي، في بيان يوم الأحد، إنه منذ الأحد، الأول من تشرين الاول/أكتوبر: "قطعت السلطات الإسرائيلية بشكل متزايد إمدادات أساسية عن شمال غزة". وأضاف البيان أن العمليات العسكرية أجبرت المخابز والمراكز الطبية والملاجئ على الإغلاق، بينما "شهدت المستشفيات تزاحماً بعد الإصابات الناجمة عن الصدمات النفسية".
بالنسبة لأشخاص مثل آية توفيق، يعدّ البقاء على قيد الحياة في ظل الغزو الإسرائيلي الأخير هو الأهم. تؤكد آية توفيق: "هذا الغزو أصعب من السابق. لم يعد لدينا طاقة. نحن منهكون للغاية. نحارب باستمرار للبقاء على قيد الحياة، وحتى لا نفقد عقولنا".
أعده للعربية: ع.ا