مصر- مكاسب الاقتصاد تلاحق ملاليم غالبية الناس
١٧ يونيو ٢٠١٨منذ انطلاق برنامج الإصلاح الاقتصادي في عام 2014 وتعويم الجنيه المصري في عام 2016 وأسعار جميع السلع والخدمات إلى ارتفاع في وقت تتراجع فيه القوة الشرائية لأكثر من ثلتي المصريين. فبعد عملية التعويم التي ضاعفت سعر الدولار مقابل الجنيه المصري تراجع مستوى الرواتب والأجور مقومة بالدولار إلى مائة بالمائة. وزاد الطين بلة معدلات التضخم المرتفعة التي وصلت صيف العام الماضي 2017 إلى 34 بالمائة. وعلى الرغم من تراجع معدل التضخم إلى ما دون 12 بالمائة مؤخرا والزيادة الطفيفة على الأجور بنسبة 7 بالمائة وعلى المعاشات بنسبة 15 بالمئة، وبالرغم من الحزم الاجتماعية للحكومة، فليس هناك حتى الآن ما يشير إلى تراجع عدد المصريين الذين يعيشون دون خط الفقر بمستوى دخل للفرد يقل عن 500 جنيها مصريا في الشهر، أي ما يعادل أقل من 30 دولارا بالشهر.
الغلاء يزيد عدد الفقراء
وحسب بيانات الجهاز المركزي المصري للاحصاء فإن نسبة هؤلاء شكلت في عام 2015 نحو 29 بالمائة من السكان، أي حوالي 25 مليون مصري. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن بطاقات الدعم التمويني والاجتماعي الحكومي للمحتاجين ما تزال تشمل حتى الآن 70 مليون مصري، فإن عدد الفقراء ازداد بعدما وصل إلى فئات كانت في عداد الطبقة الوسطى بسبب ارتفاع الأسعار الذي أنزلها عدة درجات في السلّم الاجتماعي لمستويات المعيشة. وتعكس هذه الأرقام تدني مستوى الدخول وارتفاع نسبة البطالة التي ما تزال متفشية في صفوف الشباب. ولا يغير من ذلك بشكل ملموس التراجع الطفيف في نسبة العاطلين مؤخرا على ضوء استقطاب أعداد لابأس بها منهم في المشروعات القومية وفي مقدمتها العاصمة الإدارية الجديدة ومشروع الضبعة النووي ومشروعات حقول الغاز والطاقة الكهربائية وتطوير الطرق والمناطق الصناعية.
أين ثمار النمو؟
من خلال نظرة على تصريحات وبيانات المسؤولين وصناع القرار المصري مؤخرا يلاحظ المتابع – إذا ما قام باستثناء الوعود الكثيرة العامة عن قرب تحسن المستوى المعيشي للمصريين- قلة الكلام والإشارة إلى مخاطر الفقر والبطالة وتدني مستوى المعيشة التي تشكل قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر مظاهرات واحتجاجات في أية لحظة. بالمقابل يلاحظ المتابع التغني والفخر بشكل شبه يومي في إنجازات الرئيس السيسي وحكومته الجديدة التي تحققت مؤخرا على صعيد مؤشرات الاقتصاد الكلي. ويأتي في مقدمة هذه الانجازات زيادة الاحتياطات بالعملات الصعبة إلى أكثر من 44 مليار دولار، وارتفاع معدلات النمو إلى 5 بالمائة، وزيادة تدفق الاستثمارات الخارجية في البورصة وضخ المزيد من غاز البحر المتوسط وتحقيق وفر في الموازنة. وإذا كانت هذه البيانات تثير حماس ومديح صندوق النقد الدولي والدائنين والمستثمرين، فإن غالبية الناس تسأل، لماذا لا تنعكس هذه الانجازات بسرعة أكثر على مستويات الأجور والدخول؟ وهناك من يسأل، ما نفع معدلات النمو العالية التي بالنسبة لعامة الناس الذين لايلمسون عوائدها على أجورهم ومرتباتهم كل سنة أو سنتين أسوة بدول أخرى كثيرة؟
مباركة صندوق النقد
في هذه الاثناء ورغم استمرار الوعود بتحسين مستوى حياة غالبية المصريين، تستمر الحكومة في تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي الضروري والذي كان ينبغي القيام به منذ سبعينات القرن الماضي. وقد بارك صندوق النقد الدولي هذا البرنامج وقدم قرضا لمصر بقيمة 12 مليار دولار على دفعات مقابل شروط تتلخص في اتباع سياسة تقشقية صارمة تقود إلى رفع الدعم الحكومي لأسعار السلع الأساسية والخدمات العامة وزيادة الضرائب. وكان آخر هذه الزيادات رفع أسعار الكهرباء بنسبة 26 بالمائة بعد رفع أسعار المياه والبنزين قبل ذلك. وينتظر المصريون المزيد من ارتفاع الأسعار خلال العامين الماضيين الباقيين لتنفيذ الشروط المذكورة أعلاه. ومما يعنيه ذلك في حال عدم مضاعفة الأجور على الاٌقل، استمرار تدني مستوى معيشة غالبية المصريين وانسداد الآفاق أمام مستقبلهم ومستقبل أبنائهم.
لا جدال في أن سياسة الإصلاح الاقتصادي في مصر لا غنى عنها، لكن الجدال هو في كيفية تنفيذها وعلى حساب من؟ حتى الآن تركز سياسات الإصلاح على رفع الأسعار والضرائب والمشروعات القومية الضخمة أو الكبيرة التي تلتهم أموالا طائلة. أما السؤال هنا فهو: أين وعود الحكومة بدعم ونشر المشروعات الصغيرة والمتوسطة والمبدعة لتصل إلى الأرياف من خلال تعميم التدريب المهني والتأهيل وتقديم الاستشارات والرعاية والقروض الميسرة وما شابهها من الشروط اللازمة لنشر ثقافة هذه المشاريع بشكل مستدام؟
سياسة اقتصادية جديدة ولكن...؟
صحيح أن المشروعات القومية كالعاصمة الإدارية ومشروعات الطاقة تساعد على استيعات نسبة لابأس بها من العمالة، غير أن ذلك يقتصر غالبا على فترة الإنشاء في حين تحتاج مصر إلى استيعاب مستدام للعمالة التي تشكل مشكلة خطيرة تهدد استقرار البلاد. الجدير ذكره أن مليون شاب مصري يتدفقون سنويا إلى سوق العمل التي لايمكنها استيعاب القسم الأكبر منهم. وحسب خبرة الكثير من الدول التي وصلت إلى مرحلة الازدهار وقضت على مشكلتي الفقر والبطالة، فإنّ حل مشكلة البطالة مرهون بمدى كثافة انتشار المؤسسات والشركات الصغيرة والمتوسطة في المدن والأرياف بشكل يحد من الهجرة الداخلية المؤدي الى توسع المناطق العشوائية وأحياء الصفيح حول المدن. ومن هنا، فإن هناك حاجة ماسة لاستدارة فعلية في السياسة الاقتصادية المصرية نحو إعطاء هذه الشركات أهمية لا تقل عن أهمية المشروعات الضخمة التي تحتاج إلى أضعاف ما تحتاجه تلك الشركات من المال. السؤال المطروح هنا هو: هل تقوم الحكومة المصرية الجديدة بذلك؟ حتى الآن لا يوجد ما يشير إلى هذه الاستدارة الضرورية قبل فوات الأوان.