المسيحيون في لبنان: الخوف وانعدام الآمن يشجعان على الهجرة
١٥ أكتوبر ٢٠١٠بدعوة من البابا بينيدكت السادس عشر تشهد روما من العاشر وحتى الرابع والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر انعقاد السينودوس الخاص بالشرق الأوسط. ويهدف هذا السينودوس للفت الانتباه الدولي إلى أوضاع المسيحيين في هذه المنطقة التي يتناقص عددهم فيها عاما بعد آخر، كيف تبدو أحوال الشباب العرب المسيحي في لبنان على سبيل المثال، لاسيما وأن هذا البلد أُعتبر حتى الآن بمثابة الملجأ الآمن لهم، ما هي علاقتهم بالدين وبأقرانهم من المسلمين؟
ضعف التمسك بالدين المسيحي كعقيدة
"لا فرق عندي بين المسيحيين والمسلمين، غير أنني فخورة بكوني مسيحية، ولا أرغب يوما بالتخلي عن ديني"، تقول سندرا حمال ابنة السابعة عشرة والطالبة في الثانوية العامة. تذهب سندرا مساء كل جمعة إلى لقاء في الكنيسة المارونية الكاثوليكية بضاحية برج حمود البيروتية حيث تسكن. تلتقي هناك مع مجموعة من جيلها حيث يقرؤون مقاطع من الإنجيل ويناقشوها. بعد ذلك يتقاسمون أنشطة تطوعية يقدمون من خلالها خدمات اجتماعية مثل زيارة المرضى ورعاية الأطفال، إضافة إلى خدمات خاصة بأداء الصلوات. ومثل سندرا تفعل ميرنا شحود أيضا العضو في المجموعة. ترى ميرنا بأن "الشباب هم الاستثناء في الكنيسة، فغالبية الحضور والأعضاء الفاعلين من كبار السن. أصدقائنا يتساءلون لماذا نستمر في الذهاب إلى الكنيسة. وأنا أعطيهم بعض الحق، فالكنيسة لا تستطيع مخاطبة الشباب".
تقع ضاحية برج حمود التي تقطنها غالبية مسيحية إلى الشمال من بيروت. يعيش في الضاحية حوالي 1000 أسرة تنتمي للمذهب الكاثوليكي. يتردد على الكنيسة من هذه الأسر بانتظام حوالي 60 طفلاً وشاباً فقط. ومن واقع خبرة القسيس يوحنا داود، معلّم الديانة الكاثوليكية والمسئول عن العمل الشبابي في برج حمود، فإنه ليس للدين أهمية لدى الشباب، فغالبا ما يقول أحدهم: "أحتاج وظيفة وسيارة وشقة، وطالما أن الله لا يعطيني هذه الأشياء. فلماذا الجأ إليه؟". يضاف إلى ذلك أن غالبية الشباب لا تحظى بتربية مسيحية من قبل عائلاتهم. غير أن القسيس يوحنا يلاحظ من جهة أخرى بان الشباب المسيحي يستخدم الدين للابتعاد عن الآخر، وفي هذا الإطار يرددون أقوالا مثل "يريد المسلمون إخراجنا من البلد". لكن الملفت أنهم يقولون هذا في وقت لا يفكرون فيه طويلا بإدارة ظهورهم له عندما تُتاح لهم فرصة للهجرة منه. وينتقد القسيس داود كيف أن "المسيحية لم تعد عقيدة، بل انتماء طائفي- حزبي مقترن بالتعصب".
وبدورها تؤكد زينة أبو رويسه عدم اهتمام الشباب الأرثوذكسي بالدين. وفي نفس الوقت يوجد لدى هؤلاء الكثير من سوء الظن إزاء الشباب المسلم، على الرغم من أنهم لا يعرفون سوى القليل عنهم، الجدير ذكره أن زينة مسئولة عن حركة الشباب الأرثوذكسي في منطقة بيروت، وهي منظمة تنشط في لبنان وسوريا على حدٍ سواء.
وفيما يتعلق بالهجرة فإنها لا تعود فقط لأسباب مادية بل أيضا إلى الصراعات الداخلية، إضافة إلى حربي 1982 و2006. وبفعل ذلك أصبح الوضعان الاقتصادي والأمني صعبا للغاية في لبنان. وفيما يتعلق بالمسيحيين فإن الضغوط تزداد عليهم بشكل يقيد من حرياتهم. ففي عام 2006 على سبيل المثال قام متطرفون إسلامويون بهجمات على كنائس ومناطق مسيحية.
محاولة لتجاوز التفرقة الطائفية
أكدت دراسة للجامعة الأمريكية في بيروت عن هوية الشباب اللبناني أقوال القسيس يوحنا داود وزينة أبو رويسه، فقد جاء في الدراسة أن الغالبية العظمى من الشباب الذين أُخذت آرائهم لا يثقون بأقرانهم من مذاهب دينية أخرى. وقد شملت عينة الدراسة شبابا بين سن 18 وسن 25 سنة.
ومن أجل حل معضلة جهل الشباب ببعضهم تأسست منظمة "أديان" في بيروت عام 2006 من قبل مسلمين ومسيحيين. تنشط المنظمة من أجل تشجيع الحوار بين الأديان بين الشباب في العالم العربي، وذلك عن طريق ورش عمل في المدارس وتنظيم الرحلات. وفي هذا الإطار ينبغي على جيل الشباب التعرف على أديان بعضهم والحد من الأحكام المسبقة، ومن المخاوف تجاه الآخر. هدى بركات شابة في أواسط العشرينات، وهي إحدى الناشطات المسلمات في المنظمة. وعلى الرغم من أنها درست العلاقات الدولية، فأنها تجد العمل لدى "اديان" أكثر إثارة ومتعة.
وعن عملها تقول هدى بأن الدين يلعب دورا هاما في حياتنا، غير أنه لا يجب أن يكون السبب في التفرقة بين أبناء الأديان والمذاهب المختلفة. وتضيف هدى"على العكس من ذلك يتعلق الأمر بالتعرف على عقيدة الآخر وفهمها كجزء منه، على هذا الأساس أصبحت أكثر تمسكا بديني منذ بدأت العمل في المنظمة، غير أنني في نفس الوقت أصبحت أحترم الآخرين أكثر، وهنا لا يتعلق الأمر بأتباع الديانات الأخرى، بل أيضا بالمسلمين الذي لديهم تصورات أخرى لحياتهم تختلف عن تصوري عنها".
أما نيلى هاجر (25 سنة) المسيحية فتعمل لدى المنظمة منذ بضعة أشهر. تقول نيلى عن عملها: "نحن جميعا لبنانيون، مسيحيون ومسلمون في سن الشباب، كل واحد منا يعمل انطلاقا من دينه لمصلحة الجميع". وحول رأيها بخصوص تراجع عدد المسيحيين تقول نيلى بأن ذلك لا يقلقها بشكل خاص. "صحيح أن عددنا يتراجع، غير أن ذلك ينبغي أن يكون حافزا لنا من أجل التفكير بعمل شيء ما لمواجهة ذلك بدلا من الخوف والتعبير عن الصدمة"، على حد قولها. وردا على سؤال حول ما تأمل به من انعقاد السينودوس تقول نيلى: "انصح ممثلي الكنائس في روما بالاستماع إلى الشباب ومراعاة احتياجاتهم".
منى النجار/حسام صابر
مراجعة: ابراهيم محمد