مشاهدة كأس العالم ـ "حُلمٌ مُشَّفَر" عن الملايين من الفقراء
٥ يونيو ٢٠١٠رياضة كرة القدم هي في الحقيقة رياضة الفقراء. فكبار اللاعبين على مستوى العالم أجمع بما في ذلك البلدان العربية تقريبا عشقوا هذه اللعبة وتدربوا عليها في الشوارع والأزقَّة، من أمثال مارادونا ورنالدينيو وغيرهما من كبار نجوم كرة القدم العالمية. أبرز لاعبي كرة القدم في العالم عشقوا كرة القدم وهم في سن الطفولة وبدأوا مشوارهم الرياضي باللعب في الطرقات والأزقة الضيقة وباستخدام كرات بلاستيكية وأخرى مصنوعة من الجلد أو القماش. لكن هذه الرياضة أصبحت مع مرور الزمن أكثر الرياضيات شعبية في العالم، وهكذا بدأ الاهتمام العالمي والإعلامي بكرة القدم يزداد عاماً بعد عام وشهراً بعد شهر ويوماً بعد يوم.
وهكذا ازدادت أيضاً أهمية الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" تدريجياً على الصعيد العالمي ليُصبح الآن، في نظر الكثيرين، من أقوى المنظمات أو الاتحادات العالمية. ومع ازدياد شعبية هذه الرياضة ازداد اهتمام كبرى الشركات العالمية بها لاستخدامها لأغراض الدعاية والإعلان، وبالتالي ازداد الإقبال على الاتحاد الدولي لكرة القدم لتوقيع عقود رعاية معه. وهكذا أصبحت نهائيات كأس العالم في كرة القدم اليوم البطولة الرياضية الأبرز التي تجمع أكبر عدد من الرعاة.
كرة القدم ـ مصدر دخل مالي ضخم
تاريخيا تعتبر بطولة العالم لكرة القدم عام 1982 في إسبانيا النقطة الفاصلة في تاريخ الفيفا فيما يتعلق بعلاقاتها بالشركات الراعية. وابتداء من هذه البطولة شهدت رياضة كرة القدم تحولاً كبيراً جلب للفيفا عشرات الملايين من الدولارات التي أصبحت في البطولات التالية مئات الملايين. والسر الكبير في هذا التحول التاريخي الذي طرأ على كأس العالم وانتقالها حدث رياضي إلى استثمار مالي كبير تلهث وراءه كبرى الشركات والمجموعات هو بيع حقوق البث للمجموعات الإعلامية العالمية ووسائل الإعلام المختلفة.
الجزيرة الرياضية تحتكر حقوق البث عربيا
وكان الفيفا قد باع حقوق البث الحصري لمونديال 2010 ولكأس العالم 2014 لعدد من المؤسسات الإعلامية العالمية في مختلف بلدان العالم. وعلى الصعيد العربي أصبحت قناة الجزيرة الرياضية تمتلك حقوق البث بعد أن اشترت قنوات إي آر تي الرياضية بما تملكه من حقوق بث البطولات العالمية ومنها كأس العالم 2010 في جنوب إفريقيا. وهكذا ستقوم قنوات الجزيرة الرياضية بتغطية نهائيات كأس العالم في جنوب إفريقيا ونقل المباريات حصرياً في المنطقة العربية. وهذه هي المرة الأولى التي تقوم فيها الجزيرة منذ إنشائها بالنقل الحصري لنهائيات كأس العالم في كرة القدم.
مفاوضات متعثرة
وفي إطار المفاوضات التي أجرتها الجزيرة مع القنوات العربية لبث مباريات كأس العالم أرضياً، يبدو أن القرار الذي اتّخذه مسؤولو الجزيرة الرياضية بعدم منح حقوق البث لمعظم القنوات العربية كان قراراً نهائياً وقاطعا. وبرّرت الجزيرة الرياضية ذلك بوصول المفاوضات مع تلك القنوات إلى طريق مسدود بعد أن فشلت الأطراف المعنية في التوصل إلى اتفاق بهذا الشأن.
ففي المغرب، على سبيل المثال، كانت وزارة الشباب والرياضة قد أكدت قبل فترة وجيزة أن المغاربة لن يكون بوسعهم مشاهدة مباريات المونديال عبر تلفازاتهم الوطنية بسبب فشل المفاوضات التي أجرتها الوزارة مع الجزيرة الرياضية. هذه الأخيرة قدّمت بداية اقتراحاً للمغاربة ببيعهم 22 مباراة من اختيارها، وهي مباريات من الدرجة الثانية، مقابل 22 مليون دولار. لكن الطرف المغربي رفض هذا الاقتراح، مفضلاً استثمار هذا المبلغ في الرياضة الوطنية بدلاً من منح مواطنيه مشاهدة 22 مباراة ضمن المونديال. لكن المفاوضات لم تتوقف عند هذا الحد، بل استمرت بين الطرفين. وفي غضون ذلك خفّضت الجزيرة الرياضية المبلغ الذي كانت تطلبه إلى 15 مليون دولار مقابل بيع 22 مباراة من أصل 64.
