مرتزقة فاغنر ـ ذراع روسيا الطُّولى وأداة لنفوذها في أفريقيا
٢٨ أكتوبر ٢٠٢٤إنها فرقة من المرتزقة الروس شعارها عبارة عن دائرتين أحدهما فيها اسمها والأخرى رسمت بداخلها جمجمة، وسُميت الفرقة على اسم الموسيقار المفضل للزعيم النازي أدولف هتلر. إنها مجموعة المرتزقة الروسية "فاغنر"، التي قدمت نفسها بهذه الصورة، على الأقل في سنواتها الأولى. لكن تلك الصورة تتجاهل الكثير من الجوانب التي تمثلها هذه المجموعة، فهي كانت لفترة طويلة شبكة واسعة النطاق تنفذ أيضاً أنشطة اقتصادية، وخاصة في أفريقيا وتسعى دائماً إلى تحقيق مصالح روسيا.
ومنذ أن سعى رئيس فاغنر يفغيني بريغوجين إلى مواجهة مفتوحة مع سيد الكرملين فلاديمير بوتين في يونيو/ حزيران 2023 وتوفي بعد ذلك بوقت قصير في حادث تحطم طائرة غامض، اقتربت مجموعة فاغنر من هياكل الدولة الروسية.
فاغنر كعميل غير رسمي لروسيا
تقول هاجر علي، الباحثة في معهد هامبورغ للدراسات العالمية والإقليمية (GIGA-Institut)، في مقابلة مع DW: "إن مجموعة فاغنر ضرورية للغاية لأنها مكملة للقنوات الدبلوماسية الرسمية". فإضافة إلى تجهيز القوات المسلحة والمبادرات الدبلوماسية مثل تلك الموجودة في "نسق بريكس بلس"، هناك أنشطة لا ترغب روسيا بالضرورة أن تنفذها جهة رسمية بالدولة. وتضيف علي: "بالنسبة لأي جيش رسمي، هناك مجموعة مختلفة تمامًا من القواعد الدولية تنطبق عليه، خلافا لما ينطبق على مقاول عسكري خاص".
بعد مصرع بريغوجين، تم نقل بعض تشكيلات فاغنر إلى ما يسمى بـ"فيلق أفريقيا". وهذا الاسم أيضًا فيه إشارة إلى الاشتراكية القومية (النازية)، لكن الوحدة الجديدة تابعة لوزارة الدفاع الروسية. ويقول أولف ليسينغ، مدير مكتب مؤسسة كونراد أديناور الألمانية في منطقة الساحل، لـ DW: "الدولة الروسية أرادت السيطرة على المرتزقة، ولكن دون المساس بهياكل الأفراد الموجودة في عين المكان هناك. ولهذا السبب أصبح فيلق أفريقيا الآن شركة قابضة، استوعبت (مرتزقة) فاغنر".
وليست فاغنر هي الوسيلة الوحيدة: إذ تبذل روسيا أيضًا جهودًا لنشر الدعاية المناهضة للغرب في المجتمعات الأفريقية عبر وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام التقليدية. وأخيرًا، هناك أيضًا مؤسسات ثقافية مثل البيت الروسي في بانغي، عاصمة جمهورية أفريقيا الوسطى. يتعلم 500 مواطن من أفريقيا الوسطى اللغة الروسية هناك، وتقام هناك عروض مسرحية وموسيقية عامة. هكذا وصف مدير المركز، ديمتري سيتي، الأمر في مقابلة مع DW.
وصف ديمتري سيتي نفسه لـ DW بأنه "سفير غير رسمي للسياسة الروسية" - لكن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يعتبرانه قائدًا رفيع المستوى في فاغنر ويضعانه على قوائم العقوبات الخاصة بهما. ويعتبر الرجل البالغ من العمر 35 عامًا نفسه كبش فداء بينما يتهمه الاتحاد الأوروبي بارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في جمهورية أفريقيا الوسطى. وفي عام 2022، تحدثت منظمة هيومن رايتس ووتش، على سبيل المثال، عن عمليات القتل المستهدف والتعذيب – وعن إفلات الجناة من صفوف مجموعة فاغنر من العقاب.
