مسيحيو لبنان ينتظرون دعما من الغرب ومن بابا الفاتيكان
١٣ سبتمبر ٢٠١٢تختلط في العاصمة اللبنانية بيروت أصوات الآذان بأجراس الكنائس. فالأقلية المسيحية في لبنان تعيش حياتها بشكل طبيعي ودون مشاكل تذكر في بلد عربي ذي أغلبية مسلمة. ويمثل المسيحيون حوالي 20 بالمائة من سكان لبنان، فليس من الغريب إذن أن تجد الكنائس هناك بجوار المساجد. ولا تخلو بيروت من كنائس ضخمة مثل كاتدرائية سان جورج المارونية في مركز المدينة.
ويتوافد الزوار على الكاتدرائية هذه الأيام بشكل استثنائي ولا يقتصر الأمر على كبار السن فحسب بل هناك الكثير من الشباب اللبناني المسيحي الذي جاء لحضور قداس ضمن الاستعدادات لزيارة بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر المقررة للفترة بين 14 و 16 من أيلول/سبتمبر الجاري.
ويتجول الأب أنطوان عاصف وسط الصفوف داخل الكاتدرائية ويصافح المؤمنين وكأنه يعرفهم جميعا بشكل شخصي. ويتذكر عاصف الحرب الأهلية في لبنان قائلا:"تسببت الحرب الأهلية في الكثير من الضرر رغم أنها انتهت إلا أن الأجواء مازالت متوترة..الخوف يعتري المتدينين بشكل خاص لكن هذا الخوف هو الذي يجعلهم يتمسكون بعقيدتهم بشكل أقوى". وعبر شاشة كبيرة جرى عرض أحد الأفلام القصيرة التي تتناول حياة بابا الفاتيكان، لتبدأ بعد ذلك مراسم القداس. ويتناول الأب عاصف في كلمته طريق الآلام الذي سلكه السيد المسيح كما يتطرق أيضا إلى ضرورة التعايش بين أتباع الديانات المختلفة داخل لبنان.
مسيحيو الشرق يأملون في اهتمام أكبر من الغرب
منذ 12 عاما يرعى الأب عاصف كنيسته الواقعة في قلب أحد أحياء بيروت بأغلبية مسلمة. ويرى الأب عاصف أن زيارة بابا الفاتيكان مهمة لجميع المسيحيين في المنطقة ويقول:"تذكر هذه الزيارة المسيحيين والبشرية كلها بالأصول الجغرافية للمسيحية التي تعود إلى الشرق الأوسط".ويضيف قائلا:"نأمل أن تذكر هذه الزيارة العالم كله بأن هناك مسيحيين يعيشون في لبنان وفي الشرق الأوسط".
ويشير الأب عاصف إلى الصعوبات التي مر بها المسيحيون في لبنان في الماضي كما يتوقع في المستقبل أوقاتا صعبة بالرغم من حركات الربيع العربي ويوضح ذلك بقوله:"هذا ليس ربيعا على الإطلاق بالنسبة للمسيحيين. ثمة حكومة إسلامية دينية تحل محل نظام ديكتاتوري".
ضرورة التعايش المشترك
وتثير التغيرات السياسية الجذرية في منطقة الشرق الأوسط مخاوف المسيحيين في المنطقة، كما يتساءل الأب عاصف قائلا:"كيف يفكر الساسة في الغرب ؟ هل يعتقدون أن الحكومات الجديدة ذات الطابع الإسلامي تشكل خطرا أم أنها ستعمل بالفعل على إنتاج الديمقراطية"؟ كما يتساءل الأب عاصف - مثل كثير من المسيحيين هنا - عن موقف الغرب تجاه التغيرات الجديدة في المنطقة ويصرح أنه يتوقع من "الأخوة في العقيدة" في الغرب المزيد من الدعم لتحسين أوضاع المسيحيين في الشرق ولضمان استمرار وجودهم. ويشير رجل الدين المسيحي في الوقت نفسه إلى أهمية قيم التسامح وتقبل الآخر كما تحث عليها الديانة المسيحية، مؤكدا أن هذه القيم هي التي تؤدي الى التعايش بين أتباع الأديان المختلفة.
شراكة سياسية واضحة للمسيحيين
لا يتشكك الأب عاصف من أن أوضاع المسيحيين في لبنان أفضل مقارنة بالكثير من الدول العربية الأخرى. ويشير الى أن مسيحيو لبنان لم يعودوا عرضة للقمع أو التهديد، كما أصبح باب المشاركة في الحياة السياسية مفتوحا، كما يؤكد رجل الدين المسيحي. فبالرغم من أن النفوذ السياسي لمسيحيي لبنان تراجع بعد الحرب الأهلية إلا أن اتفاق الطائف الذي تم التوصل إليه في المملكة العربية السعودية عام 1989 بين الفرقاء اللبنانيين يعطي المسيحيين الكثير من الضمانات للمشاركة في الحياة السياسية. فنسبة تمثليهم في مجلس النواب والإدارات على سبيل المثال تقدر في حدود 50 بالمائة رغم أنهم يمثلون خمس عدد السكان فقط.
ووفقا للإحصائيات فإن معدلات هجرة المسيحيين من لبنان لا تختلف عن معدلات هجرة المسلمين منها سواء من السنة أو الشيعة وهي هجرة ترتبط غالبا بدوافع إقتصادية. فكل القوى السياسة بشكل عام تحاول توسيع نطاق نفوذها كما يوضح جواد عدرا من مؤسسة "الدولية للمعلومات" في بيروت:"لا يتعلق الأمر اليوم بكون السياسي شيعيا أو سنيا أو مسيحيا. الجميع يتنافس على السلطة". وتكفي نظرة متمعنة للوضع السياسي اللبناني، لإثبات هذا التحليل، حيث هناك الكثير من الأحزاب المسيحية التي تقسم نفسها بين قوى "الثامن من آذار" – أبرز أركانها حزب الله الشيعي – وقوى "الرابع عشر من آذار" – التي تميل للتيار السني.
صنع الفرقة الدينية بهدف السلطة فقط
ويعبر بعض المسيحيين عن اعتقادهم أن القوى السياسية هي التي تتعمد صنع الفرقة بين أتباع الديانات المختلفة. المسيحية المارونية فادية تؤكد على هذه المقولة. وتقول فادية التي تحرص على حضور القداس بانتظام في كاتدرائية سان جورج:"علاقتي بجيراني المسلمين طيبة للغاية، القوى السياسية هي التي تحاول إشعال الفتنة وكل هذا من أجل الفوز بالسلطة. ليس لدينا مشكلات مع بعضنا كبشر. عليهم فقط تركنا في هدوء". فليس لديها مخاوف من مخاطر حدوث تطرف إسلامي في الدول المجاورة كما إنها لا تخشى تدهور العلاقات بين المسلمين والمسيحيين في بلادها. وبذلك فإنها تعبر عما صرح به بابا الفاتيكان السابق يوحنا باول الثاني عندما وصف لبنان خلال زيارته له عام 1997 بأنها دولة تعطي رسالة للعالم كنموذج للحوار المتوازن بين المسيحيين والمسلمين.
أما بالنسبة للكلمات التي سيوجهها البابا الحالي بنديتك السادس عشر للمسيحيين في لبنان، فالجميع يترقب مضمونها.