لكن يبدو أن الطرف المغربي مازال يعتبر أن هذا المبلغ مبالغ به، لذا رفض المغاربة هذا العرض لأسباب عديدة أيضاً، منها اقتصار حق البث على ثلث مباريات كأس العالم، إضافة إلى أن الجزيرة هي التي ستحدد نوعية المباريات. وقد أكد مسؤول مغربي معني بالأمر أن الجزيرة عرضت على الطرف المغربي المباريات الأقل تشويقاً واستثنت المباريات الحاسمة والمثيرة التي تخوضها منتخبات كبيرة صاحبة الرقم القياسي في الفوز ببطولة العالم البرازيل وبطلة أوروبا إسبانيا والأرجنتين. هذا بالإضافة إلى مباريات المنتخب الجزائري. لذا أصرّ المغاربة على رفضهم لهذا العرض. أما في الجزائر فيُتوقع أن يكون بوسع القناة الجزائرية الوطنية بث عدد مُحدد من مباريات المونديال بعد أن تم الاتفاق مع الجزيرة على ذلك. وبذلك يكون بوسع مشجعي الفريق الأخضر على الأقل متابعة مباريات منتخبهم.
وبتولي الجزيرة نقل مباريات كأس العالم حصرياً تواصلت بالطبع مسألة التشفير التي أصبحت واقعاً على الجميع التعامل معه. وبما أن أسعار حقوق البث تزداد عاماً بعد عام ارتفعت أيضاً رسوم الاشتراك في القنوات المالكة لحقوق البث التلفزيوني لمباريات البطولة العالمية. لكن الكثير من عشاق الساحرة المستديرة في كثير من بلدان العالم ومن بينها البلدان العربية لا يستطيعون مادياً الاشتراك في الجزيرة الرياضية لمشاهدة رياضتهم المفضلة.
هل أصبحت لعبة الفقراء للأغنياء فقط؟
لذا يتساءل الكثيرون من عشاق كرة القدم الآن: لماذا أصبحت مشاهدة مباريات كأس العالم فقط لمَن يستطيع الاشتراك بالقنوات المشفّرة؟ ولماذا حُرم عشرات الملايين من عشاق كرة القدم العربية من متابعة رياضتهم المفضلة ومشاهدة مباريات المنتخب العربي الوحيد المشارك في المونديال المنتخب الجزائري؟ ويتساءل كثيرٌ من المواطنين العرب من أصحاب الدخل المتدني: كيف يُمكن لمواطن يتقاضى 100 دولار أو أكثر قليلاً أن يدفع كامل راتبه لمشاهدة مباريات كأس العالم؟ هل أصبحت لعبة الفقراء للأغنياء فقط؟ و أليس من الظلم أن تحتكر قناة تلفزيونية واحدة بث مباريات كأس العالم في الدول العربية الاثنتين والعشرين؟
لا شكّ في أن جميع هذه الأسئلة مشروعة، فالملايين من عشاق كرة القدم العربية سيُحرمون من مشاهدة مباريات بطولة كأس العالم. ولولا التشفير لكان بوُسع أكثر من 100 مليون عربي مشاهدة مباريات المونديال. لكن التشفير سيحرم الأغلبية العظمى منهم من الاستمتاع بالعرس الكروي الكبير. هذا العرس الكروي سيستمتع به بكل تأكيد المحظوظون من مشجعي كرة القدم الميسورين القادرين على دفع أكثر من 100 دولار مقابل مشاهدة مباريات كأس العالم 2010.
لكن هناك أيضاً إمكانيات أخرى لمشاهدة مباريات المونديال، وذلك في الأماكن العامة مثلا؟ ففي كثير من العواصم والمدن العربية يستطيع عشاق كرة القدم متابعة مباريات البطولة والاستمتاع بمشاهدة مباريات المنتخب الجزائري، مُمثل العرب الوحيد، في الأماكن العامة. فبعض المقاهي أو كثيرٌ منها اشترى حقوق بث مباريات البطولة من الجزيرة الرياضية لعرض المباريات أمام العشرات وربما المئات من مشجعي كرة القدم. وهناك إمكانية أخرى أيضاً لمشاهدة مباريات المونديال، وذلك على شاشات السينما.
مباريات كأس العالم على شاشات السينما
ففي الإمارات العربية المتحدة، على سبيل المثال، وقّعت شركة "جراند سينما" اتفاقية مع قناة الجزيرة الرياضية لبث مباريات كأس العالم مباشرة على شاشات السينما العملاقة في الإمارات. ومن المتوقع أن تبيع جميع صالات السينما التابعة لـ "جراند سينما" في الإمارات العربية المتحدة قرابة 5 آلاف بطاقة لكل مباراة من مباريات كأس العالم. أما أسعار البطاقات فسيزداد بالطبع مع تقدّم الأدوار في المونديال إلى أن يصل سعر التذكرة الخاصة بالمباراة النهائية إلى حوالي 25 دولار.
رياضة الفقراء لم تعُد هكذا إذا! وذلك منذ بدء تسويق مباريات نهائيات كأس العالم لكرة القدم. فهنيئاً لمن يستطيع الاشتراك في القنوات المشفرة للاستمتاع بمشاهدة مباريات المونديال. وهنيئاً لمن يُحقق الأرباح الطائلة من وراء بيع حقوق بث مباريات كأس العالم في كرة القدم. أما الفقراء فهنيئاً لهم إيمانهم بأن "القناعة كنرٌ لا يفنى"!
الكاتب: علاء الدين موسى البوريني
مراجعة: عبده جميل المخلافي