ماذا تفعل مجموعة فاغنر في أفريقيا؟
يكاد لا يوجد بلد آخر العلاقة فيه وثيقة بهذا الشكل بين الحكومة وفاغنر كما هو الحال في جمهورية أفريقيا الوسطى. فهناك يقوم المرتزقة بحماية الرئيس فوستين-آركانج تواديرا ودعم القوات الحكومية في جهودها للحفاظ على اليد العليا في البلد التي تشهد حربا أهلية. ووفقا لتقارير لوسائل إعلام، يوجد هناك حوالي 1500 إلى 2000 مقاتل. وقد أبرمت البلاد بالفعل اتفاقية أمنية رسمية مع روسيا في عام 2018، ويجري حاليًا توسيع مطار عسكري ليصبح محور طيران روسي.
وربما، في مقابل الخدمات الأمنية، تقوم شركات من شبكة فاغنر الأوسع، باستغلال ونهب أشياء من بينها منجم ذهب في أفريقيا الوسطى وتقطع الأخشاب الاستوائية الثمينة. وتقوم غيرها بتصنيع البيرة أو بيع الفودكا في بانغي أو ممارسة أعمال تجارية في مجال السكَر.
وتعد فاغنر أيضًا لاعبًا نشطًا في الصراع الدائر في ليبيا. فليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى تعدان أيضًا بوابة من محاور أنشطة فاغنر في السودان: حيث كانت المجموعة على اتصال وثيق مع الوحدة الخاصة لقوات الدعم السريع حتى قبل بدء الحرب، على سبيل المثال كمدربين وفي مناجم الذهب التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع. أما الطرف المتحارب الآخر، وهو الجيش النظامي السوداني، فهو مهم أيضاً بالنسبة للكرملين، سواء من حيث التجارة أو القاعدة البحرية على البحر الأحمر.
وتوضح هاجر علي أنه بفضل مجموعة فاغنر المنضوية حديثًا تحت قيادة "فيلق أفريقيا"، يستطيع الكرملين اتباع استراتيجية أكثر وضوحًا. فمن ناحية، يمكن لروسيا الوصول إلى الموارد من خلال مجموعة فاغنر. "ومن ناحية أخرى، يمكنه الآن أيضًا استخدام القنوات الدبلوماسية الرسمية للحفاظ على أو حتى تعميق بصمة واضحة في السودان". ويمكن لروسيا، التي تعتمد على العملات الأجنبية في حربها ضد أوكرانيا، أن تستفيد مرتين حيث تبيع مصانع الأسلحة الروسية أنظمة أسلحة جديدة وتشارك فاغنر في نقل المعرفة.
حزم "بقاء الأنظمة" للعملاء الذين يدفعون
وتركز أنشطة فاغنر الأخرى على منطقة الساحل: حيث يتولى الانقلابيون المناهضون للغرب السلطة في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، ويعتمد كل منهم على المساعدة الروسية. يقول أولف ليسينغ: "كانت الفكرة الأصلية لمالي هي جلب فاغنر واستبدال الغرب من أجل القتال والحصول على الأسلحة". ويضيف: "الآن تغيرت الأمور قليلاً، فحاكم بوركينا فاسو، إبراهيم تراوري، يحيط نفسه بحراس شخصيين روس.
وهناك، وفي النيجر أيضًا، توجد دلائل تشير إلى أن فاغنر تقدم ما يسمى بـ "حزمة بقاء النظام". ويقول ليسينغ: "في النيجر، هناك أيضًا فيلق أفريقيا ولا توجد دلائل على أنهم يقاتلون - لكنني مقتنع بأنهم يحمون النظام، خاصة وأن الروس أعلنوا أنهم سينصبون مدافع مضادة للطائرات لمحاربة الجهاديين". ويذكر ليسينغ جمهورية أفريقيا الوسطي مرة أخرى "كنسخة بالكربون" من مالي، حيث تساعد فاغنر الرئيس على البقاء في السلطة.
وتلاحظ هاجر علي هذا أيضًا. "يمكن أن يشمل ذلك الخبرة والتجربة بالإضافة إلى الدعم الفعلي في مواجهة الانتفاضات المدنية المحتملة وجمع الموارد الطبيعية وما إلى ذلك". ومن المحتمل أن تعرض فاغنر في المستقبل "حزم بقاء النظام" هذه على المزيد من رؤساء الدول الأفريقية.
أعده للعربية: صلاح شرارة